الشبهة العبائیّة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
أنوار الاُصول(الجزء الثّالث)
التنبیه الرابع: أقسام استصحاب الکلّیالتنبیه الخامس: استصحاب الاُمور التدریجیّة

ثمّ إنّ هیهنا شبهة سمّیت بالشبهة العبائیّة، وهى فی الواقع إشکال خامس على جریان الاستصحاب فی القسم الثانی من استصحاب الکلّی، ومنسوبة إلى المحقّق السیّد إسماعیل الصدر(رحمه الله) وحاصلها: أنّه لو علمنا بإصابة النجاسة أحد طرفی العباءة من الأیمن والأیسر ثمّ طهّرنا الطرف الأیمن فطهارته تورث الشکّ فی بقاء النجاسة فی العباءة، لاحتمال أن تکون النجاسة المعلومة قد أصابت الطرف الأیسر فیجری فیه استصحاب بقاء النجاسة، فإذا لاقت الید مثلا الطرف الأیسر کانت محکومة بالطهارة (لأنّ ملاقی بعض الأطراف فی الشبهة المحصورة طاهر) أمّا إذا لاقت بعد ذلک الطرف الأیمن وجب الحکم بنجاستها مع أنّ الأیمن طاهر على المفروض، وذلک لأنّ النجاسة فی العباءة باقیة بحکم الاستصحاب ولیست خارجة عن الطرفین، وقد لاقت الید کلیهما، فلا محیص عن القول بنجاسة الید بعد إصابة الطرف الطاهر، وهذا من العجائب، فلابدّ من رفع الید عن جواز استصحاب الطهارة هنا الذی هو من قبیل استصحاب القسم الثانی من الکلّی.

وقد وقع الأعلام فی حیص وبیص فی حلّ هذه المشکلة.

فأجاب المحقّق النائینی(رحمه الله) فی الدورة الاُولى من خارج الاُصول بجواب، وفی الدورة الثانیة بجواب آخر.

أمّا الجواب الأوّل: فهو «إنّ الاستصحاب الجاری فی مثل العباءة لیس من استصحاب الکلّی فی شیء لأنّ استصحاب الکلّی إنّما هو فیما إذا کان الکلّی المتیقّن مردّداً بین فرد من الصنف الطویل وفرد من الصنف القصیر، کالحیوان المردّد بین البق والفیل على ما هو المعروف، بخلاف المقام فإنّ الشکّ فیه فی خصوصیّة محلّ النجس مع العلم بخصوصیّة الفرد، والشکّ فی خصوصیّة المکان أو الزمان لا یوجب کلّیة المتیقّن، فلیس الشکّ حینئذ فی بقاء الکلّی وارتفاعه حتّى یجری الاستصحاب فیه، کما إذا علمنا بوجود زید فی الدار فانهدم الطرف الشرقی منها، فلو کان زید فیه فقد مات بانهدامه، ولو کان فی الطرف الغربی فهو حی، فحیاة زید وإن کانت مشکوکاً فیها إلاّ أنّه لا مجال معه لاستصحاب الکلّی»(1).

وأورد علیه مقرّره المحقّق: بأنّ الإشکال لیس فی تسمیة الاستصحاب الجاری فی مسألة العباءة باستصحاب الکلّی، بل الإشکال إنّما هو فی أنّ جریان استصحاب النجاسة لا یجتمع مع القول بطهارة الملاقی لأحد أطراف الشبهة، سواء کان الاستصحاب من قبیل استصحاب الکلّی أو الجزئی»(2).

ولکن یمکن الدفاع عن المحقّق النائینی(رحمه الله) بأنّ مقصود المحقّق إنّما هو إثبات سلامة استصحاب القسم الثانی من الکلّی من الإشکال وهو حاصل بجوابه.

نعم، یمکن الإیراد علیه بأنّ قیاس ما نحن فیه بمثال وجود زید فی الدار مع الفارق، لأنّ البحث فی ما نحن فیه لیس فی خصوصیّة المکان وأنّ النجاسة هل وقعت فی الطرف الأیمن أو الطرف الأیسر؟ بل الکلام فی تنجّس العباءة (فإنّها تتنجّس بالملاقاة) وإنّ نجاستها هل هى باقیة ضمن فردها الأیمن أو الأیسر أو لا؟ نظیر ما إذا علمنا بنجاسة کلّی الإناء ولا نعلم بوجوده ضمن الإناء الأیمن أو الإناء الأیسر، فالاستصحاب من قبیل القسم الثانی من الکلّی على مبنى القوم، وبعبارة اُخرى: العباءة لیست ظرفاً للنجاسة، بخلاف مثال زید فی طرفی الدار، بل العباءة تتنجّس بنفسها ثمّ نشکّ فی ارتفاع نجاستها.

وأما الجواب الثانی: فهو «إنّ الاستصحاب المدّعى فی المقام لا یمکن جریانه فی مفاد کان الناقصة بأن یشار إلى طرف معیّن من العباءة ویقال: إنّ هذا الطرف کان نجساً وشکّ فی بقائها فالإستصحاب یقتضی نجاسته، وذلک لأنّ أحد طرفی العباءة مقطوع الطهارة والطرف الآخر مشکوک النجاسة من أوّل الأمر، ولیس لنا یقین بنجاسة طرف معیّن یشکّ فی بقائها لیجری الاستصحاب فیها، نعم یمکن اجراؤه فی مفاد کان التامّة بأن یقال: أنّ النجاسة فی العباءة کانت موجودة وشکّ فی إرتفاعها فالآن کما کانت، إلاّ أنّه لا تترتّب نجاسة الملاقی على هذا الاستصحاب إلاّ على القول بالأصل المثبت»(3).

وقد ذکر له بعض الأعاظم(رحمه الله) مثالا آخر وهو «أنّه لو وجب علیه إکرام عالم وکان فی البیت شخصان یعلم کون أحدهما عالماً فخرج أحدهما من البیت وبقی الآخر یجری استصحاب بقاء العالم فی البیت ویترتّب علیه أثره لو کان له، لکن لا یثبت کون الشخص الموجود عالماً یکون إکرامه عملا بالتکلیف»(4).

ولکن یرد علیه: أنّ هذا لیس من الأصل المثبت بل هو من قبیل ضمّ الوجدان إلى الأصل، لأنّ ملاقاة الید مثلا بالعباءة متیقّن بالوجدان، ونجاسة العباءة معلومة بالتعبّد فتثبت نجاسة الملاقی، وهذا نظیر ما إذا تنجّس خصوص أحد طرفی العباءة ولم نعلم بطهارته بعد ذلک ولاقاه شیء فلا إشکال فی نجاسة الملاقی حینئذ.

وإن شئت قلت: من الآثار الشرعیّة للشیء النجس نجاسة ملاقیه وبعد إثبات نجاسة العباءة فی ما نحن فیه بإستصحاب کلّی النجاسة تترتّب علیها نجاسة ملاقیه وهو الید.

وأمّا قیاسه بمثال العالم الموجود فی الدار فی کلمات بعض الأعاظم قیاس مع الفارق فإن تنظیر المقام به إنّما یتمّ فیما إذا قلنا بنجاسة الید بمجرّد ملاقاتها بالطرف الأوّل، أی قلنا بنجاسة ملاقی بعض أطراف العلم الإجمالی، ولیس کذلک.

الجواب الثالث: ما أفاده بعض الأعلام وحاصله: أنّ هذا یکون فی الواقع التحقیق العبائی لا الشبهة العبائیة، أی نحکم بنجاسة الملاقی لطرفی العباءة تعبّداً من باب جریان استصحاب کلّی النجاسة فی العباءة، فإنّ من آثار هذا الاستصحاب هو الحکم بنجاسة الملاقی، ولا منافاة بین الحکم بطهارة الملاقی فی سائر المقامات والحکم بنجاسته فی مثل المقام، للأصل الحاکم على الأصل الجاری فی الملاقی، فإنّ التفکیک فی الاُصول کثیر جدّاً، ولا تناقض فی عالم التعبّد والاعتبار(5).

ویرد علیه أنّه لا یجوز مثل هذا التعبّد لجهتین.

فأوّلا: أنّ نجاسة الملاقی من شؤون نجاسة الملاقى، وهو فی المقام لیس نجساً لأنّ المفروض أنّ الطرف الثانی طاهر، وملاقی الطاهر لا یتنجّس، کما أنّ المفروض أنّه لا یحکم بنجاسة الملاقی للطرف الأوّل.

وثانیاً: سلّمنا أنّه لا تناقض فی عالم التعبّد عقلا ولکن الوجدان یحکم بأنّ مثل هذا التعبّد أمر عجیب جدّاً یوجب إنصراف أدلّة الاستصحاب عنه بلا ریب، وإن شئت قلت: مثل هذا التعبّد لا یمکن إثباته بمجرّد الاطلاق، بل یحتاج إلى دلیل صریح الدلالة قوی السند جدّاً.

الجواب الرابع: ما هو الصحیح، وهو أنّ مثل هذا الاستصحاب لیس من قبیل استصحاب القسم الثانی من الکلّی، لأنّ استصحاب القسم الثانی عبارة عن استصحاب فرد واحد مجهول الصفات، أی الفرد المبهم المتیقّن وجوده فی الخارج، بینما الفرد فی ما نحن فیه مردّد بین فردین خارجیین، فهو نظیر ما إذا علمنا بنجاسة أحد الإنائین ثمّ علمنا بإنعدام أحدهما ولا نعلم هل المعدوم هو الإناء النجس أو الإناء الطاهر؟ فلا إشکال فی عدم جواز استصحاب نجاسة کلّی أحدهما فی مثل ذلک، لتبدّل الموضوع الناشىء من انعدام أحدهما فی الخارج.

فإنّ المفروض فی ما نحن فیه أنّ أحد الطرفین صار طاهراً قطعاً، فتبدّل عنوان «هما» بـ «هو» فلیس المتیقّن نجاسة کلّی أحدهما بل المتیقّن نجاسة الفرد المردّد بین ما صار طاهراً یقیناً وبین ما هو مشکوک نجاسة، فهو من قبیل استصحاب الفرد المردّد الذی لا إشکال فی عدم جریانه فی أمثال المقام لتبدّل الموضوع.

إن قلت: فلیکن إتیان الصّلاة فی مثل هذا العباءة جائزاً.

قلنا: کلاّ، لأنّ أحد أطراف العلم الإجمالی باق على حاله بعد تنجّزه، وقد ثبت فی محلّه بقاء تنجّز العلم الإجمالی بالنسبة إلى الافراد الباقیة ولو بعد إنعدام بعض الأطراف، فالحکم بعدم جواز الصّلاة حینئذ لیس من باب استصحاب النجاسة، بل هو ناش عن وجوب الاحتیاط الحاصل من العلم الإجمالی، والفرق بینهما ظاهر.

أمّا استصحاب القسم الثالث: ففی حجّیته وعدم حجّیته وجوه ثلاثة:

الأوّل: عدم الحجّیة مطلقاً، وهو المعروف بین الأصحاب.

الثانی: الحجّیة مطلقاً، ولا نعرف من یقول به بالاسم والعنوان.

الثالث: تفصیل شیخنا الأعظم الأنصاری(رحمه الله) فی فرائده بین ما إذا إحتمل وجود الفرد الآخر مقارناً لخروج الفرد الأوّل، وما إذا احتمل وجوده مقارناً لوجود الفرد الأوّل، فهو حجّة فی الثانی دون الأوّل.

والصحیح هو القول الأوّل، ودلیله واضح، لإعتبار وحدة متعلّق الیقین والشکّ فی الاستصحاب الذی یعبّر عنه بلزوم اتّحاد القضیة المتیقّنة والقضیة المشکوکة، وهى مفقودة فی المقام لأنّ متعلّق الیقین فیه إنّما هو وجود الإنسان ضمن زید، بینما المشکوک هو وجود الإنسان ضمن عمرو، وقد ثبت فی محلّه أنّ وجود الکلّی الطبیعی فی الخارج یکون متعدّداً بتعدّد أفراده وإن کان متّحداً معها فی الذهن، ولا إشکال فی أنّ المستصحب فی ما نحن فیه إنّما هو وجود الکلّی فی الخارج لا الموجود فی الذهن.

واستدلّ الشیخ الأعظم(رحمه الله) لجریان الاستصحاب فی القسم الأوّل من قسمی الثالث (وهو ما إذا وقع الشکّ فی وجود فرد آخر مقارن لوجود الفرد الأوّل) بما إلیک نصّه: «لإحتمال کون الثابت فی الآن اللاحق هو عین الموجود سابقاً فیتردّد الکلّی المعلوم سابقاً بین أن یکون وجوده الخارجی على نحو لا یرتفع بإرتفاع الفرد المعلوم إرتفاعه وأن یکون على نحو یرتفع بإرتفاع ذلک الفرد، فالشکّ إنّما هو فی مقدار استعداد ذلک الکلّی، واستصحاب عدم حدوث الفرد المشکوک لا یثبت تعیین استعداد الکلّی».

فحاصل کلامه: أنّه فی القسم الأوّل یحتمل أن یکون الثابت فی الآن اللاحق هو عین الموجود سابقاً بخلاف القسم الثانی فلا یحتمل فیه ذلک، فیجری الاستصحاب فی الأوّل دون الثانی.

ویمکن أن یجاب عنه: بأنّ المتیقّن إنّما هو وجود کلّی الإنسان ضمن وجود زید، وأمّا المشکوک فهو وجود کلّی الإنسان ضمن عمرو، فالموضوع المستصحب على کلّ حال لیس واحداً لما مرّ کراراً من أنّ وجود الطبیعی فی ضمن فرد غیر وجوده فی ضمن فرد آخر.

بقی هنا اُمور:

الأمر الأوّل: قد استثنى الأعاظم من القسم الثالث ما یتسامح فیه العرف، فیعدّون الفرد اللاحق مع الفرد السابق کالمستمرّ الواحد، وهو ما إذا کان الفردان من قبیل المرتبة الشدیدة والمرتبة الضعیفة من شیء واحد، کما إذا علمنا بالسواد الشدید فی محلّ، وشککنا فی تبدّله بالبیاض أو بسواد خفیف، ففی هذه الصورة لا إشکال فی جریان الاستصحاب، لأنّ العبرة فی جریان الاستصحاب کون الوجود اللاحق استمراراً للوجود السابق بنظر العرف ولو کان مغایراً معه بالدقّة العقلیّة.

أقول: الحقّ فی المسألة أنّ الفرد السابق متّحد مع الوجود اللاحق حتّى بالدقّة العقلیّة وذلک لإتّصال مراتب الشدیدة والضعیفة فی شیء واحد، وقد ثبت فی محلّه أنّ الإتّصال دلیل الوحدة الحقیقیّة الخارجیّة، ولذلک إستشکل القائلون بأصالة الوجود على القائلین بأصالة الماهیّة بأنّ لازم هذا القول هو القول بأفراد غیر متناهیة من الماهیات بین حاصرین فی مراتب التشکیک، ولا یرد هذا الإشکال على القائلین بأصالة الوجود لأنّ الوجود المتّصل عندهم واحد فقط. فلو قلنا بتعدّد الوجود فی ما نحن فیه من باب تعدّد المراتب لورد نفس الإشکال على القائلین بأصالة الوجود أیضاً.

الأمر الثانی: إذا صارت القضیّة عکس ما مرّ فی الأمر الأوّل، فیرى العقل الفرد اللاحق مع الفرد السابق کالمستمر الواحد، لکن العرف یعدّونهما فردین، فهى عند العقل لا تکون من قبیل القسم الثالث من الکلّی، نظیر ما إذا زال الوجوب (کوجوب صلاة العید فی عصر الحضور مثلا بالنسبة إلى عصر الغیبة) ولا نعلم هل بقی مطلق الطلب ضمن الاستحباب، أو لا؟ فهل یمکن استصحاب مطلق الطلب الذی کان موجوداً ضمن فرده الواجب، أو لا؟

الصحیح هو عدم الجریان لأنّ المیزان فی هذه الموارد إنّما هو نظر العرف، والمفروض أنّ ما نحن فیه یکون عنده من قبیل القسم الثالث من الکلّی.

نعم یمکن المناقشة فی المثال المزبور الذی ذکره المحقّق الخراسانی(رحمه الله)للمقام لأنّه یمکن أن یقال: بأنّ الاستحباب والوجوب مرتبتان من شیء واحد (وهو الطلب): المرتبة الضعیفة والمرتبة الشدیدة، فیرى العرف أیضاً أحدهما مع الآخر کالمستمرّ الواحد.

الأمر الثالث: ربّما یرد على تفصیل الشیخ الأعظم(رحمه الله) وجریان الاستصحاب فی الصورة الاُولى من القسم الثالث من استصحاب الکلّی (وهو ما إذا احتمل وجود الفرد الآخر مقارناً لوجود الفرد الأوّل) «أنّه إذا قام أحد من النوم واحتمل جنابته فی حال النوم، لم یجز له الدخول فی الصّلاة مع الوضوء وذلک لجریان استصحاب الحدث حینئذ بعد الوضوء، لاحتمال إقتران الحدث الأصغر مع الجنابة، وهى لا ترتفع بالوضوء، والظاهر أنّه لا یلتزم بهذا الحکم الشیخ الأعظم(رحمه الله)وغیره فإنّ کفایة الوضوء حینئذ من الواضحات وهذا یکشف عن عدم جریان الاستصحاب فی القسم الثالث مطلقاً»(6).

أقول: بل یرد علیه: أنّ لازم کلامه جریان استصحاب بقاء المعلوم بالإجمال فی کثیر من موارد دوران الأمر بین الأقل والأکثر الاستقلالیین، ونتیجته وجوب الإتیان الأکثر بحکم الاستصحاب، فإذا دار الأمر فی الدَین مثلا بین کونه مائة درهم فقط أو مع إضافة مائة منّ من الحنطة، فإذا أدّى القدر المعلوم وهو الدراهم وبعد ذلک شکّ فی بقاء کلّی الدَین المشترک بینهما وبین الحنطة یجوز له استصحاب کلّی الدَین، وحینئذ لا یحصل له البراءة إلاّ بأداء الحنطة أیضاً، وکذا أشباهه من الأمثلة التی لا نظّن التزام أحد من المحقّقین بها.

وقد قام جماعة من الأعلام منهم المحقّق النائینی(رحمه الله) فی مقام الدفاع عن الشیخ(رحمه الله). بما حاصله: أنّ المستفاد من قوله تعالى: (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ ...)وقوله تعالى: (وَإِنْ کُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا)أنّ الوضوء والغسل فردان متضادّان لا یجتمعان فی آن واحد، أی وجوب الوضوء مختصّ بغیر الجنب بمقتضى المقابلة لأنّ التقسیم قاطع للشرکة، فالمکلّف بالوضوء هو کلّ محدث لا یکون جنباً، أی موضوع وجوب الوضوء مرکّب من أمرین: کون المکلّف محدثاً وعدم کونه جنباً، وهذا حاصل فی المثال، لأنّ هذا الذی قام من نومه ویحتمل کونه جنباً حین النوم تجری فی حقّه أصالة عدم تحقّق الجنابة، فکونه محدثاً محرز بالوجدان، وکونه غیر جنب محرز بالتعبّد الشرعی فیدخل تحت قوله تعالى: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ ...) فیکون الوضوء فی حقّه رافعاً للحدث، ولا مجال حینئذ لوجوب الغسل لمکان التنافی والتضادّ، ولا مجال لجریان استصحاب بقاء کلّی الحدث لکونه محکوماً بالأصل الموضوعی وهو عدم کونه جنباً»(7).

ولکن یرد علیه:

أوّلا: أنّ الاستصحاب ناظر إلى الحکم الظاهری مع أنّ المستفاد من الآیة حکمان واقعیان، والتنافی بین الحکمین الواقعیین لا یستلزم التنافی بینهما فی الحکم الظاهری.

ثانیاً: أنّ هذا الجواب یختصّ بمسألة الوضوء والغسل، ولا یجری فی غیره ممّا ذکرنا من الأمثلة.

هذا هو الوجه الأوّل فی الدفاع عن الشیخ(رحمه الله).

وهنا وجه آخر أفاده بعض الأعاظم، وحاصله: أنّ کلّی الحدیث لا یترتّب علیه أثر شرعی بل الأثر إنّما یترتّب على خصوص الحدث الأصغر أو الحدث الأکبر، فلا یمکن نقض کلام الشیخ(رحمه الله) باستصحاب کلّی الحدث.

وفیه: أنّه لو سلّم عدم ترتّب الأثر الشرعی على کلّی الحدث فهذا الجواب یختصّ بهذا المثال، ولا یجری فی غیره من الأمثلة کمثال الدَین، فالإشکال الذی أوردوه على شیخنا الأعظم من هذه الناحیة وارد علیه.

هذا تمام الکلام فی استصحاب القسم الثالث من الکلّی.

أمّا القسم الرابع: ففی حجّیة جریان الاستصحاب فیه وعدمها أقوال ثلاثة:

1 ـ أنّه یجری مطلقاً ولکنّه مبتلى بالمعارض غالباً، وهذا ما ذهب إلیه بعض أعاظم العصر.

2 ـ عدم الجریان مطلقاً، وهو المختار.

3 ـ ما ذهب إلیه المحقّق الهمدانی(رحمه الله) فی مصباح الفقیه من التفصیل الآتی ذکره.

أمّا القول الأوّل: فاستدلّ له بتمامیة أرکان الاستصحاب وتشیید نظامه فی هذا القسم فإنّ أحد العنوانین وإن إرتفع یقیناً إلاّ أنّ لنا یقیناً بوجود الکلّی فی ضمن عنوان آخر، فنشکّ فی ارتفاعه لاحتمال انطباقه على فرد آخر غیر الفرد المرتفع یقیناً (فإذا علمنا بأنّ زیداً کان فی الدار ثمّ سمعنا قراءة القرآن من الدار واحتملنا أنّ القارىء هو زید أو غیره ثمّ خرج زید عن الدار فحینئذ نقول: العلم بوجود کلّی الإنسان کان حاصلا والآن نشکّ فی بقائه لاحتمال تعدّد الفردین: زید وقارىء القرآن) فبعد الیقین بوجود الکلّی المشار إلیه والشکّ فی ارتفاعه لا مانع من جریان الاستصحاب فیه.

نعم قد یبتلى هذا الاستصحاب بالمعارض، کما إذا علم بالجنابة لیلة الخمیس مثلا وقد إغتسل منها، ثمّ رأى منیّاً فی ثوبه یوم الجمعة، فیعلم بأنّه کان جنباً حین خروج هذا المنی ولکن یحتمل کون المنیّ من الجنابة التی قد إغتسل منها کما یحتمل کونه من غیرها، فإستصحاب کلّی الجنابة مع الغاء الخصوصیّة وإن کان جاریاً فی نفسه، إلاّ أنّه معارض باستصحاب الطهارة الشخصیّة فإنّه على یقین بالطهارة حین ما إغتسل من الجنابة ولا یقین بارتفاعها لإحتمال کون ذلک الأثر من تلک الجنابة، فیقع التعارض بینه وبین استصحاب الجنابة، فیتساقطان ولابدّ من الرجوع إلى أصل آخر(8).

أقول: بعد سقوط الأصل من الجانبین یکون هذا الإنسان کخلق الساعة، وقد وقع الکلام فیه فی محلّه من أنّ من خلق من ساعته کآدم مثلا هل یجوز له الصّلاة لأنّ الحدث مانع، أو لا یجوز لأنّ الوضوء شرط؟ فکلّ ما اخترنا هناک یجری هنا، لعدم جریان أصل من ناحیة الطهارة والحدث، وسیأتی قریباً الجواب عن هذا القول عند ذکر دلیل القول الثانی.

أمّا القول الثانی: فحاصل ما استدلّ له أنّه یرجع إلى التمسّک بعموم لا تنقض فی الشبهة المصداقیّة، لأنّه یحتمل أن یکون رفع الید عن الیقین السابق من قبیل نقض الیقین بالیقین فإنّ احتمال انطباق هذا الأثر على الجنابة المعلوم ارتفاعها مساوق لإحتمال تحقّق الیقین بارتفاع الجنابة الحادثة عند حدوث هذا الأثر.

إن قلت: أنّه لا معنى للشکّ فی تحقّق الیقین وعدمه، لأنّ الیقین من الصفات النفسانیة التی لا یمکن تطرّق الشکّ إلیها فإمّا یعلم بوجوده فی عالم النفس أو یعلم بعدمه.

قلت: إنّ متعلّق حکم الشارع بالإبقاء نفس الجنابة الخارجیة الحاصلة عند وجود هذا الأثر، وإنّما أخذ هذا العنوان (الجنابة الحاصلة عند وجود الأثر) للاشارة إلى الموجود الخارجی، وإلاّ فلا دخل لهذا العنوان فی الحکم الشرعی بلا إشکال، فلو علم بارتفاع الجنابة الخارجیة (بأی عنوان کان وبأیّة إشارة فرضت) فقد حصلت الغایة وهو الیقین بارتفاع الجنابة وکان رفع الید عن المتیقّن السابق من قبیل نقض الیقین بالیقین فإحتمال إنطباق عنوان المتیقّن فی المقام على الجنابة المعلوم ارتفاعها یوجب احتمال کون رفع الید عنه من قبیل نقض الیقین بالیقین فلا یصحّ التمسّک بعموم «لا تنقض» لإثبات بقائها.

والحاصل: أنّ الیقین والشکّ وإن کانا من الاُمور النفسانیّة التی لا یمکن الشکّ فی تحقّقها، ولکن الکلام هنا فی متعلّق الیقین، فقد یکون العنوان الذی أخذ فی متعلّقه منطبقاً على عنوان آخر فی الخارج، ومجرّد هذا الاحتمال یوجب احتمال تحقّق الیقین بارتفاع الجنابة فی المثال ولو بعنوان آخر، فالشکّ إنّما هو فی انطباق العنوانین اللذین تعلّق بهما الشکّ والیقین، فتأمّل فإنّه دقیق.

هذا کلّه بالنسبة إلى القول الثانی.

وأمّا القول الثالث: فهو تفصیل المحقّق الهمدانی(رحمه الله) بین ما ذکرنا من المثال فیجری فیه الاستصحاب وبین ما إذا علم الإنسان باحتلامه لیلة السبت ولم یغتسل منها بل عوّض ثوبه فقط، ثمّ نام واغتسل بعد الإستیقاظ ثمّ نام فی لیلة الأحد ورأى أثر الجنابة فی ثوبه بعد الإستیقاظ، فهو یحتمل أن یکون هذا الأثر من الإحتلام الذی یحتمل وقوعه فی النوم الثانی من لیلة السبت، أو من الإحتلام المحتمل وقوعه فی لیلة، الأحد، فإن کان من الأوّل فلا أثر لهذا الإحتلام، لأنّه من قبیل وقوع الحدث بعد الحدث، وإن کان من الثانی فیجب الغسل عنها،

وحیث إنّه لا یعلم أهو من هذا أو ذاک فلا یکون هذا العلم الإجمالی منجّزاً، لسقوط أحد طرفیه عن الأثر قبل تنجّزه.

وبالجملة فرق بین ما إذا علم بحدوث تکلیف جدید عند تحقّق هذا الأثر، وبین ما إذا لم یعلم بتحقّقه فلا یجری الاستصحاب فی الثانی ویجری فی الأوّل.

ویمکن الجواب عنه بأنّ المستصحب إنّما هو وجود الجنابة عند وقوع هذا الأثر. (سواء کان لخروجه أثر فی الجنابة أم لا) وهو متیقّن فی السابق، ومشکوک بقائه فی اللاحق فی الصورتین فإن کان الاستصحاب جاریاً فی الصورة الاُولى فهو جار هنا أیضاً وإن لم یکن جاریاً هناک فکذلک هنا.


1. نقل عنه فی مصباح الاُصول: ج3، ص110، طبع مطبعة النجف.
2. مصباح الاُصول: ج3، ص111، طبع مطبعة النجف.
3. نقل عنه فی مصباح الاُصول: ج3، ص111، طبع مطبعة النجف.
4. رسائل الإمام الخمینی (قدس سره): ج1، ص130.
5. راجع مصباح الاُصول: ج3، ص113، طبع مطبعة النجف.
6. مصباح الاُصول: ج3، ص115، طبع مطبعة النجف.
7. راجع مصباح الاُصول: ج3، ص117، طبع مطبعة النجف، فإنّه نقله عن اُستاذه.
8. راجع مصباح الاُصول: ج3، ص118، طبع مطبعة النجف.

 

التنبیه الرابع: أقسام استصحاب الکلّیالتنبیه الخامس: استصحاب الاُمور التدریجیّة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma