التنبیه الثانی: خروج بعض الأطراف عن محلّ الابتلاء

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
أنوار الاُصول(الجزء الثّالث)
التنبیه الأوّل: الاضطرار إلى بعض الأطرافالتنبیه الثالث: عدم الفرق بین الدفعیّات والتدریجیّات فی تنجّز العلم الإجمالی

المعروف بین المتأخّرین والمعاصرین أنّ العلم الإجمالی إنّما یؤثّر فیما إذا کانت جمیع الأطراف محلا للابتلاء وإلاّ، فلا أثر له کما إذا علم المکلّف بإصابة قطرة دم أمّا بثوبه أو بثوب بعض المارّة الذی لا صلة بینه وبین المکلّف أبداً ولا یبتلى بثوبه عادة.

وهنا بحث صغروی وبحث کبروی:

أمّا الکبروی: فهو إنّ خروج طرف عن محلّ الابتلاء هل یوجب عدم وجوب الاجتناب عن سائر الأطراف أو لا؟

وأمّا البحث الصغروی: فهو فی معیار الخروج عن محلّ الابتلاء وبیان الوظیفة عند الشکّ فی الخروج وعدمه.

وحاصل کلمات الأعلام فی الکبرى مع اختلافها وتلوّنها أنّ التکلیف إنّما یجب امتثاله فیما إذا تحقّق شرائط أربعة:

1 ـ العلم بحدوث تکلیف جدید فیعتبر فی تأثیر العلم الإجمالی فی التنجّز أن لا یکون أحد أطرافه على فرض إنطباق المعلوم بالإجمال علیه ممّا لا یترتّب علیه أثر شرعی ولا یحدث بسببه تکلیف إلهی، کما إذا علم إجمالا بوقوع قطرة من البول فی أحد إنائین أحدهما بول أو متنجّس بالبول أو کثیر لا ینفعل بالنجاسة أو أحد ثوبین أحدهما نجس بتمامه، لعدم العلم حینئذ بحدوث تکلیف جدید بالاجتناب عن ملاقی هذه القطرة، إذ لو کان ملاقیها هو الإناء النجس لم یحدث بسببه تکلیف بالاجتناب أصلا، فالشکّ فی التکلیف بالاجتناب عن الآخر شکّ بدوی.

2 ـ کون التکلیف فعلیّاً من جمیع الجهات.

3 ـ کون المکلّف به ممّا یکون العبد قادراً بإتیانه أو غیر عاجز عن الإتیان به، فلا یکون من قبیل الطیران فی الهواء.

4 ـ احتمال إنقداح الإراة فی العبد، فلو کان متعلّق التکلیف ممّا لا یریده العبد أبداً ویکون متروکاً له بحیث لا ینقدح فی نفسه داع إلیه کان النهی عنه مستهجناً عرفاً وتحصیلا للحاصل.

وفی ما نحن فیه وإن کانت الشرائط الثلاثة الاُولى حاصلة إلاّ أنّ الشرط الأخیر غیر موجود لأنّه بعد فرض خروج أحد الأطراف عن ابتلاء المکلّف لا ینقدح فی نفسه داع إلیه فلا حاجة إلى نهیه وزجره ولا یکون التکلیف بالنسبة إلیه فعلیّاً فیکون الشکّ بالنسبة إلى الطرف الآخر بدویّاً.

وإن شئت قلت: یجری الأصل المؤمن فی الطرف المبتلى به من دون معارض نظیر الشبهات البدویة بعینها، ولا یخفى الفرق بین ما إذا خرج المورد عن الابتلاء قبل حصول العلم الإجمالی وما إذا خرج بعده، حیث إنّه فی القسم الثانی قد جرى الأصل فی کلّ من الطرفین قبل حصول العلم الإجمالی وتساقط الأصلان أو لم تجر الاُصول فیها للتناقض فی مدلولها (على اختلاف القولین فی المسألة) ولا معنى لجریانه ثانیاً بعد الخروج عن الابتلاء فیجب حینئذ الإجتناب عن الطرف المبتلى به.

ثمّ إنّه قد یتمسّک لعدم وجوب الاحتیاط فی المقام بروایة علی بن جعفر الواردة فی دم الرعاف وسیأتی عدم تمامیتها.

وینبغی هنا ذکر ما ورد فی تهذیب الاُصول من مخالفته لجمیع المتأخّرین فی هذه المسألة والقول بعدم تأثیر الخروج عن محلّ الابتلاء فی عدم تنجّز العلم الإجمالی، وإن سبق ذکره فی بعض الأبحاث السابقة بمناسبة اُخرى.

وحاصل بیانه: إنّ الخطابات على قسمین: خطاب قانونی عام، وخطاب شخصی خاص، وقد وقع الخلط بین الخطابات الکلّیة المتوجّهة إلى عامّة المکلّفین والخطابات الشخصیّة إلى آحادهم فإنّ الخطاب الشخصی إلى خصوص العاجز وغیر المتمکّن وغیر المبتلى مثلا مستهجن ولکن الخطاب الکلّی إلى المکلّفین المختلفین حسب الحالات والعوارض ممّا لا استهجان فیه لکفایة، انبعاث عدد معتدّ به من المکلّفین فیه.

إن قلت: ألیست الخطابات منحلّة ومتعدّدة بتعدّد الشخاص؟

قلنا: لیس هنا الإرادة واحدة تشریعیّة متعلّقة بخطاب واحد ولیس الموضوع إلاّ أحد العناوین العامّة من دون أن یقیّد بقید أصلا، فلو اُرید من الانحلال رجوع کلّ خطاب عام إلى خطابات بعدد المکلّفین حتّى یکون کلّ مکلّف مخصوصاً بخطاب خاصّ به وتکلیف مستقلّ متوجّه إلیه فهو ضروری البطلان فإنّ قوله تعالى: (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)خطاب واحد لعموم المؤمنین، أی الخطاب واحد والمخاطب کثیر، کما أنّ الإخبار «بأنّ کلّ نار حارة» إخبار واحد والمخبر عنه کثیر، فلو قال أحد: «کلّ نار بارد» فلم یکذب إلاّ کذبة واحدة لا أکاذیب متعدّدة حسب أفراد النار، فلو قال: «ولا تقربوا الزنا» فهو خطاب واحد متوجّه إلى کلّ مکلّف، ویکون الزنا تمام الموضوع للحرمة، والمکلّف تمام الموضوع لتوجّه الخطاب إلیه، وهذا الخطاب الوحدانی یکون حجّة على کلّ مکلّف من غیر إنشاء تکالیف مستقلّة أو توجّه خطابات عدیدة، لست أقول: إنّ المنشأ تکلیف واحد لمجموع المکلّفین فإنّه ضروری الفساد، بل أقول: إنّ الخطاب واحد والإنشاء واحد والمنشأ هو حرمة الزنا على کلّ مکلّف من غیر توجّه خطاب خاصّ أو تکلیف خاصّ مستقلّ إلى کلّ واحد، ولا إشکال فی عدم استهجان الخطاب العمومی.

ثمّ رتّب على القول بالانحلال توالی فاسدة:

منها: عدم صحّة خطاب العصاة من المژسلمین لأنّ خطاب من لا ینبعث به قبیح أو غیر ممکن.

ومنها: عدم صحّة تکلیف الکفّار بالاُصول والفروع بنفس الملاک.

ومنها: قبح تکلیف صاحب المروّة بستر العورة مثلا فإنّ الدواعی مصروفة عن کشف العورة فلا یصحّ الخطاب.

ومنها: أنّه یلزم على الانحلال وکون الخطاب شخصیاً عدم وجوب الاحتیاط عند الشکّ فی القدرة لکونه شکّاً فی تحقّق ما هو جزء للموضوع، وهو خلاف السیرة الموجودة بین الفقهاء من لزوم الاحتیاط عند الشّک فی القدرة.

ومنها: لزوم الالتزام بأنّ الخطابات والأحکام الوضعیّة مختصّة بما هو محلّ الابتلاء لأنّ جعل الحکم الوضعی إن کان تبعاً للتکلیف فواضح، ومع عدم التبعیة والاستقلال بالجعل فالجعل إنّما هو بلحاظ الآثار، ومع الخروج عن محلّ الابتلاء لا یترتّب علیها آثار فلابدّ من الالتزام بأنّ النجاسة والحلّیة وغیرهما من الوضعیّات من الاُمور النسبیّة بلحاظ المکلّفین، فیکون الخمر والبول نجسان بالنسبة إلى من کان مبتلى بهما دون غیرهما، ولا أظن التزامهم بذلک للزوم الإختلال فی الفقه والدلیل العقلی غیر قابل للتخصیص فیکشف ذلک عن بطلان المبنى(1) (انتهى).

أقول: یرد علیه:

أوّلا: إنّه إن اُرید من قوله إنّ المخاطب هو عنوان «یاأیّها الذین آمنوا» أو عنوان «یاأیّها الناس» العنوان الذهنی بما هو موجود فی الذهن فهو واضح البطلان، وإن اُرید منه العنوان الذهنبی بما هو مشیر إلى أفراده الخارجیّة فلیس المخاطب هو العنوان بما هو عنوان بل المخاطب حقیقه هو الأفراد الخارجیّة من زید وعمرو وبکر وغیرهم.

وهذا عین القول بالانحلال لتعدّد التکالیف بتعدّد المکلّفین، أی الإنشاء واحد والتکلیف المنشأ متعدّد، ولا مانع من إنشاء اُمور عدیدة بلفظ واحد کما إذا قال: «أنکحت هذه المرأة لهذا الرجل وتلک المرأة لذلک الرجل» أو قال: «بعت هذا بهذا وذاک بذاک» فإنّ النکاح أو البیع متعدّد وإن کان الإنشاء واحداً، ولذلک یقال فی باب البیع، إنّ البیع صحیح فی ما یملک وباطل فی ما لا یملک، ولیس هذا إلاّ لأجل الإنحلال، وإنّ الإنشاء الواحد فیه یکون فی قوّة إنشاءات متعدّدة.

وثانیاً: لازم کلامه عدم وجود فرق بین العام المجموعی والعام الإفرادی مع أنّه لا إشکال فی أنّ التکلیف فی الأوّل واحد وفی الثانی متعدّد بتعدّد أفراد العام، ولذلک یکون العصیان فی المجموعی واحداً یتحقّق بعدم إتیان فرد واحد، وأمّا فی الإفرادی فتتعدّد الإطاعة أو العصیان بتعداد الأفراد، ولیس هذا إلاّ لأجل الانحلال فی الإفرادی دون المجموعی، وکأنّه وقع الخلط فی المقام بین الإنشاء والمنشأ، بینما الواحد هو الإنشاء ولا تلازم وحدة الإنشاء وحدة المنشأ.

وثالثاً: فی ما ذکره من التوالی الفاسدة:

فبالنسبة إلى عدم تعدّد الکذب فی قوله «کلّ نار بارد» نقول: إنّ الصدق والکذب من مقولة اللفظ لا المعنى، أی إنّهما یعرضان للإخبار لا المخبر به، وحیث إنّ الإخبار واحد فلیکن الکذب أیضاً واحداً.

وبالنسبة إلى العصاة والکفّار نقول: إنّ التکلیف تارةً یکون بداعی البعث، واُخرى بداعی إتمام الحجّة کما یدلّ علیه مثل قوله تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِکَ قَرْیَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِیهَا فَفَسَقُوا فِیهَا فَحَقَّ عَلَیْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِیراً)(2)، وتکلیف العصاة والکفّار من قبیل الثانی لا الأوّل.

وأمّا النقض بوجوب الاحتیاط فی الشکّ فی القدرة، فیردّ بأنّ وجوب الاحتیاط فی هذه الموارد لیس من باب فعلیة التکلیف الکلّی غیر المنحلّ وعدم انحلاله بعدد المکلّفین، بل من باب وجود خصوصیّة فی المقام، حیث إنّ القدرة على الامتثال وإن کان حالها حال سائر القیود المأخوذة فی فعلیة التکالیف ولکن مع ذلک لا تجری البراءة فی موارد الشکّ فیها لوجود قاعدة عقلائیّة هنا لأنّ بناء العقلاء فی دائرة الموالی والعبید العرفیّة على لزوم الفحص عن وجود القدرة ولزوم التصدّی للامتثال وعدم صحّة الإعتذار بمجرّد احتمال عدم القدرة، وهذا الأمر الإرتکازی العقلائی بعد عدم الردع عنه من قبل الشارع بمنزلة قرینة متّصلة تمنع عن انعقاد الاطلاق فی أدلّة البراءة لموارد الشکّ فی التکلیف الناشیء من الشکّ فی القدرة، بل یمکن أن یقال: إنّه وارد علیها لانتفاء موضوع البراءة بعد ورود هذا البیان.

وعلى سبیل الفرض إذا قال المولى لعبده وخاطبه بخطاب شخصی بقوله: «اشتر الخبز من السوق» فشکّ العبد فی وجود الخبز فی السوق لکون الیوم یوم العطلة فلم یتفحّص عنه واعتذر عند المولى بهذا الشکّ، أترى العقلاء یقبلون هذا العذر من هذا العبد، أو یوجبون علیه الفحص بالمقدار المتعارف؟

وأمّا نقضه بالأحکام الوضعیّة فیمکن الجواب عنه بأنّ الأحکام الوضعیّة تنحلّ بعدد موضوعاتها لا بعدد المکلّفین، فینحلّ حکم الشارع بطهارة الماء مثلا فی قوله(علیه السلام): «الماء کلّه طاهر» بعدد المیاه الموجودة فی سطح الأرض، ولا یخفى أنّه یکفی فی عدم لزوم اللغویّة ابتلاء بعض المکلّفین بکلّ واحد منها، نعم لو فرض وجود بعض المیاه فی بعض الکرات من المنظومة الشمسیّة بحیث لا یبتلى بها أیّ مکلّف فعدم شمول الحکم الوضعی لها غیر بعید فلا تشملها أدلّة الطهارة ولا النجاسة.

نعم هذا بناءً على کون الأحکام الوضعیّة مجعولة بالأصالة کما هو المختار فی محلّه، وأمّا لو قلنا بأنّها اُمور انتزاعیّة من الأحکام التکلیفیّة وتکون مجعولة بتبع جعلها فیکون النقض وارداً لأنّه من المستغرب جدّاً أن یکون الخمر مثلا نجساً بالنسبة إلى مکلّف وغیر نجس بالنسبة إلى مکلّف آخر، بل لا معنى له مع فعلیّة الحکم التکلیفی بالنسبة إلى جمیع المکلّفین وانحلاله بعددهم.

بقی هنا أمران:

الأمر الأوّل: إنّ شیخنا الأعظم الأنصاری(رحمه الله) استدلّ فی المقام بروایة دم الرعاف المعروفة وهى ما رواه علی بن جعفر(علیه السلام) عن أخیه أبی الحسن موسى بن جعفر(علیه السلام) قال: سألته عن رجل رعف فامتخط فصار بعض ذلک الدم قطعاً صغاراً فأصاب إناءه، هل یصلح له الوضوء منه؟ فقال: إن لم یکن شیئاً یستبین فی الماء فلا بأس وإن کان شیئاً بیّناً فلا تتوضّأ منه».

وحیث إنّ مقتضى ظاهر هذه الروایة عدم تنجّس الماء بالدم القلیل والمشهور بین الفقهاء عدم الفرق بین القلیل والکثیر وقعوا فی مقام توجیه هذه الروایة فی حیص وبیص (بعد أن التزم شیخ الطائفة (رحمه الله) بظاهرها فقال بعدم تنجیس ما لا یدرکه الطرف لاستهلاکه فی الماء) وذکروا لها وجوهاً:

منها: المناقشة فی سندها لوجود بعض المجاهیل فیه.

واُجیب عنه بالمنع فی طریق الکافی، ویمکن الجواب عنه أیضاً بأنّ صاحب الوسائل رواها عن کتاب علی بن جعفر، والظاهر أنّ کتابه کان عنده.

ومنها: أنّ التفرقة بین الاستبانة وعدم الإستبانة فیها إشارة إلى صورة العلم وصورة الشکّ فلم تأت هذه الروایة بشیء جدید.

وفیه: إنّه خلاف ظاهرها وخلاف التعبیر بـ «أصاب إناءه» حیث إنّ صریحه أنّ أصل الإصابة معلوم فی کلتا الصورتین.

ومنها: إنّ المراد فی صورة عدم الاستبانة هو الأجزاء الصغیرة من الدم التی لا ترى بغیر المنظار کالأجزاء البولیة الصغار الموجودة فی البخار الحاصل منه.

ولکنّه أیضاً خلاف الظاهر من الروایة وخلاف التعبیر بـ «أصاب إناءه».

ومنها: ما ذهب إلیه الشیخ الأنصاری(رحمه الله) نفسه وهو أنّ إصابة الإناء فی هذه الروایة لا یستلزم إصابة الماء فالمراد أنّه مع عدم تبیّن شیء فی الماء یحکم بطهارته، ومعلوم إن ظهر الإناء وباطنه الحاوی للماء من الشبهة المحصورة».

وأورد علیه فی التهذیب بقوله: «وهو بمکان من الغرابة إذ کیف یکون ظهر الإناء الذی بین یدی المکلّف خارجاً عن الابتلاء».

أقول: لا غرابة لتوجیه الشیخ(رحمه الله) لأنّه لابدّ فی کون شیء ممّا یبتلى به المکلّف دخوله أمّا فی مأکوله أو فی ملبوسه أو فی أحد تقلّباته الاُخرى الواجبة علیه کالتوضّی والاغتسال والتطهیر ونحوها، ومن الواضح أنّ خارج الإناء لیس داخلا فی واحد من هذه الاُمور، نعم قد یبتلى الإنسان بملاقیه، ولکن سیأتی أنّ ملاقی الشبهة المحصورة فی أطراف العلم الإجمالی لیس من الأطراف، ومقصود الشیخ(رحمه الله) من خروج خارج الإناء عن محلّ الابتلاء إنّما هو خروج الإناء بنفسه لا بملاقیه.

لکن یرد علیه: إنّ هذا الوجه أیضاً خلاف ظاهر قوله(علیه السلام): «أصاب إناءه» حیث إنّ إصابة الإناء فی لسان الروایات کنایة عن إصابة ماء الإناء کما أنّ إهراق الإناء فی قوله «یهریقهما» فی حدیث آخر کنایة عن إهراق الماء بلا ریب، والشاهد على ذلک التعبیر بقوله: «إن لم یکن شیئاً یستبین فی الماء» ـ فکأنّ أصل الإصابة بالماء أمر مفروغ عنه والکلام فی الإستبانة وعدمها.

فالإنصاف دوران الأمر بین شیئین: إمّا الالتزام بظاهر الروایة والقول بعدم تنجیس النجاسة القلیلة کما فعله شیخ الطائفة(رحمه الله) أو الإکتفاء فی رفع الید عنها بإعراض الأصحاب حیث إنّ عدم وجود فرق بین الأجزاء الصغار وغیر الصغار مشهور بشهرة عظیمة تشبه الإجماع، ولولاها لأمکن الفتوى بمثل فتوى شیخ الطائفة(رحمه الله).

الأمر الثانی: فی الشکّ فی الخروج عن محلّ الابتلاء وعدمه.

ولابدّ قبل البحث عنه من تعیین ما هو المعیار فی کون الشیء محلا للابتلاء فإنّه یختلف باختلاف الأدلّة وقد عرفت أنّ المختار هو أن یکون الخطاب الفعلی مستهجناً وتحصیلا للحاصل، ثمّ نقول: قد وقع الخلاف بین الشیخ الأعظم والمحقّق الخراسانی(رحمه الله) فی الأصل العملی الجاری عند الشکّ فی الخروج عن محلّ الإبتلاء فاختار الشیخ أصالة الاحتیاط وذهب المحقّق الخراسانی(رحمه الله) إلى البراءة.

واستدلّ الشیخ(رحمه الله) بأنّ الخطاب بالاجتناب عن المحرّمات مطلقة غیر معلّقة، والمعلوم تقییدها بالابتلاء فی موضع العلم بتقبیح العرف توجیهها، وما إذا شکّ فی قبح التنجیز فیرجع فیه إلى الإطلاقات لأنّ مرجع المسألة إلى أنّ المطلق المقیّد بقید مشکوک التحقّق فی بعض الموارد لتعذّر ضبط مفهومه هل یجوز التمسّک به أو لا؟ والأقوى الجواز.

وذهب المحقّق الخراسانی(رحمه الله) إلى أنّ المرجع فی صورة الشکّ فی الابتلاء إنّما هو البراءة (لا اطلاق الخطاب) لعدم إحراز أصل الاشتغال فی هذه الموارد، توضیح ما أفاده فی توجیه ذلک: إنّ التمسّک بالاطلاق منوط بإحراز صحّة اطلاق الخطاب ثبوتاً فی مشکوک القیدیة وکون الشکّ متمحّضاً فی مطابقة الاطلاق للواقع، وأمّا إذا کان القید ممّا لا یصحّ الخطاب بدونه کالقدرة العقلیّة أو العادیّة التی منها الابتلاء، فلا معنى للتمسّک بالاطلاق فی مرحلة الإثبات لعدم إمکان الاطلاق فی مقام الثبوت بعد دخل القدرة فی التکلیف حتّى یستکشف بالاطلاق فی مقام الإثبات.

وقد اختار المحقّق النائینی(رحمه الله) مذهب الشیخ(رحمه الله) ببیان آخر وذهب فی تهذیب الاُصول إلى المختار المحقّق الخراسانی(رحمه الله) ولکن الحقّ مع الشیخ الأعظم(رحمه الله) لأنّ کثیراً من موارد الشکّ فی الابتلاء ترجع إلى الشکّ فی القدرة (کما اُشیر إلیه فی بیان المحقّق الخراسانی(رحمه الله)) وقد مرّ سابقاً أنّ بناء العقلاء فی موارد الشکّ فی القدرة على الاحتیاط.

هذا مضافاً إلى أنّه یمکن لنا کشف فعلیّة الخطاب وشموله لمورد الشکّ فی الابتلاء من نفس الاطلاق الظاهری للخطاب بضمیمة حکمة المولى الحکیم فإنّ توجیه الخطاب إلى شخص (إمّا بخصوصه أو بعموم أو اطلاق لفظی) دلیل على عدم کونه تحصیلا للحاصل لما علم من کون المتکلّم حکیماً، ولیس هذا من التمسّک بعموم العام فی الشبهات المصداقیّة للمخصّص الممنوع فی محلّه.

واستدلّ المحقّق النائینی(رحمه الله) بأنّ القدر المسلّم من التقیید ما هو إذا کان الخمر خارجاً عن محلّ الابتلاء بحیث یلزم استهجان الخطاب فی نظر العرف، فإذا شکّ فی استهجانه وعدمه للشکّ فی إمکان الابتلاء بموضوعه أو عدمه فالمرجع هو اطلاق الدلیل، لأنّ المخصّص المجمل بین الأقل والأکثر مفهوماً لا یمنع عن التمسّک بالعام فیما عدا القدر المتیقّن من التخصیص، وهو الأقلّ خصوصاً فی المقیّدات اللبّیة، فإنّه یجوز التمسّک بالعام فیها فی الشبهات المصداقیّة فضلا عن الشبهات المفهومیّة(3).

وأورد علیه فی التهذیب: بأنّ المخصّص اللبّی یسری إجماله إلى العام لأنّه بحکم المتّصل اللفظی یمنع عن انعقاد الظهور(4).

أقول: إنّ إجمال المخصّص یسری إلى العام إذا کانت الشبهة مفهومیّة ولکنّها فی المقام مصداقیّة، ولذلک ذهب المحقّق الخراسانی(رحمه الله) إلى عدم جواز التمسّک بالعام أو المطلق فی المقام لعدم جواز التمسّک بالعام فی الشبهة المصداقیّة للمخصّص. ولکنّا أثبتنا الجواز من طریق آخر وهو کشف الاطلاق من ظاهر کلام المولى بضمیمة حکمته کما مرّ.


1. راجع تهذیب الاُصول: ج 2، ص8 33 ـ 341.
2. سورة الإسراء: الآیة 16.
3. راجع فوائد الاُصول: ج 4، ص 57 ـ 58، طبع جماعة المدرّسین.
4. التهذیب: ج 2، ص 286، طبع جماعة المدرّسین.

 

التنبیه الأوّل: الاضطرار إلى بعض الأطرافالتنبیه الثالث: عدم الفرق بین الدفعیّات والتدریجیّات فی تنجّز العلم الإجمالی
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma