4 ـ السنّة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
أنوار الاُصول(الجزء الثّالث)
3 ـ العقلالمقام الثانی: فی مفاد الحدیث

(التی هى العمدة فی المقام) فتنقسم إلى الروایات الواردة من طرق الخاصّة والواردة من طرق العامّة.

أمّا الواردة من طرق الخاصّة: فهى على طائفتین: طائفة تدلّ على هذه القاعدة بعمومها، وطائفة وردت فی موارد خاصّة یمکن اصطیاد العموم من ملاحظة مجموعها ولا أقل من کونها مؤیّدة للطائفة الاُولى.

أمّا الطائفة الاُولى فهى کثیرة:

منها: قضیّة سمرة بن جندب التی وردت بثلاثة طرق:

الأوّل: طریق ابن بکیر عن زرارة عن أبی جعفر(علیه السلام) قال: «إنّ سمرة بن جندب کان له عذق فی حائط لرجل من الأنصار، وکان منزل الأنصاری بباب البستان فکان یمرّ به إلى نخلته ولا یستأذن، فکلّمه الأنصاری أن یستأذن إذا جاء، فأبى سمرة، فلمّا تأبّى جاء الأنصاری إلى رسول الله(صلى الله علیه وآله) فشکا إلیه وخبّره الخبر، فأرسل إلیه رسول الله(صلى الله علیه وآله) وخبّره بقول الأنصاری وما شکى وقال: إذا أردت الدخول فاستأذن فأبى، فلمّا أبى ساومه حتّى بلغ به من الثمن ما شاء الله فأبى أن یبیع فقال: لک بها عذق یمدّ لک فی الجنّة فأبى أن یقبل، فقال رسول الله(صلى الله علیه وآله)

للأنصاری: إذهب فاقلعها وارم بها إلیه فإنّه لا ضرر ولا ضرار»(1).

وهذه الروایة أحسن الرّوایات من جهة الدلالة على المطلوب، لعدم ذکر قید «على مؤمن» فیها، وسیأتی دخله فی المقصود من القاعدة.

الثانی: ما رواه ابن مسکان عن بعض أصحابنا عن زرارة (أیضاً) عن أبی جعفر(علیه السلام)نحوه إلاّ أنّه قال: «فقال له رسول الله(صلى الله علیه وآله): إنّک رجل مضارّ ولا ضرر ولا ضرار على مؤمن، قال: ثمّ أمر بها فقلعت ورمى بها إلیه، فقال له رسول الله(صلى الله علیه وآله): إنطلق فاغرسها حیث شئت»(2).

الثالث: ما رواه أبو عبیدة الحذاء قال: قال أبو جعفر(علیه السلام): «کان لسمرة بن جندب نخلة فی حائط بنی فلان فکان إذا جاء إلى نخلته ینظر إلى شیء من أهل الرجل یکرهه الرجل قال: فذهب الرجل إلى رسول الله(صلى الله علیه وآله)فشکاه فقال: یارسول الله إنّ سمرة یدخل علیّ بغیر إذنی فلو أرسلت إلیه فأمرته أن یستأذن حتّى تأخذ أهلی حذرها منه، فأرسل إلیه رسول الله(صلى الله علیه وآله)فدعاه فقال: یاسمرة ما شأن فلان یشکوک ویقول: یدخل بغیر إذنی فترى من أهله ما یکره ذلک، یاسمرة استأذن إذا أنت دخلت، ثمّ قال رسول الله(صلى الله علیه وآله) یسرّک أن یکون لک عذق فی الجنّة بنخلتک؟ قال: لا، قال: لک ثلاثة؟ قال لا قال: ما أراک یاسمرة إلاّ مضارّاً، إذهب یافلان فاقطعها (فاقلعها) واضرب بها وجهه»(3).

هذه طرق ثلاثة وردت فیها قضیة سمرة، ولا إشکال فی عدم صدور أصل القضیّة من جانب الرسول(صلى الله علیه وآله)ثلاث مرّات، وإن کان لا یبعد نقلها متعدّداً من أبی جعفر (علیه السلام)، وعمدة الفرق بینها أنّ فی الطریق الأوّل ذکرت کبرى «لا ضرر ولا ضرار» فقط من دون قید «على مؤمن»، ومن دون بیان صغرى «إنّک رجل مضارّ» الواردة فی الطریق الثالث، بینما فی الطریق الثانی مضافاً إلى بیان الکبرى ذکر کلا القیدین، وفی الطریق الثالث ذکرت الصغرى فحسب، ولا یخفى أنّ للحدیث إذا کان شاملا للکبرى قیمة اُخرى.

ثمّ إنّ هاهنا نکات ینبغی الإشارة إلیها، ولتکن هى على ذکر منک:

الاُولى: أنّ الظاهر من مجموع هذه الثلاثة أنّه کان لسمرة بن جندب حقّ العبور إلى نخلته من باب البستان الذی کان دار الأنصاری.

الثانیة: أنّ رسول الله(صلى الله علیه وآله) أراد الجمع بین حقّین: حقّ العبور وحقّ السکنى، وتحقّق هذا الجمع کان باستئذان سمرة.

الثالثة: أنّ شفاعة الرسول(صلى الله علیه وآله) للاستبدال بهذه النخلة ترشدنا إلى أنّه قد یلزم على القاضی أن یعطى من بیت المال ما یرفع الغائلة ویندفع به الخلاف، کما ورد فی بعض الرّوایات اعطاء الإمام الصادق (علیه السلام) مفضّل بن عمر مقداراً من المال لیرفع بها المنازعات الواقعة بین أصحابه.

ثمّ إنّه هل کان استدلال الرسول(صلى الله علیه وآله) بکبرى لا ضرر ولا ضرار على قلع الشجرة أو للجمع بین الحقّین؟

وهذا ممّا لم یطرح فی کلمات القوم فیما رأیناه، فیحتمل کونه للجمع بین الحقّین، أی لتبدّل حقّ العبور من الاطلاق إلى الاشتراط، ولقائل أن یقول بأنّ الجمع بین الحقّین لا یحتاج إلى الاستدلال بقاعدة لا ضرر لأنّه لازم قاعدة العدل والإنصاف (إلاّ أن یکون من باب التأکید) فیکون الاستدلال على قلع الشجرة، فأراد الرسول(صلى الله علیه وآله) أن یدفع الضرر من طریق قلع الشجرة.

ومنها: ما رواه عقبة بن خالد عن أبی عبدالله(علیه السلام) قال: «قضى رسول الله (صلى الله علیه وآله)بین أهل المدینة فی مشارب النخل أنّه لا یمنع نفع الشیء، وقضى بین أهل البادیة أنّه لا یمنع فضل ماء لیمنع فضل کلاء، فقال: لا ضرر ولا ضرار»(4).

وقد ذکر لقوله(صلى الله علیه وآله): «لا یمنع فضل ماء لیمنع فضل کلاء» احتمالات أحسنها: أنّه ورد فی الآبار التی کانت واقعة فی أطراف المدینة، التی یرفع بها ملاّکهم حوائجهم مع زیادة لها، ولکن کانوا یمنعونها عن أهل البادیة لسقی مواشیهم عند العطش الحاصل عادةً بعد الرعی فی المراتع الواقعة حول الآبار، فلم یقدروا على الاستفادة من کلائها فکان منع فضل الماء یمنع عن فضل الکلاء.

ویحتمل أیضاً أن یکون مفاده المقابلة بالمثل، فإنّ المضایقة عن فضل الماء توجب مضایقة ملاّک المراتع عن فضل الکلاء.

ویساعد هذا الاحتمال تکرار الضرر فی هذه القاعدة فیکون «لا ضرر» ناظراً إلى الضرر الأوّل (أی المنع عن فضل الماء) و «لا ضرار» إلى الضرر الثانی، أی إلى مقابلة الثانی بالمثل، وذلک لمکان باب المفاعلة کما سیأتی.

ثمّ إنّه هل کان استدلال الرسول(صلى الله علیه وآله) على حکم مستحبّ، أو على حکم وجوبی، أی هل اعطاء فضل الماء وعدم المنع عنه واجب على صاحب البئر أو مستحبّ؟

المشهور هو الثانی، وذهب الشیخ الطوسی(رحمه الله) وجماعة إلى الأوّل، وتفصیل الکلام فی محلّه، وإن کان قول الشیخ أوفق بظاهر الأدلّة.

ثمّ إنّه لو کانت کلمة «قال» الواردة فی ذیل الحدیث بالفاء (فقال) کان ذیل الحدیث جزء من هذه الروایة، وتصیر روایة مستقلّة عمّا سبق، فیؤخذ بما یستفاد من موردها الخاصّ من نکات وخصوصیّات، وأمّا إذا کانت بالواو کما ادّعى العلاّمة شیخ الشریعة(رحمه الله) وجوده فی النسخة المصحّحة من الکافی عنده، فیحتمل أن تکون جزء منها، کما یحتمل أن تکون من باب الجمع فی الروایة، فیشکل ترتیب آثار الإتّصال علیه.

ومنها: ما رواه عقبة بن خالد عن أبی عبدالله(علیه السلام): «قال قضى رسول الله(صلى الله علیه وآله)بالشفعة بین الشرکاء فی الأرضین والمساکن وقال: لا ضرر ولا ضرار، وقال: إذا ارّفت الأرف وحدّت الحدود فلا شفعة»(5).

فهذا الحدیث أیضاً یمکن التمسّک به بعنوان روایة مستقلّة غیر ما سبق، إذا کان بمجموعه روایة واحدة کما هو الظاهر من وقوع القاعدة بین فقرتین کلتاهما وردتا فی باب الشفعة(6)، فتکون حینئذ من قبیل الحکمة لجعل الشفعة (لا العلّة لأنّ البیع بغیر الشریک ضرریّ فی بعض الموارد لا فی تمامها).

ومنها: مرسلة الصدوق قال: وقال النبی(صلى الله علیه وآله): «الإسلام یزید ولا ینقص، (قال) وقال(صلى الله علیه وآله): لا ضرر ولا ضرار فی الإسلام، فالإسلام یزید المسلم خیراً ولا یزید شرّاً، (قال) وقال(صلى الله علیه وآله): الإسلام یعلو ولا یعلى علیه»(7).

وهو یدلّ على أنّ المسلم یرث من الکافر ولا یرث الکافر من المسلم لأنّ الإسلام یزید ولا ینقص، فلا یکون الإسلام من موانع الإرث عن الکافر بل یکون الکفر مانعاً عن إرث المسلم، ولو کان الإسلام مانعاً لکان موجباً للضرر ولا ضرار فی الإسلام.

ثمّ إنّه هل هذه الفقرات الثلاثة هى ثلاثة أحادیث، أو هى بمجموعها حدیث واحد؟ الظاهر هو الأوّل، لکن کلّ واحد منها یدلّ على أنّ المسلم یرث من الکافر ولا یرث الکافر من المسلم. (وأمّا عبارة «فالإسلام یزید المسلم خیراً ولا یزیده شرّاً» الواردة فی ذیل الحدیث الثانی فلعلّها من استنباط الصدوق وتفسیره، ولیس جزء للحدیث).

والذی یؤیّده ذلک ما رواه أبو الأسود الدؤلی أنّ معاذ بن جبل کان بالیمن فاجتمعوا إلیه وقالوا: یهودی مات وترک أخاً مسلماً، فقال معاذ: سمعت رسول الله (صلى الله علیه وآله) یقول: الإسلام یزید ولا ینقص، فورّث المسلم من أخیه الیهودی»(8). حیث إنّ معاذ استدلّ بالحدیث الأوّل فی قضائه من دون تذییله بالحدیث الثانی (لا ضرر ولا ضرار).

کما یؤیّده أیضاً روایة الحاکم(9) إیّاه فی المستدرک مجرّداً عن هذا الذیل (لا ضرر ولا ضرار).

ومنها: ما رواه هارون بن حمزة الغنوی عن أبی عبدالله (علیه السلام) فی رجل شهد بعیراً مریضاً وهو یباع فاشتراه رجل بعشرة دراهم وأشرک فیه رجلا بدرهمین بالرأس والجلد، فقضى أنّ البعیر برىء، فبلغ ثمنه (ثمانیة) دنانیر قال فقال: «لصاحب الدرهمین خمس ما بلغ فإن قال اُرید الرأس والجلد فلیس له ذلک، هذا الضرار، وقد أعطى حقّه إذا أعطى الخمس»(10).

وفی الحدیث وإن ورد مجرّد الصغرى لکنّه بمنزلة قوله «لا تشرب الخمر لأنّه مسکر» حیث إنّ الکبرى فیه محذوفة وهى کلّ مسکر حرام، کذلک فی هذا الحدیث فکبرى «لا ضرار» محذوفة فیه، ولذلک تدخل فی طائفة الرّوایات الدالّة على القاعدة بالعموم.

نعم لو قلنا: بأنّ الفرق بین «ضرر» و «ضرار» أنّ الثانی مخصوص بالضرر العمدی، فیکون مفاد هذا الحدیث أخصّ من مدلول غیرها ویکون ناهیاً عن خصوص الضرر العمدی.

ومنها: ما رواه المحدّث الثوری فی المستدرک عن دعائم الإسلام عن أبا عبدالله(علیه السلام) إنّه سئل عن جدار الرجل وهو سترة بینه وبین جاره سقط فامتنع من بنیانه قال: «لیس یجبر على ذلک إلاّ أن یکون وجب ذلک لصاحب الدار الاُخرى بحقّ أو بشرط فی أصل الملک، ولکن یقال لصاحب المنزل استر على نفسک فی حقّک إن شئت، قیل له فإن کان الجدار لم یسقط ولکنّه هدمه أو أراد هدمه اضراراً بجاره لغیر حاجة منه إلى هدمه قال: لا یترک، وذلک أنّ رسول الله(صلى الله علیه وآله) قال: لا ضرر ولا ضرار (اضرار) وإن هدمه کلّف أن یبنیه»(11).

وسیأتی أنّ ذیل هذا الحدیث شاهد على أنّ القاعدة یمکن الاستدلال بها لإثبات الحکم أیضاً لا لخصوص نفی الأحکام.

ومنها: ما رواه المحدّث النوری فی المستدرک أیضاً عن أمیر المؤمنین(علیه السلام): إنّ رسول الله(صلى الله علیه وآله) قال: «لا ضرر ولا ضرار».

ومنها: ما ورد فی عوالی اللئالی عن أبی سعید الخدری عنه (صلى الله علیه وآله) أنّه قال: «لا ضرر ولا اضرار فی الإسلام»(12).

وقال المصنّف بعد ذلک: وأسنده ابن ماجه والدارقطنی وصحّحه الحاکم فی المستدرک.

هذه هى الطائفة الاُولى، أی الروایات العامّة الدالّة على القاعدة عموماً.

أمّا الطائفة الثانیة: من الروایات الخاصّة، فمنها ما ورد فی حریم البئر وهى اثنتان:

أحداها: ما رواه محمّد بن الحسن (الحسین) قال: «کتبت إلى أبی محمّد (علیه السلام): رجل کانت له قناة فی قریة فأراد رجل أن یحفر قناة اُخرى إلى قریة له کم یکون بینهما فی البعد حتّى لا تضرّ إحداهما بالاُخرى فی الأرض، إذا کانت صلبة أو رخوة؟ فوقّع(علیه السلام): على حسب أن لا تضرّ إحداهما بالاُخرى إن شاء الله»(13).

الثانیة: ما رواه محمّد بن حفص عن رجل عن أبی عبدالله (علیه السلام) قال: «سألته عن قوم کانت لهم عیون فی أرض قریبة بعضها من بعض، فأراد رجل أن یجعل عینه أسفل من موضعها الذی کانت علیه، وبعض العیون إذا فعل بها ذلک أضرّ بالبقیة من العیون وبعضها لا یضرّ من شدّة الأرض، قال: فقال: ما کان فی مکان شدید فلا یضرّ، وما کان فی أرض رخوة بطحاء فإنّه یضرّ، وإن عرض رجل على جاره أن یضع عینه کما وضعها وهو على مقدار واحد قال: إن تراضیا فلا یضرّ، وقال: یکون بین العینین الف ذراع»(14).

والمستفاد من هاتین الروایتین عدم جواز الإضرار بالغیر وإن کان منشأه تصرّف الإنسان فی ملکه، نعم مقتضى خصوصیة المورد اختصاص الحکم بباب حریم البئر وعدم جواز التعدّی إلى غیره، ولکن یمکن الغائها عرفاً واسراء الحکم إلى مطلق موارد الإضرار بالغیر، ولا أقلّ من جوازه إلى غیر البئر من سائر الجیران والأملاک المتقاربة، وحینئذ تکون الروایتان حاکمتین على عموم الناس مسلّطون على أموالهم.

وقد ورد فی کتاب إحیاء الموات فی باب حریم البئر بحث عنونه الفقهاء فی أنّ المیزان فی حریم العیون والقنوات هل هو مطلق عدم الاضرار، أو مقدار الف ذراع فی الأرض الرخوة وخمسمائة ذراع فی الأرض الصلبة؟

مقتضى الاطلاق فی الروایة الاُولى بل صریحها هو الأوّل، وهو المحکی عن الأسکافی والمختلف والمسالک، ومدلول الروایة الثانیة هو الثانی، وهو مذهب المشهور، ولقائل أن یقول بکفایة أحد الأمرین: البعد بالمقدار المذکور فی الروایة الثانیة، أو العلم بعدم تضرّر الجار، الذی یستفاد من الروایة الاُولى.

ومنها: وما رواه عقبة بن خالد عن أبی عبدالله(علیه السلام) فی رجل أتى جبلا فشقّ فیه قناة فذهبت الآخر بماء قناة الأوّل. قال: فقال: «یتقاسمان (یتقایسان) بحقائب(15) البئر لیلة لیلة فینظر أیّتهما أضرّت بصاحبتها، فإن رأیت الأخیرة أضرّت بالاُولى فلتعور»(16).

«حقائب البئر» أو «عقائبه» اعجازها.

وهذه الروایة تحکم على عموم «من أحیى أرضاً فهى له» کما لا یخفى.

وأمّا عدم جریان هذا الحکم بالنسبة إلى الاُولى لو أضرّت بالثانیة فإنّما هو لقاعدة الإقدام.

ثمّ لا یخفى أنّ المستفاد من هذه الروایة هو الحکم الوضعی، وهو عدم استحقاق الثانی لبقاء ملکه على حاله.

وبهذا المضمون الروایة الثانیة والثالثة الواردتان فی نفس الباب، والظاهر أنّ جمیعها روایة واحدة.

ومنها: ما رواه محمّد بن الحسین قال: کتبت إلى أبی محمّد(علیه السلام): «رجل کانت له رحى على نهر قریة والقریة لرجل فأراد صاحب القریة أن یسوق إلى قریته الماء فی غیر هذا النهر ویعطّل هذه الرحى، أله ذلک أم لا؟ فوقّع(علیه السلام): یتّقی الله ویعمل فی ذلک بالمعروف ولا یضرّ أخاه المؤمن»(17).

ویرد على الاستدلال بهذه الروایة على المطلوب بأنّ دلالتها علیه متوقّفة على أن یکون موردها ما إذا لم یکن لصاحب الرحى حقّ الانتفاع من النهر من قبل (فیقال حینئذ أنّ مقتضى عموم: «الناس مسلّطون على أموالهم» جواز سوق الماء إلى نهر آخر ولکنّه یمنع لقاعدة لا ضرر).

وأمّا مع وجود احتمال آخر فی موردها وهو: أنّ صاحب الرحى کان له حقّ الانتفاع من قبل، تصیر الروایة مجملة لا تصلح للاستدلال بها لأنّ مقتضى الاحتمال الثانی أن یکون سوق الماء فی نهر آخر مزاحماً لحقّ صاحب الرحى، ومتعدّیاً علیه، وأن یکون منع الإمام(علیه السلام)مستنداً إلى هذه الجهة.

هذا، ولکن یمکن الجواب عنه بأنّ الإمام(علیه السلام) (على أی حال) أسند منعه إلى عنوان الضرر لا إلى عنوان العدوان والتعدّی على حقّ الغیر، وهذا کاف فی الاستدلال به على المقصود، ولا یبعد حینئذ الغاء الخصوصیّة عن موردها، والحکم بعدم جواز الاضرار مطلقاً.

ومنها: ما رواه الطبرسی(رحمه الله) فی مجمع البیان فی ذیل قوله تعالى: (مِنْ بَعْدِ وَصِیَّة یُوصِی بِهَا أَوْ دَیْن ...)قال: جاء فی الحدیث «أنّ الضرار فی الوصیّة من الکبائر»(18).

والظاهر (بقرینة سائر الروایات الواردة فی الباب) أنّ المراد من الضرار فی الوصیّة هو الوصیّة بتمام المال أو بأکثر من الثلث، وهو بنفسه حرام، ولذلک لا یتمّ الاستدلال بهذه الروایة لما نحن فیه، اللهمّ إلاّ أن یقال: إنّ حکمة جعل هذا الحکم هو حرمة الاضرار، فیکون حاکماً على عموم قاعدة السلطنة، ولازمه حکومة قاعدة لا ضرر على تلک القاعدة أیضاً فتأمّل، ولا یخفى أنّها ناظرة إلى الحکم الوضعی.

ومنها: ما رواه طلحة بن زید عن أبی عبدالله(علیه السلام) قال: «إنّ الجار کالنفس غیر مضارّ ولا إثم»(19).

ومنها: ما رواه أبو بصیر عن أبی عبدالله(علیه السلام) قال: سمعته یقول: «المطلّقة الحبلى ینفق علیها حتّى تضع حملها وهى أحقّ بولدها أن ترضعه بما تقبله امرأة اُخرى، یقول الله عزّوجلّ: (لاَ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِکَ) «لا یضارّ بالصبی ولا یضارّ باُمّه فی إرضاعه ...»(20).

ومنها: ما رواه الحلبی عن أبی عبدالله(علیه السلام) قال: سألته عن الشیء یوضع على الطریق فتمرّ الدابة فتنفر بصاحبها فتعقره فقال: کلّ شیء یضرّ بطریق المسلمین فصاحبه ضامن لما یصیبه»(21).

فتدلّ على أنّ الاضرار بالغیر ولو کان بالتصرّف فی الشارع العام موجب للضمان وأنّه لا فرق بین أن یکون الاضرار بالمباشرة أو بالتسبیب.

ومثله ما جاء فی حدیث أبی الصباح عن أبی عبدالله(علیه السلام): «کلّ ما أضرّ بشیء من طریق المسلمین فهو له ضامن»(22).

ومنها: ما رواه حسن بن زیاد عن أبی عبدالله (علیه السلام) قال: «لا ینبغی للرجل أن یطلّق امرأته ثمّ یراجعها ولیس له فیها حاجة ثمّ یطلّقها فهذا الضرار الذی نهى الله عزّوجلّ عنه إلاّ أن یطلّق ثمّ یراجع وهو ینوی الإمساک»(23).

فیحتمل أن یکون المراد من قوله(علیه السلام): «فهذا الضرار الذی نهى الله عزّوجلّ عنه» ما مرّ من قوله تعالى: (وَلاَ تُمْسِکُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا)، وعلیه تکون الروایة من الطائفة الخاصّة، ویحتمل أیضاً أن لا یکون مشیراً إلى تلک الآیة فیدلّ على حرمة الاضرار بشکل عام، فتدخل الروایة حینئذ فی الروایات العامّة، والظاهر من الروایة (خصوصاً بقرینة الروایتین الاُخریین الواردتین فی نفس الباب اللتین صرّح فیهما بالآیة) هو الأوّل.

ومنها: ما رواه فی عقاب الأعمال بإسناده عن رسول الله(صلى الله علیه وآله) فی حدیث قال: «ومن أضرّ بامرأة حتّى تفتدی منه نفسها لم یرض الله له بعقوبة دون النار ... إلى أن قال: ومن ضارّ مسلماً فلیس منّا ولسنا منه فی الدنیا والآخرة ... إلى أن قال: ألا وإنّ الله ورسوله بریئان ممّن أضرّ بامرأته حتّى تختلع منه»(24).

ولا یخفى أنّ هذه الروایة تشمل جمیع موارد الضرر الذی یقع بین الناس بعضهم ببعض، أی المسائل الحقوقیة، ولا یمکن التعدّی عنها إلى غیرها من أبواب العبادات.

ومنها: ما رواه إسماعیل بن الفضل الهاشمی قال: سألت أبا عبدالله(علیه السلام) عن رجل اکترى أرضاً من أرض أهل الذمّة من الخراج وأهلها کارهون وإنّما تقبلها من السلطان لعجز أهلها عنها أو غیر عجز، فقال: «إذا عجز أربابها عنها فلک أن تأخذها إلاّ أن یضارّوا ...»(25).

ومنها: ما رواه عبید بن زرارة قال: قلت لأبی عبدالله(علیه السلام): الجاریة یرید أبوها أن یزوّجها من رجل ویرید جدّها أن یزوّجها من رجل آخر فقال: «الجدّ أولى بذلک ما لم یکن مضارّاً»(26).

ومنها: ما رواه إسحاق بن عمّار قال قلت لأبی عبدالله(علیه السلام): «الرجل یکون علیه الیمین (الدَین) فیحلفه غریمه بالأیمان المغلّظة أن لا یخرج من البلد إلاّ بعلمه. فقال: لا یخرج حتّى یعلمه، قلت: إن أعلمه لم یدعه قال: إن کان علمه ضرراً علیه وعلى عیاله فلیخرج ولا شیء علیه»(27).

ومنها: ما رواه حمران فی حدیث طویل قال: قال أبو جعفر(علیه السلام): «لا یکون ظهار فی یمین ولا فی إضرار ولا فی غضب»(28).

هذه هى الروایات الواردة من طرق الخاصّة.

وأمّا ما ورد من طریق العامّة فمنها: ما رواه أحمد فی مسنده عن عبادة بن صامت(29)مسنداً قال: «إنّ من قضاء رسول الله(صلى الله علیه وآله) أنّ المعدن جبّار، والبئر جبّار، والعجماء جرحها جبّار، والعجماء البهیمة من الأنعام، والجبّار هو الهدی الذی لا یعزم، وقضى فی الرکاز الخمس، وقضى أنّ النخل لمن أبرّها إلاّ أن یشترط المبتاع، وقضى أنّ مال المملوک لمن باعه ... إلى أن قال: وقضى للجدّتین من المیراث بالسدس بینهما، وقضى أنّ من أعتق شرکاء فی المملوک فعلیه جواز عتقه إن کان له مال، وقضى أن لا ضرر ولا ضرار، وقضى أنّه لیس لعرق ظالم حقّ، وقضى بین أهل المدینة فی النخل لا یمنع نفع بئر، وقضى بین أهل البادیة (المدینة) أنّه لا یمنع فضل ماء لیمنع فضل الکلاء»(30).

ومن الواضح (بشهادة مضمون الروایة) عدم صدور هذه الأقضیة فی زمان واحد وفی روایة واحدة بل صدرت فی وقائع مختلفة جمعها عبادة بن صامت فی هذا الحدیث، وحینئذ لا یبعد عدم کون قوله(صلى الله علیه وآله): «لا ضرر ولا ضرار» روایة مستقلّة غیر ما ورد فی قضیّة سمرة وشبهها التی مرّ ذکرها.

ومنها: ما رواه أحمد أیضاً فی مسنده مسنداً عن ابن عبّاس قال: «قال رسول الله(صلى الله علیه وآله): لا ضرر ولا ضرار، وللرجل أن یجعل خشبة فی حائط جاره والطریق المیثاء سبعة أذرع»(31).

قوله(صلى الله علیه وآله): المیثاء السهل، ولا یخفى إنصرافه عن الطرق فی یومنا هذا.

ومنها: ما رواه مالک فی موطّأه عن عمر بن یحیى المازنی عن أبیه: أنّ رسول الله(صلى الله علیه وآله) قال: «لا ضرر ولا ضرار»(32).

ومنها: ما رواه ابن ماجه فی سننه عن عبادة بن صامت: «أنّ رسول الله(صلى الله علیه وآله)قضى أن لا ضرر ولا ضرار»(33).

وأیضاً عن ابن عبّاس(34) قال: «قال رسول الله (صلى الله علیه وآله) «لا ضرر ولا ضرار» وعن ابن حرمة(35) عن رسول الله(صلى الله علیه وآله): «من ضارّ أضرّ الله به».

ومنها: ما رواه فی کنز العمّال عن ابن عبّاس عن عبادة: «لا ضرر ولا ضرار»(36).

وعن المازنی: «لا ضرر ولا ضرار» وعن ابن عبّاس: «لا ضرر ولا ضرار»(37).

ومنها: ما رواه ابن الأثیر فی النهایة أنّه(صلى الله علیه وآله) قال: «لا ضرر ولا ضرار فی الإسلام»(38).

ومنها: ما رواه أبو داود فی سننه عن الإمام الباقر(علیه السلام) عن سمرة بن جندب: «إنّه کان عضد (عضید) من النخل فی حائط رجل من الأنصار، قال: ومع الرجل أهله فکان سمرة یدخل إلى نخله فیتأذّى به ویشقّ علیه فطلب إلیه أن یبیعه فأبى، فطلب إلیه أن یناقله فأبى، فأتى النبی(صلى الله علیه وآله) فذکر ذلک له فطلب إلیه النبی(صلى الله علیه وآله)أن یبیعه فأبى فطلب إلیه أن یناقله فأبى، قال: فهبه له ولک کذا وکذا أمراً رغّبه فیه فأبى، فقال: أنت مضارّ فقال (صلى الله علیه وآله)للأنصاری: إذهب فاقلع نخله»(39).

ومنها: ما رواه أبو داود أیضاً فی سننه عن أبی صرمة صاحب النبی(صلى الله علیه وآله) أنّه قال: «من ضارّ أضرّ الله به ومن شاقّ شاقّ الله علیه»(40).

ونفس المضمون ورد فی سنن الترمذی(41).

هذه ما ورد من طرق العامّة.

وقد ظهر من مجموع ما ورد من الطریقین أنّ الحدیث (لا ضرر ولا ضرار) لو لم یکن متواتراً فلا أقلّ من کونه متظافراً، وقد قال العلاّمة المجلسی(رحمه الله) فی مرآة العقول فی شرح حدیث سمرة: «هذا المضمون مروی من طرق العامّة والخاصّة بأسانید کثیرة فصار أصلا من الاُصول، وبه یستدلّون فی کثیر من الأحکام»(42).

أضف إلى ذلک استدلال فقهائنا بهذا الحدیث بعنوان أصل مسلّم، وهذا هو الشیخ الطوسی(رحمه الله) استدلّ به فی الخلاف کتاب البیع فی مسائل الغبن (المسألة60) وکتاب الشفعة المسألة14.

إلى هنا تمّ الکلام فی المقام الأوّل.


1. وسائل الشیعة: ج 17، کتاب إحیاء الموات، الباب 12، ح3.
2. المصدر السابق: ح 4.
3. المصدر السابق: ح 1.
4. وسائل الشیعة: ج 17، کتاب إحیاء الموات، الباب 7، ح 2.
5. وسائل الشیعة: کتاب الشفعة، الباب 5، ح 1.
6. ومعنى الفقرة الثانیة أنّ حقّ الشفعة ثابت فی المشاع وقبل القسمة، وأمّا بعدها فلا شفعة، لأنّ قوله (علیه السلام)«ارّفت الأرف» بمعنى أعلمت علامات القسمة.
7. وسائل الشیعة: ج 17، أبواب موانع الإرث، الباب 1، ح 9 ـ 11.
8. المصدر السابق: ج 17، أبواب موانع الإرث، الباب 1، ح 8.
9. المستدرک: ج 4، ص 345.
10. وسائل الشیعة: ج 13، أبواب بیع الحیوان، الباب 22، ح 1.
11. مستدرک الوسائل: ج 3، ص 150، الباب9، ح1، الطبع القدیم، وج 18، ص118، الطبع الجدید.
12. عوالی اللئالی: ج 1، ص 383.
13. وسائل الشیعة: کتاب إحیاء الموات، الباب 14، ح 1.
14. المصدر السابق: الباب 13، ح 1.
15. فی هامش الوسائل: ج 17، ص 344: هکذا أورده المجلسی (رحمه الله) فی مرآة العقول، وتکلّف فی تفسیر الحقیقة، والصحیح عقائب البئر کما أورده فی الوافی، والعقیب کلّ شیء أعقب شیئاً، والمراد هنا النوبة بأن یمسک کلّ واحد منهما عن إجراء الماء لیلة هذا ولیلة ذاک، فإن أوجب سدّ مجرى إحداهما کثرة ماء الاُخرى تبیّن اضرارها بها، وأن قلّة الماء فی إحداهما بسبب جریان ماء الاُخرى.
16. وسائل الشیعة: کتاب إحیاء الموات، الباب 16، ح 1.
17. المصدر السابق: الباب 15، ح 1.
18. وسائل الشیعة: ج 13، أبواب الوصایا، الباب 8، ح 4.
19. المصدر السابق: إحیاء الموات، الباب 12، ح 2.
20. المصدر السابق: ج 15، أبواب أحکام الأولاد، الباب 70، ح 7.
21. المصدر السابق: ج 19، أبواب موجبات الضمان، الباب 9، ح 1.
22. وسائل الشیعة: ج 13، أبواب الوصایا، الباب 9، ح 2.
23. المصدر السابق: ج 15، أبواب أقسام الطلاق، الباب 34، ح 1.
24. المصدر السابق: ج 15، أبواب الخلع والمباراة، الباب 2، ح 1.
25. المصدر السابق: کتاب التجارة، الباب 21، من أبواب عقد البیع، ح 10.
26. المصدر السابق: کتاب النکاح، الباب 11، من أبواب عقد النکاح، ح 2.
27. وسائل الشیعة: ج 16، کتاب الأیمان، الباب 40، ح 1.
28. المصدر السابق: ج 15، کتاب الظهار، الباب 2، ح 1.
29. وهو من جمع أقضیّة رسول الله (صلى الله علیه وآله).
30. مسند أحمد: ج 5، ص 327.
31. مسند أحمد: ج 1، ص 313.
32. موطأ مالک: کتاب الأقضیة، باب القضاء فی المرفق، ج 2، ص 745.
33. سنن ابن ماجه: ج 2، ص 784.
34. المصدر السابق: ص 784 و 785.
35. المصدر السابق.
36. کنز العمّال: ج 4، ص 59، وص61 باب الخلاء والغشّ.
37. المصدر السابق.
38. المصدر السابق.
39. سنن أبی داود: ج 3، ص 315، أبواب من القضاء، رقم الحدیث 3636.
40. سنن أبی داود: ج 3، ص 315، أبواب من القضا، 3635.
41. سنن الترمذی: ج 4، ص 332، باب ما جاء فی الخیانة والغشّ.
42. نقلناه من مستدرک سفینة البحار: ج 6، ص 444، مادّة «ضرر».

 

3 ـ العقلالمقام الثانی: فی مفاد الحدیث
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma