المقام الثانی: فی کیفیة دلالة الحدیث على المطلوب

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
أنوار الاُصول(الجزء الثّالث)
المقام الأوّل: فی إسناد الحدیث2 ـ حدیث الحجب

ویقع الکلام فیه فی عدّة اُمور:

الأمر الأوّل: فی المراد من الموصول فی قوله(صلى الله علیه وآله): «ما لا یعلمون» فهل یشمل الشبهات الحکمیّة أیضاً، وهل تکون الروایة صالحة للاستدلال بها فی ما نحن فیه أو لا؟

استدلّ الشیخ الأعظم الأنصاری(رحمه الله) فی بعض کلماته لاختصاص الموصول بالشبهة الموضوعیّة بوحدة السیاق، إذ إنّ المراد بالموصول فی غیر فقرة «ما لا یعلمون» هو الفعل الإکراهی والاضطراری ونحوهما، إذ لا معنى لتعلّق الإکراه والاضطرار بنفس الحکم، فلیکن المراد بالموصول فی «ما لا یعلمون» أیضاً هو الفعل المجهول لا الحکم.

وقال المحقّق الخراسانی(رحمه الله): إنّ المراد منها مطلق الإلزام المجهول سواء کان فی الشبهة الحکمیّة کحرمة شرب التتن أو الموضوعیّة کحرمة المایع الخارجی المشکوک کونه خمراً.

والأعلام المتأخّرون عن هذین العلمین کلٌّ أخذ جانباً، فبعض تبع الشیخ الأعظم(رحمه الله)وبعض آخر ذهب إلى مقالة المحقّق الخراسانی(رحمه الله)، والتحقیق فی المقام یستدعی تحلیل المراد من المرفوع فی «ما لا یعلمون» فهل هو الفعل المتعلّق به الحکم کشرب الخمر مثلا فی مثال المایع المشکوک، أو المرفوع هو الموضوع الخارجی، أی نفس الخمر فی المثال، أو الحکم، أی الحرمة؟

ولابدّ للجواب عن هذا السؤال من ملاحظة التعبیرات الواردة فی الآیات والروایات بالنسبة إلى صیغة الوضع، حیث إنّها تقابل الرفع وتضادّه، والأشیاء تعرف بأضدادها، فإذا عرفنا ما هو الموضوع فی التکالیف الشرعیّة فی الکتاب والسنّة عرفنا المرفوع فیها بالتبع.

وبعبارة اُخرى: ما هو الثقل والکلفة التی یشتقّ منها کلمة التکلیف، ومن أین یجیء ویوضع على عهدة المکلّف حتّى یکون هو المرفوع؟

فنقول فی الجواب: إنّ الموضوع والمحمول على المکلّف فی لسان الآیات إنّما هو الفعل کالرزق (بمعناه المصدری) والکسوة الموضوعین على عهدة الأب فی قوله تعالى: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَکِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)(1)، فالموضوع فی هذه الآیة فعل الرزق وفعل الکسوة کما هو واضح، وکالفدیة فی قوله تعالى: (وَعَلَى الَّذِینَ یُطِیقُونَهُ فِدْیَةٌ طَعَامُ مِسْکِین)(2)، والصیام فی قوله تعالى (کُتِبَ عَلَیْکُمْ الصِّیَامُ کَمَا کُتِبَ عَلَى الَّذِینَ مِنْ قَبْلِکُمْ)وحجّ البیت فی قوله تعالى: (وَللهِِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَیْتِ).

وهکذا فی الروایات کقوله(علیه السلام): «علیک القضاء» أو «علیک الإعادة» أو «علیک الحجّ من قابل» فالموضوع على عهدة المکلّف إنّما هو القضاء أو فعل الإعادة أو الحجّ، فکأنّ للأفعال ثقلا فی عالم التشریع یضعه الشارع على عاتق المکلّفین، نعم إنّه کنایة عن الإیجاب، وهى غیر تقریر الوجوب، ولا یلزم فیها مجاز، بل یستعمل کلّ لفظ فی معناه الموضوع له، ففی قولک: «زید کثیر الرماد» استعمل کلّ واحد من «زید» و «کثیر الرماد» فی معناه الموضوع له وإن لم یکن المستعمل فیه مراداً جدّیاً للمتکلّم، فوضع فعل کالصیام والحجّ والإعادة والقضاء على عاتق المکلّف کنایة عن وجوبه.

فإذا کان متعلّق الوضع هو الفعل فلیکن متعلّق الرفع أیضاً کذلک، ففی قوله(صلى الله علیه وآله): «رفع ما لا یعلمون» إنّما رفع الفعل المجهول کما أنّ المرفوع فی «ما اضطرّوا إلیه» و «ما استکرهوا علیه» هو الفعل الاضطراری أو الإکراهی الذی کان یثقل على عاتق المکلّف لولا حدیث الرفع، لا أن یکون المرفوع هو الحکم حتّى نحتاج إلى تقدیر.

وإذن یختصّ الحدیث بالشبهات الموضوعیّة لأنّ شموله للشبهات الحکمیّة یحتاج إلى تقدیر الحکم، أی رفع ما لا یعلمون حکمه، والأصل عدم التقدیر.

فظهر أنّ طریق إثبات اختصاص الروایة بالشبهات الموضوعیّة لا ینحصر فی ما ذهب إلیه الشیخ الأعظم(رحمه الله) من قضیة وحدة السیاق، بل یمکن إثباتها من طریق تحلیل معنى الرفع وملاحظة موارد استعمال ما یقابله من کلمة الوضع.

ثمّ إنّ هذا (أی اختصاص حدیث الرفع بالشبهة الموضوعیّة) قد یؤیّد بالرجوع إلى عصر صدور هذا الحدیث من النبی (صلى الله علیه وآله) حیث لم تکن الشبهة الحکمیّة محلا للابتلاء فی ذلک العصر إلاّ قلیلا لأنّهم کانوا مستغنین بأرباب الشریعة، یأخذون منهم الأحکام مشافهة، ویعرفون ما یریدون بالسؤال عن نفس المعصوم بلا واسطة، فالحدیث منصرف إلى ما کان محلا للابتلاء.

الأمر الثانی: قد ظهر ممّا ذکرنا عدم تقدیر شیء فی الحدیث لا الحکم ولا المؤاخذة، ولا الأثر المناسب ولا جمیع الآثار، بل المرفوع هو نفس الفعل فی عالم الاعتبار، وهو کنایة عن عدم حرمته، وإذا ارتفعت الحرمة ارتفعت جمیع آثارها، وحینئذ لا تصل النوبة إلى ما ذکره الأعلام واختلفت فیه الآراء من أنّ المقدّر فی الحدیث ماذا؟

کما ظهر أیضاً أنّ الرفع إخبار عن الواقع (کما أنّ الوضع فی مثل قوله تعالى: (کُتِبَ عَلَیْکُمْ الصِّیَامُ)إخبار عن الوضع فی الواقع) لا إنشاء من جانب الرسول(صلى الله علیه وآله) فلا تصل النوبة إلى البحث عن إمکان التشریع للرسول(صلى الله علیه وآله) وعدمه، ولو فرض کونه إنشاء من جانبه(صلى الله علیه وآله) فلا إشکال فیه أیضاً لما أثبتناه فی البحث عن ولایة الفقیه فی الفقه من صدور تشریعات جزئیة من ناحیة الرسول(صلى الله علیه وآله) وإمضائه من جانب الباری تعالى، فما ذهب إلیه فی تهذیب الاُصول من عدم وجود هذا الحقّ للرسول(صلى الله علیه وآله) والأئمّة(علیهم السلام) مطلقاً فی غیر محلّه.

الأمر الثالث: فی شمول حدیث الرفع للأحکام الوضعیّة وعدمه، فإذا تحقّق بیع عن إکراه مثلا فهل یکون نافذاً شرعاً أو لا؟ فقد یقال بعدم نفوذه لأجل هذا الحدیث بل هو ممّا استدلّ به على اعتبار الاختیار فی باب المعاملات، وکیف کان فقد ذکر للعموم والشمول وجوه:

الأوّل: اطلاق الرفع، إمّا بناءً على وجود تقدیر فی الحدیث، فلأنّ المقدّر هو جمیع الآثار، وإمّا بناءً على ما إخترناه من کون الرفع کنایة فلأنّه کنایة عن رفع الحکم الجزئی، وهو فی مثل المقام عبارة عن نفوذ البیع.

الثانی: معتبرة صفوان بن یحیى وأحمد بن محمّد بن أبی نصر جمیعاً عن أبی الحسن(علیه السلام) فی الرجل یستکره على الیمین فیحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما یملک أیلزمه ذلک؟ فقال: «لا، قال رسول الله (صلى الله علیه وآله): وضع عن اُمّتی ما اُکرهوا علیه وما لم یطیقوا وما أخطأوا»(3).

فلا إشکال فی أنّ هذه الروایة تشیر إلى حدیث الرفع، وحینئذ إذا کانت إحدى فقراته شاملة للأحکام الوضعیّة تکون سائر الفقرات أیضاً شاملة لها بمقتضى وحدة السیاق.

إن قلت: إنّ التمسّک بهذا الحدیث لإثبات کون المرفوع بحدیث الرفع جمیع الآثار حتّى الوضعیّة ضعیف لأنّ الحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما یملک باطل عندنا من الأساس حتّى مع الاختیار فکیف مع الإکراه؟، فمقتضى القاعدة أن یبیّن الإمام(علیه السلام) بطلانه مطلقاً ولم یفعل، فیکون الجواب حینئذ مبنیّاً على التقیّة، فکأنّ الإمام(علیه السلام) لم یتمکّن من إظهار الحقّ وهو بطلان الحلف بتلک الاُمور مطلقاً ولو مع الاختیار، فاقتصر على بیان بطلانه فی مورد السؤال فقط، وهو الإکراه من باب التقیّة لا من باب أنّ الإکراه رافع للأثر الوضعی واقعاً.

قلت: إنّه کذلک أی الإمام کان فی مقام التقیّة، لکنّه غایة ما یقتضیه کون تطبیق الکبرى (أعنی عموم حدیث الرفع) على مورد السؤال (أی الحلف بالطلاق والعتاق) تقیّة لکون المورد باطلا من الأساس وإن لم یکن عن إکراه، ولا دلیل على کون أصل الکبرى من باب التقیّة، إذن فالحدیث تامّ سنداً ودلالة.

الثالث: ما ذکره الشیخ الأعظم(رحمه الله) من أنّ مقتضى کون الحدیث فی مقام الإمتنان على اُمّة النبی(صلى الله علیه وآله) شموله للأحکام الوضعیّة، لأنّ الأحکام التکلیفیّة کانت مرفوعة فی الاُمم السابقة أیضاً.

ولکن یرد علیه: أنّ المستفاد من بعض الأخبار اختصاص رفع المؤاخذة فی الأحکام التکلیفیّة أیضاً باُمّة النبی(صلى الله علیه وآله)، منها ما رواه عمرو بن مروان عن أبی عبدالله(علیه السلام) قال: «قال رسول الله(صلى الله علیه وآله): رفع عن اُمّتی أربع خصال: خطؤها ونسیانها وما اُکرهوا علیه وما لم یطیقوا، وذلک قول الله عزّوجلّ: (رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِینَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَیْنَا إِصْراًکَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِینَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ) وقوله: (إِلاَّ مَنْ أُکْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالاِْیمَانِ)»(4).

فالظاهر من هذا الحدیث والآیات التی استشهد بها فیه اختصاص رفع المؤاخذة أیضاً بهذه الاُمّة.

إن قلت: العقل حاکم بقبح المؤاخذة على الخطأ والإکراه والاضطرار والنسیان وغیرها ممّا هو خارج عن طاقة الإنسان من دون فرق بین الاُمم.

قلنا: المعروف فی الجواب عن هذا الإشکال أنّ الخطأ والنسیان مثلا على قسمین: قسم لا یکون الإنسان قادراً على الإجتناب عنه بوجه من الوجوه، فهذا القسم مرفوع عن جمیع الاُمم، وقسم آخر یمکن التحفّظ عنه بالمراقبة وإن کان ذات مشقّة، فهذا القسم لا تکون المؤاخذة علیه قبیحاً، ورفع المؤاخذة عنه إمتناناً مختصّ بهذه الاُمّة، وهو المراد فی حدیث الرفع کما یدلّ علیه نفس طلب النبی(صلى الله علیه وآله)إیّاه فی لیلة المعراج، وإلاّ کان طلبه (صلى الله علیه وآله) تحصیلا للحاصل.

بقی هنا شیء:

وهو أنّه هل یشمل حدیث الرفع الأجزاء والشرائط والموانع أو لا؟ فإذا طرأ النسیان على السورة مثلا فلم یأت بها فهل تکون الصّلاة صحیحة بمقتضى حدیث الرفع أو لا؟

التحقیق فی الجواب أن یقال: إنّ الشبهة تارةً تکون بنحو الشبهة الموضوعیّة کما إذا نسى السورة مع علمه بوجوبها، واُخرى تکون بنحو الشبهة الحکمیّة کما إذا کان المکلّف حدیث العهد بالإسلام فنسى أصل وجوب السورة، فإن کانت الشبهة موضوعیّة فشمول الحدیث لها مبنى على جریانه فی الأحکام الوضعیّة إذ إنّ الجزئیّة والشرطیّة والمانعیّة من الأحکام الوضعیّة، وقد مرّ جریانه فیها، وإن کانت حکمیّة فشمول الحدیث لها مبنى على جریانه فی الشبهات الحکمیّة، وقد مرّ عدمه بناءً على ما اخترناه من أنّ المراد من الموصول فی «ما لا یعلمون» الفعل المجهول، فلابدّ فی شموله للشبهة الحکمیّة من تقدیر الحکم (أی ما لا یعلمون حکمه) وهو خلاف الظاهر.

نعم لا ینبغی الإشکال فی شموله لها بناءً على مذاق المشهور من أنّ المراد من الموصول هو الحکم حیث لا حاجة حینئذ إلى تقدیره.

إن قلت: إنّ الجزئیّة والشرطیّة والمانعیّة من الأحکام الوضعیّة الإنتزاعیّة التی ینتزعها العقل من الأمر المتعلّق بالکلّ أو المتعلّق بنفس الجزء أو الشرط، أو النهی المتعلّق بالمانع، ولیست من الأحکام الوضعیّة المجعولة الاعتباریّة التی تعتبر من جانب الشارع أو العقلاء، کالضمان والملکیة فإذا لم تکن قابلة للوضع والاعتبار لم تکن قابلة للرفع أیضاً.

قلنا: یمکن للشارع رفعها باعتبار أنّ جعل منشأ انتزاعها (أی الأمر بالأجزاء والشرائط والنهی عن الموانع) بید الشارع.

نعم هنا إشکال آخر بالنسبة إلى الشبهات الموضوعیّة، وهو أنّه لا یمکن التمسّک فیها بحدیث الرفع لتصحیح الصّلاة، مثلا لأنّ الإعادة لیست من آثار النسیان حتّى ترفع برفعه، بل هى من آثار الأمر بالکلّ، وهو لم یمتثل، فتجب الإعادة لأن یحصل الإمتثال.

هذا کلّه بالنسبة إلى الأجزاء والشرائط، وأمّا الموانع فیمکن أن یقال برفع أثرها وهو البطلان بمقتضى حدیث الرفع، والقول بأنّ المانع یرجع إلى شرطیّة عدمه کما ترى.

الأمر الرابع: أنّ حدیث الرفع حیث ورد فی مقام الإمتنان فلا یجری فیما لم یکن فی رفعه منّة على المکلّف کما إذا اضطرّ إنسان إلى بیع داره لإنجاء ولده المریض، فعدم صحّة بیعه هذا ـ لأنّه ممّا اضطرّ إلیه ـ لا یکون منّة علیه بل هو خلاف الإمتنان وهذا واضح، وإنّما الکلام فی منشأ هذا الاستظهار، فمن أیّ شیء یستفاد أنّ الحدیث فی مقام الإمتنان؟

قد یقال: أنّه یستفاد من التعبیر بـ «عن اُمّتی» الوارد فی الحدیث، حیث لا إشکال فی ظهوره فی الإمتنان عرفاً، لکن یمکن أن یستفاد ذلک أیضاً من نفس التعبیر بالرفع فإنّ الرفع یستعمل فی الموارد التی رفع فیها ثقل وکلفة عن المکلّف لا ما إذا وضع ثقل على عاتقه، ولا یخفى أنّ بطلان المعاملة فی المثال المذکور ممّا یوجب وضع ثقل على أثقاله لا رفعه.

الأمر الخامس: ربّما یستشکل فی رفع المؤاخذة بحدیث الرفع بأنّ المؤاخذة من الأحکام العقلیّة لا من القوانین والأحکام المجعولة من ناحیة الشرع حتّى یمکن رفعها بید الشارع.

ویجاب عنه: بأنّها وإن کانت من الأحکام العقلیّة، ولکن بما أنّ حکم العقل هذا ینشأ من وجوب الاحتیاط هو ناش من الحکم الواقعی المجعول من ناحیة الشارع فیمکن له رفعها برفع منشأها، وهو الوجوب الواقعی.

ویمکن أن یقال أیضاً: أنّ حکم العقل فی المقام إنّما هو استحقاق المؤاخذة لا فعلیتها إذ إنّ الفعلیّة من شؤون الشارع والمقنّن، ولذا نرى صدور أحکام العفو من الولاة والحکّام ومن بیده رحى التشریع والتقنین فی کثیر من الأحایین والشارع المقدّس أولى منهم بذلک.

الأمر السادس: الآثار المترتّبة على الخطأ والنسیان وسائر العناوین الواردة فی الحدیث الشریف على قسمین: منها ما یترتّب علیها بما هى هى، أی یترتّب على العناوین الثانویة کعنوان الخطأ والنسیان، ومنها ما یترتّب على متعلّقاتها الخارجیّة أی على العناوین الأوّلیة، فإنّ الآثار المترتّبة على نسیان السورة مثلا على قسمین: قسم یترتّب على نفس السورة کبطلان الصّلاة بترکها، وقسم یترتّب علیه بما أنّها متعلّقة للنسیان کسجدتی السهو، والمقصود من الآثار المرفوعة بحدیث الرفع إنّما هو القسم الأوّل لا الثانی، وإلاّ یلزم التناقض فی کلام الشارع المقدّس، لأنّ المفروض کون السهو کالسبب لتشریع سجدتی السهو فکیف یکون رافعاً لهما؟

الأمر السابع: فی شمول الحدیث للاُمور العدمیّة وعدمه، کما إذا نذر أن یشرب من ماء الفرات فاضطرّ إلى ترکه أو اُکره علیه فلو قلنا بالشمول لم تتحقّق مخالفة النذر فلا حنث ولا کفّارة.

وقد وقع البحث فیه بین الأعلام، والظاهر من کلمات المحقّق النائینی(رحمه الله)اختصاصه بالاُمور الوجودیّة، واستدلّ لذلک «بأنّ شأن الرفع تنزیل الموجود منزلة المعدوم، لا تنزیل المعدوم منزلة الموجود، لأنّ تنزیل المعدوم منزلة الموجود إنّما یکون وضعاً لا رفعاً»(5).

وأجاب عنه فی تهذیب الاُصول: «بأنّ ترک الشرب بعد ما تعلّق به النذر وصار ذات أثر یکون له ثبوت فی عالم الاعتبار، إذ ما لا ثبوت له ولو بهذا النحو من الثبوت لا یقع تحت دائرة الحکم ولا یصیر موضوعاً للوفاء والحنث ... وبعد الثبوت الاعتباری لا مانع من تعلّق الرفع علیه بما له من الآثار»(6).

أقول: وإن شئت قلت فی الجواب: قد وقع الخلط فی کلام المحقّق النائینی(رحمه الله)بین عالم التکوین وعالم التشریع، وکون ترک الشرب أمراً عدمیّاً إنّما هو بلحاظ عالم التکوین، وأمّا فی عالم التشریع فلا إشکال فی أنّ لترک الشرب أثراً وثقلا وکلفة لولا حدیث الرفع بلحاظ ترتّب الکفّارة علیه، فیمکن للشارع رفعه بهذا الحدیث.

الأمر الثامن: قد ورد فی ذیل الحدیث ثلاثة عناوین ینبغی فهمها وتوضیحها وإن کانت خارجة عن موضوع البراءة، وهى: الحسد، والطیرة، والوسوسة فی التفکّر فی الخلق (بناءً على ما ورد فی مرفوعة محمّد بن أحمد الهندی المذکورة سابقاً) أو التفکّر فی الوسوسة فی الخلق (بناءً على ما ورد فی معتبرة حریز بن عبدالله المذکورة سابقاً أیضاً).

أمّا الحسد فلا إشکال فی أنّ المراد منه فی الحدیث تلک الحالة النفسانیة التی توجب عدم تحمّل الإنسان نعمة أعطاها الله تعالى أخاه المؤمن قبل إظهارها عملا، وأمّا إذا أقدم على عمل لإزالتها فلا إشکال أیضاً فی کونه معصیة ولا یکون حینئذ مشمولا للحدیث الشریف.

إن قلت: هذه الحالة النفسانیّة قبل إبرازها فی مقام العمل أمر غیر اختیاری فلا معنى لحرمتها لولا الحدیث حتّى ترفع إمتناناً.

قلنا: یمکن عادةً رفع هذه الحالة بالمجاهدات والریاضات النفسانیّة والتفکّر فی أنّها ملکة رذیلة توجب خسّة النفس ودنائتها فیکون رفعها تحت اختیار الحاسد، ویمکن للشارع عدم رفعها بوجوب تهذیب النفس فیکون رفعه للوجوب منّة على العباد.

أمّا الطیرة فهى من مادّة الطیر، بمعنى التشأّم وقراءة الطالع بالطیّور، ثمّ توسّع فی ذلک حتّى عمّت سائر طرق التشأّم، فإنّ العرب فی الجاهلیة کانت تلتزم وتعتنی بما یتشأّم بالطیور وغیرها، وکانت الطیور تسدّهم عن مقاصدهم، فللشارع المقدّس أن یمضی تلک الالتزامات، ولکنّه ردع عنها إمتناناً حتّى لا یتعطّل حیاتهم لاُمور لا واقع لها.

وأمّا الوسوسة فی التفکّر فی الخلق (أو التفکّر فی الوسوسة فی الخلق) فالمراد من الخلق فی هذه الجملة یمکن أن یکون على أحد معنیین:

الأوّل: أن یکون بمعنى الخالق، أی خالق الله عزوجل، فیتفکّر فی أنّه مَن خَلَقَ الباری تعالى؟

وهو سؤال یشکل جوابه على العوام (وإن کان واضحاً عند المحقّقین لأنّ الحاجة إلى الخالق تتصوّر بالنسبة إلى کلّ حادث أو ممکن الوجود، والله تبارک وتعالى لا یکون حادثاً أو ممکناً) ومع ذلک کان أمراً شایعاً فی عصر صدور الحدیث وکانوا یتوهّمون حصول الکفر به فرفع الشارع أثره المتوهّم إمتناناً.

الثانی: أن یکون فی مقابل الخالق، والمراد منه حینئذ الوسوسة فی التفکّر فی البلایا والشرور، وتکرار القول بـ «لِمَ» بالنسبة إلیها، أی القول بأنّ الله تعالى لِمَ خلق الشیء الفلانی، ولِمَ خلق العالم کذا وکذا، فرفع الشارع حرمة هذه الوساوس إمتناناً.

وإن قیل: بعض هذه الاُمور مرفوع من جمیع الاُمم.

قلنا: نعم ولکن الإمتنان إنّما هو بالمجموع من حیث هو المجموع.

الأمر التاسع: لا یخفى أنّ النسبة بین هذا الحدیث وأدلّة الأخباریین نسبة التعارض لا الحکومة لأنّ تلک الأدلّة مثل قوله(علیه السلام): «أخوک دینک فاحتط لدینک» تدلّ بزعم الأخباری على وجوب الاحتیاط وعدم إرتفاع الإلزام المجهول المحتمل، بینما حدیث الرفع یدلّ على رفعه وعدم وجوب الاحتیاط، فهو حینئذ یعارض تلک الأدلّة حتّى بعد فرض تمامیتها، فتصل النوبة إلى محاولة المرجّحات وأنّه أی الدلیلین أقوى؟ خلافاً لما مرّ من الآیات إذ إنّ أدلّة الأخباری کانت واردة علیها کما ذکرنا.


1. سورة البقرة: الآیة 233.
2. سورة البقرة: الآیة 184.
3. وسائل الشیعة: ج 16، أبواب کتاب الإیمان، الباب 12، ح 12.
4. وسائل الشیعة: ج 11، أبواب جهاد النفس، الباب 56، ح2.
5. راجع فوائد الاُصول: ج 3، ص 353، طبع جماعة المدرّسین.
6. راجع تهذیب الاُصول: ج 2، ص 159، طبع جماعة المدرّسین.

 

المقام الأوّل: فی إسناد الحدیث2 ـ حدیث الحجب
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma