وقد یدلّ علیها الأدلّة الأربعة من الکتاب والسنّة والإجماع وبناء العقلاء (لا دلیل العقل):
أمّا الکتاب: فهو آیتان إحدیهما: قوله تعالى فی قصّة زکریا وولادة مریم: (وَمَا کُنْتَ لَدَیْهِمْ إِذْ یُلْقُونَ أَقْلاَمَهُمْ أَیُّهُمْ یَکْفُلُ مَرْیَمَ وَمَا کُنْتَ لَدَیْهِمْ إِذْ یَخْتَصِمُونَ)(1) فإنّه بعد ما وقع التشاّح بین الأحبار لتعیین من یکفل مریم حتى بلغ حدّ الخصومة ولم یجدوا طریقاً لرفعه إلاّ القرعة تقارعوا بینهم، فوقعت القرعة على زکریّا.
ثانیهما: قوله تعالى: (وَإِنَّ یُونُسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِینَ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْکِ الْمَشْحُونِ فَسَاهَمَ فَکَانَ مِنْ الْمُدْحَضِینَ)(2) وقصّة یونس (إباقه من قومه ثمّ وروده فی سفینة ووقوع القرعة علیه ثلاث مرّات) معروفة.
إن قلت: إنّ الآیتین وردتا فی الشرائع السابقة، وقد مرّ أنّ الأقوى عدم حجّیة استصحابها للشریعة اللاحقة.
قلنا: إنّ تمسّکنا بهما فی المقام لیس مبنیّاً على حجّیة استصحاب الشرائع السابقة، بل مبنى على أنّ نقل القرآن الکریم قد یکون ظاهراً فی الامضاء.
وأمّا الروایات: فهى على طائفتین: طائفة عامّة تعمّ جمیع موارد القرعة، وقد نقلنا منها إثنا عشرة روایة فی کتابنا القواعد الفقهیّة(3)، وطائفة خاصّة تختصّ بقضایا خاصّة کالتی وردت فی الغنم الموطوءة أو ولد الشبهة أو النذر، وقد نقلنا منها عشر طوائف فی القواعد الفقهیّة أیض(4)، ولا إشکال فی أنّها بمجموعها بلغت حدّ التواتر ولذلک نعدّها عمدة أدلّة القرعة.
وأمّا بناء العقلاء: فلا إشکال أیضاً فی أنّ سیرة العقلاء جرت على القرعة فی الاُمور المشکلة علیهم التی تنجرّ إلى التنازع والتشاحّ، فراجع لتفصیل البیان والموارد المختلفة فی تداول القرعة بینهم کتاب القواعد الفقهیّة أیض(5).
وأمّا الإجماع: فلا ریب أیضاً فی أنّ إتّفاق الأصحاب قام على حجّیة القرعة، نعم لا أقلّ من أنّه محتمل المدرک فلا یمکن الرکون إلیه خاصّة.