نقد سائر الأقوال

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
أنوار الاُصول(الجزء الثّالث)
المختار فی معنى الحدیثالتنبه الأوّل: فی نسبة القاعدة إلى سائر الأدلّة

أمّا الأوّل والثانی: وهما أنّ القاعدة نافیة للأحکام الضرریّة إمّا مجازاً بلسان نفی الحکم کما ذهب إلیه الشیخ الأعظم(رحمه الله) أو کنایة بلسان نفی الموضوع کما اختاره المحقّق الخراسانی(رحمه الله)) فأورد علیهما:

أوّلا: أنّ المجاز أو الکنایة مخالف للظاهر.

وقد أجاب الشیخ(رحمه الله) عن هذا بأنّه لا مخلص من الالتزام به بعد تعذّر الحمل على الحقیقة (لعدم إمکان انکار وجود الضرر فی الخارج، نظیر النسیان فی حدیث الرفع) ولزوم الرجوع إلى أقرب المجازات، بل حاول المحقّق النائینی(رحمه الله)إثبات أنّ مقالة الشیخ لا یلزم منها المجاز لأنّ النفی فی المقام وأشباهه من حدیث الرفع وقوله(علیه السلام): «لا صلاة إلاّ بطهور» وغیرهما محمول على معناه الحقیقی بالنظر إلى عالم التشریع.

وحاصل ما أفاده فی توضیح ذلک: إنّ الأحکام التکلیفیّة وکذا الوضعیّة أمرها بید الشارع إن شاء رفعها وإن شاء وضعها، فالنفی إذا تعلّق بحکم شرعی کان نفیاً حقیقیّاً لارتفاعه واقعاً فی عالم التشریع، هذا بالنسبة إلى النفی، وأمّا اطلاق الضرر على الأحکام المستلزمة له فهو أیضاً حقیقی، لأنّ اطلاق المسبّبات التولیدیّة کالإحراق على إیجاد أسبابها شائع ذائع، فمن ألقى شیئاً فی النار یقال: إنّه أحرقه، قولا حقیقیّاً، وحینئذ نقول: کما أنّ الشارع إذا حکم بحکم شرعی وضعی أو تکلیفی یوجب الضرر على المکلّفین یصدق أنّه أضرّ بهم ولیس هذا اطلاقاً مجازیاً، فکذا إذا نفاه یصدق علیه أنّه نفى الضرر عنه، نعم لو کانت الأحکام الشرعیّة من قبیل المعدّات للضرر لا من قبیل الأسباب، أو کان من قبیل الأسباب غیر التولیدیّة کان إسناد الضرر إلى من أوجدها إسناداً مجازیاً، ولکن الأحکام الشرعیّة لیست کذلک بل حکم الشارع بالنسبة إلى محیط التشریع کالسبب التولیدی لا غیر، أمّا فی الأحکام الوضعیّة فواضح، وأمّا فی الأحکام التکلیفیّة فإسناد الاضرار فیها إلى الشارع إنّما هو بملاحظة داعی المکلّف وإرادته المنبعثة عن حکم الشارع، ففی الحقیقة الحکم التکلیفی سبب لإنبعاث إرادة المکلّف وهى سبب للفعل، فهو أیضاً من سنخ الأسباب التولیدیة(1). (انتهى).

وربّما یرد علیه: بأنّ الأحکام الإلهیّة لیست عللا تولیدیّة لأفعال المکلّفین، وذلک لتخلّل إرادة المکلّف بینهما، والإرادة مستندة إلى الاختیار ومعلولة له، وأمّا الأحکام فهى من قبیل المعدّدات والدواعی المؤکّدة لاختیار أحد الطرفین لا غیر، ولذلک فی باب القتل لو ألقى شخص إنساناً فی البحر وأغرقه عدّ سبباً للقتل، وکذا إذا فتح باب القفس وطار الطائر منه، وأمّا لو أطمع إنساناً عاقلا مختاراً وأغراه إلى قتل إنسان آخر فلا یستند القتل حینئذ إلى المغری وإن کان یجازى فی الشرع المقدّس بأشدّ المجازات لتخلّل إرادة إنسان عاقل مختار فیه، وهذا هو المراد ممّا یبحث فی باب الحدود من أنّه إذا کان السبب أقوى یستند القتل إلیه، وکلّما کان المباشر أقوى یستند القتل إلى المباشر، والمراد من إقوائیّة المباشر کونه مستقلا فی إرادته، والمراد من إقوائیّة السبب عدم تخلّل إرادة المباشر.

لکن یمکن دفع هذا بأنّ کون الإسناد حقیقیّاً لایتوقّف على تولیدیّة الأسباب بل ربّما یکون الإسناد حقیقیّاً ولو لم یکن السبب تولیدیّاً کما إذا اُلزم الحاکم بتعطیل السوق فعطّله التجار بإرادتهم فتضرّروا، فهنا وإن کانت الإرادة متخلّلة لکن حیث إنّها کانت منبعثة من تهدید الحاکم وقوّته القاهرة یستند الضرر حقیقة إلى الحاکم، وما نحن فیه من هذا القبیل لحکومة الباری القهّار فی الأحکام الإلهیّة، إذاً فأصل ما ذهب إلیه المحقّق النائینی من إنّ الإسناد حقیقی أمر صحیح.

لکن یرد علیه: بأنّه لا یختصّ بالأسباب التولیدیّة.

وبهذا یندفع الإشکال الأوّل الوارد على الشیخ(رحمه الله) وإن قبله نفسه، حیث إعترف بأنّ «ما اختاره من المعنى لیس على طریق الحقیقة بل على نحو المجاز، لتعذّر حمله على الحقیقة، لوجودها فی الخارج».

ثانیاً: أنّه یلزم منه تخصیص الأکثر، وهو مستهجن عرفاً، فیعلم من هنا أنّ للقاعدة معنىً آخر غیر ما یظهر لنا فی بادىء النظر فتصیر مجملة، ولابدّ حینئذ من الاقتصار فی مقام العمل بها على موارد عمل الأصحاب.

وهذا ما سیأتی تفصیل البحث عنه وعن جوابه فی التنبیهات، ونشیر إلیه هنا إجمالا فنقول:

قد وقع الأعلام لدفع هذا الإشکال فی حیص وبیص، والشیخ(رحمه الله) أیضاً کان ملتفتاً إلیه وأجاب عنه بأنّ الجمیع خرج بعنوان واحد لا بعناوین متعدّدة، ولا استهجان فیه وإن کان ذلک العنوان معلوماً فی علم الله تبارک وتعالى ومجهولا عندنا.

واُجیب عنه: بأنّ «قبح کثرة التخصیص لا یدور مدار کون الخروج بعنوان واحد أو بعناوین إذا کان المخصّص منفصلا بل لابدّ فی دفعه من أن یکون إخراج الجمیع بجامع عرفی یقف علیه المخاطب، وإلاّ لو فرض وجوده الواقعی وفرض غفلة المخاطب عنه، بل کان التخصص عنده، بغیر هذا الجامع فلا یخرج الکلام من الاستهجان»(2).

أقول: المراد من کثرة التخصیصات هنا هو «ما یتراءى فی بادىء النظر من وجود أحکام ضرریّة کثیرة فی الشریعة کوجوب الأخماس والزکوات وأداء الدیّات وتحمّل الخسارات عند الاتلاف والضمانات وغیر ذلک ممّا تتضمّن ضرریاً مالیاً، وکوجوب الجهاد والحجّ وغیرهما ممّا تحتاج إلى بذل الأموال والأنفس، وکوجوب تحمّل الحدود الشرعیّة والقصاص وأشباهها ممّا تتضمّن ضرراً نفسیّاً أو عرضیاً»، ولکن قد مرّ سابقاً عدم کون هذه الأحکام ضرریّة بأدنى تأمّل، والشاهد على ذلک وجودها وتداولها عند العرف والعقلاء فإنّهم لا یزالون یحکمون بلزوم بذل الخراج والعشور والخروج إلى الجهاد وأداء وظیفة النظام وغیرها فلا یرونها ضرراً علیهم بل یرونه نفعاً بمنزلة القاء البذر فی الأرض، الذی یعدّ ضرراً فی النظر البدوی السطحی، مع أنّه سوف یترتّب علیه نتائج وثمرات مضاعفة.

وبعبارة اُخرى: إنّ صلاح المجتمع صلاح لکلّ فرد فرد ولا یصحّ التفکیک بینهما عند العرف والعقلاء، فبصلاح المجتمع یقوم صلاح الأفراد ویحفظ منافعهم.

فلا یلزم حینئذ تخصیص من هذه الناحیة أصلا، فضلا عن لزوم تخصیص الأکثر، نعم هیهنا اطلاقات قلیلة تتقیّد بهذه القاعدة، وهذا لیس بعزیز.

ثالثاً: (وهو بحسب الحقیقة تعبیر آخر عن الإشکال الثانی) إنّ قاعدة لا ضرر قاعدة إمتنانیّة، والأحکام الإمتنانیّة آبیة عن التخصیص وإن لم یلزم تخصیص الأکثر، مع أنّ من المعلوم ورود تخصیصات علیها.

وجوابه ظهر ممّا مرّ آنفاً من أنّه لا یلزم تخصیص أصلا من ناحیة هذه الأحکام التی یتراءى کونها ضرریّة، والشاهد علیه کون أمثالها متداولة بین العقلاء، حیث إنّهم لا یجعلون قانوناً على أنفسهم.

رابعاً: ما ظهر ممّا حقّقناه سابقاً من أنّ الفاعل فی الضرر هم المکلّفون لا الله سبحانه مع أنّ ظاهر کلام الشیخ بل صریحه کون الفاعل هو الله، وقد عرفت أنّه لا یساعد علیه ظواهر الأدلّة أو صریحها.

أمّا القول الثالث: (وهو ما نقله الشیخ الأعظم(رحمه الله) من بعض الفحول، وهو أن یکون المراد من نفی الضرر نفی صفة عدم التدارک، وهو فی نظر الشیخ(رحمه الله) أردأ الوجوه) فغایة ما یمکن أن یقال فی توجیهه «أنّ الضرر إذا کان متدارکاً لم یصدق علیه عنوان الضرر بنظر العرف وإن صحّ اطلاقه علیه بالدقّة العقلیّة، فنفی الشارع للضرر على الاطلاق مع ما نرى من وجوده فی الخارج دلیل على أنّ جمیع أنواع الضرر الحاصلة من ناحیة المکلّفین متدارکة بحکم الشرع، وأنّ فاعلها مأمور بتدارکها وجبرانها، وإلاّ لم یصحّ نفیها، فهذا القید أعنی «عدم التدارک» إنّما یستفاد من الخارج من باب دلالة الاقتضاء».

وقد اُجیب عن هذا بوجوه عدیدة، وعمدة الجواب عنه أن یقال: إذا کان الفاعل للضرر هو الله سبحانه صار المعنى عبارة عن أنّ الله تبارک وتعالى لا یجعل الأحکام الضرریّة، ولا حاجة إلى تقدیر «غیر متدارک» کما لا یخفى، وإن کان الفاعل هو المکلّفین فأیضاً لا نحتاج إلى ذلک التقدیر لأنّ المعنى حینئذ عدم ترخیص إضرار أحد بغیره فی مقام التکلیف والوضع، غایة ما یلزم أن تکون «لا» نافیة وکنایة عن النهی، ولا إشکال فی أنّه إذا دار الأمر بین هذه الکنایة وتقدیر «غیر متدارک» الکنایة هى الاُولى، لعدم اُنس الأذهان بمثل هذا التقدیر، وبالعکس لها بالنسبة إلى الکنایة المذکورة اُنس شدید، لما مرّت من الشواهد والتراکیب.

أمّا القول الرابع: (وهو مختار شیخ الشریعة من کون مفاد الحدیث حکماً فرعیّاً خاصّاً من دون أن یکون ناظراً إلى سائر الأدلّة وحاکماً علیها) فقد ظهر جوابه ممّا عرفت فی بیان المختار من حکومة القاعدة على جمیع الأدلّة الواردة فی حقوق الناس والمعاملات بالمعنى الأعمّ.

أما القول الخامس: (وهو ما نقلناه إجمالا من تهذیب الاُصول) فهو مبنى على أربع مقدّمات نلخّصها فی اثنتین:

إحدیهما: أنّ للنبی(صلى الله علیه وآله) مقامات ثلاثة:

الأوّل: مقام النبوّة والرسالة فهو(صلى الله علیه وآله) بما أنّه نبی ورسول ینبىء عن الله، ویبلّغ أحکامه خطیرها وحقیرها حتّى أرش الخدش.

الثانی: مقام الحکومة والسلطنة، فهو(صلى الله علیه وآله) سلطان الاُمّة والحاکم بینهم وسائس العباد فی البلاد، وهو من هذه الجهة یرسل سریة ویأمر بالجهاد ویعدّ القوّة، إلى غیر ذلک من شؤون الحکومة الإلهیّة فی الخلق.

والفرق بین المنصبین واضح فإنّه (صلى الله علیه وآله) بما أنّه نبی ورسول لیس له أمر ولا نهی، ولا بعث ولا زجر، بل کلّ ما یأمر به أو ینهى عنه فإرشاد إلى أمره تعالى ونهیه، وأمّا إذا أمر بما أنّه سائس الاُمّة فیجب إطاعته ویحرم مخالفته، فمن خالف فإنّما خالف أمر الرسول ونهیه، ومن أطاع فقد أطاعه، أی یکون المقام ذا دستور وأمر وزجر مستقلا.

الثالث: مقام القضاء وفصل الخصومة عند التنازع.

ثانیتهما: أنّه کلّما ورد فی الروایات من الرسول ووصیّه من أنّه «أمر بکذا» فهو ظاهر فی الأمر المولوی السلطانی، وکلّما ورد من «أنّه قضى» فهو ظاهر فی القضاء وفصل الخصومة، وأمّا قوله «حکم» فهو مردّد بینهما، وأمّا ما ورد فی الآثار من التعبیر بأنّه(صلى الله علیه وآله) «قال» فدلالته على أنّه کان أمراً سلطانیّاً یحتاج إلى قرینة دالّة علیه، وأمّا إذا کان بصیغ الأمر فهى ظاهرة فی حدّ نفسها فی الأمر المولوی، فالعدول عنه یحتاج إلى دلیل آخر.

ثمّ قال: إن قاعدة لا ضرر من الأحکام السلطانیّة، ویدلّ علیه:

أوّلا: ما ورد من طرق العامّة من التعبیر بـ «وقضى أن لا ضرر ولا ضرار» فی مساق سائر الأقضیة، ولا ینافی هذا ما مرّ أنّ لفظة «قضى» ظاهرة فی الحکم القضائی، فإنّ ذلک صحیح إذا لم تقم قرینة على کونه لیس بصدد فصل الخصومة والقضاء.

وثانیاً: قضیّة سمرة، لأنّ التأمّل فی صدرها وذیلها والإمعان فی هدف الأنصاری حیث رفع الشکوة إلى النبی(صلى الله علیه وآله) لیدفع عنه الظلم، والتدبّر فی أنّه لم یکن لواحد منهما شبهة حکمیّة ولا موضوعیّة، یورث الاطمئنان ویشرف الفقیه بالقطع على أنّ الحکم حکم سلطانی.

إن قلت: إنّ الرسول(صلى الله علیه وآله) قد استند فی أمره بالقطع والرمی بها على وجهه بقوله: «فإنّه لا ضرر ولا ضرار» وظاهر الاستناد والفاء المفید للتعلیل أنّه حکم إلهی وقاعدة کلّیة من الله تعالى، وهو(صلى الله علیه وآله) إتّکل على الحکم الإلهی، فأمر الأنصاری بقلعها ورمیها، فعلّل عمل نفسه بالحکم الصادر من الله، ولا یناسب أن یفسّر عمل نفسه ویعلّله بحکم نفسه.

قلنا: إنّ الأنصاری لمّا رفع شکواه إلى النبی الأعظم واستدعى النبی سمرة وأمره بالاستئذان عند الدخول وقد کان رجلا مضارّاً تخلّف عن حکمه، مسّت الحاجة إلى تأدیبه، فأصدر حکمه السیاسی لحفظ النظام وأمر بقلعها ورمیها إلى وجهه، ثمّ علّل هذا الحکم التأدیبی بالحکم السیاسی الکلّی وأنّه لا ضرر ولا ضرار، وعلى هذا تتوافق الجمل ویتّضح التناسب بین المعلول (قلع الشجرة) وتعلیلها (لا ضرر ولا ضرار) بلا أدنى تکلّف، فإنّ کلا من المعلول وعلّته حکم سیاسی تأدیبی.

ثمّ ذکر قدّس سرّه الشریف فی بعض کلماته أنّ نتیجة هذا القول کون القاعدة حکماً صدر من ناحیة الحاکم الشرعی لتحدید قاعدة السلطنة فحسب، فلا حکومة لها على سائر الأحکام الوضعیّة والتکلیفیة. (انتهى)(3).

أقول: یمکن المناقشة فی کلامه(رحمه الله) من عدّة جهات:

الجهة الاُولى: فی الفرق بین الأحکام الإلهیّة والأحکام السلطانیّة، والحقّ فیه أنّ الأحکام السلطانیّة لیست فی عرض الأحکام الإلهیّة بل إنّها فی طولها لأنّ الأحکام الإلهیّة أحکام کلّیة وردت على موضوعات کلّیة، ولکن الأحکام السلطانیّة أحکام جزئیّة إجرائیّة لأنّ إجراء الأحکام الکلّیة الإلهیّة وتحقیقها فی الخارج لا یکون إلاّ بتأسیس الحکومة، فینفتح حینئذ باب الولایة، ویکون الوالی فیه شخص النبی(صلى الله علیه وآله) وغیره من الأوصیاء، وفی زمن الغیبة الفقیه الجامع للشرائط، ووظیفة الوالی فیه تشخیص موارد الأحکام الکلّیة الإلهیّة وتطبیقها على مصادیقها الجزئیّة الشخصیة، فالأحکام السلطانیّة أحکام تصدر من جانبه فی سبیل إجراء تلک الأحکام الإلهیّة الکلّیة، وذلک کالأحکام التی تصدر منه لنصب الولاة واُمراء الجیوش وعمّال الصدقات وتهیئة العُدّة والعِدّة لدفع الأعداء وغیرها ممّا تختلف بحسب الأزمنة والظروف، فالوالی یتوصّل بهذه الأحکام إلى إجراء أحکام الله فی أمر الجهاد والزکوات والقضاء وغیرها من الأحکام الکلّیة الإلهیّة.

ومن الواضح أنّ إجراء حکم الجهاد مثلا وتطبیقه فی الخارج لا یتمّ بمجرّد الوعظ والإرشاد، بل یحتاج إلى ولایة وحکومة، وأمر ونهی، ونصب أمیر وتهیئة عِدّة وعُدّة، وبرامج عملیّة لکیفیة الهجوم على العدوّ، کلّ هذه الاُمور موکولة إلى نظر السلطان وولی الأمر، وتکون من شؤون ولایته، فالوالی بما أنّه وال لا یکون مأموراً إلاّ بما ذکر، ولذلک سمّینا الأحکام السلطانیة بالأحکام الإجرائیة الجزئیّة التی تختلف باختلاف الظروف المختلفة.

نعم، یمکن أن یکون حکم الحاکم کلّیاً بالإضافة إلى مقطع خاصّ من الزمان، کتحریم شرب التتن التی صدرت من ناحیة المیرزا الشیرازی(رحمه الله)، ولکنّها أیضاً کانت حکماً إجرائیّاً صدرت منه فی سبیل إجراء حکم إلهی کلّی وهو المنع عن استیلاء الکفّار على المسلمین: (وَلَنْ یَجْعَلَ اللهُ لِلْکَافِرِینَ عَلَى الْمُؤْمِنِینَ سَبِیلا)(4).

بل یمکن أن یقال: إنّها لم تکن من الأحکام السلطانیّة أصلا بل هى من الأحکام الإلهیّة الثانویّة التی تجب بتحقّق عناوین ثانویة، فإنّ شرب التتن فی ذلک الزمان حیث إنّه صار مقدّمة لإستیلاء الکفّار المحرّم ومصداقاً من مصادیق المحاربة مع صاحب الولایة(علیه السلام) صار حراماً من باب أنّه مقدّمة للحرام، ومقدّمة الحرام من العناوین الثانویة، نعم تطبیق العناوین الثانویة على موضوعاتها ومصادیقها أیضاً من شؤون ولایة الحاکم.

إذا عرفت هذا فنقول: لا إشکال فی أنّ الضرر والضرار من الموضوعات الکلّیة التی لها فی الشرع حکم کلّی لا محالة، وتکون فی حیطة التشریع الإلهی، ولیست من سنخ تلک الاُمور الخاصّة التی تکون فی حیطة سلطنة ولی أمر المسلمین.

وبعبارة اُخرى: المعلوم من مذهبنا عدم خلوّ واقعة من حکم إلهی، وإنّه لا فراغ من ناحیة القانون فی الشریعة المقدّسة الإسلامیّة حتّى بالنسبة إلى أرش الخدش، وما یسمّى الیوم فی الحکومة الإسلامیّة بمجلس التقنین فهو بمعنى تطبیق الکلّیات على موضوعاتها لا الجعل والتشریع کما لا یخفى على أحد.

إن قلت: إن لم یکن للنبی(صلى الله علیه وآله) مقام التشریع والتقنین فما هو المراد من فرض النبی(صلى الله علیه وآله) فی بعض الروایات فی مقابل فرض الله تعالى، کالروایة الواردة فی باب الصّلاة، القائلة بأنّ الرکعة الاُولى والثانیة فرض الله، والرکعة الثالثة والرابعة فرض النبی(صلى الله علیه وآله)، وأنّه فوّض إلیه(صلى الله علیه وآله) هذا المنصب؟ فلیکن ما نحن فیه أیضاً من هذا القبیل.

قلنا: سلّمنا کون قاعدة لا ضرر من قبیل فرائض النبی(صلى الله علیه وآله) التی فوّض أمر تشریعها إلیه، ولکنّها لیست من الأحکام السلطانیّة أیضاً، لأنّ المفروض حینئذ أنّ النبی (صلى الله علیه وآله) وضعها بما أنّه مفوّض إلیه التشریع لا بما أنّه حاکم ومجر للأحکام الإلهیّة الکلّیة.

هذا مضافاً إلى أنّه قد قرّر فی محلّه فی مبحث ولایة الفقیه أنّ مقام التشریع الذی فوّض إلى الرسول(صلى الله علیه وآله)کان على نحو جزئی ومختصّاً بموارد خاصّة معدودة، کما تشهد علیه شواهد عدیدة، منها قوله(صلى الله علیه وآله) فی کثیر من الموارد: «إنّی أنتظر الوحی» حیث إنّ انتظار الوحی وتعیین التکلیف من ناحیة الوحی ینافی التفویض الکلّی إلیه کما لا یخفى.

وحینئذ لابدّ لتعیین فرائض النبی(صلى الله علیه وآله) وتمییزها عن غیرها إلى قرینة قطعیّة (نظیر ما یقال فی باب النسخ بأنّه بما أنّ موارد النسخ قلیلة لابدّ لتعیینها وتشخیصها من قرینة خاصّة) وإلاّ یکون الظاهر من أوامره ونواهیه أنّه فی مقام الحکایة عن أوامر الله تعالى ونواهیه.

مضافاً إلى اختصاص هذا المقام بالنبی(صلى الله علیه وآله) کما یدلّ علیه قوله تعالى: (الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ). وقوله (صلى الله علیه وآله) فی روایة حجّة الوداع: «ما من شیء یقرّبکم إلى الله إلاّ وقد أمرتکم به وما من شیء یبعّدکم عن الله إلاّ وقد نهیتکم عنه» وغیرها ممّا ورد فی الباب الذی عقده فی الوافی فی أنّه لیس شیء ممّا یحتاج إلیه الناس إلاّ وقد جاء فی کتاب أو سنّة(5)، التی تدلّ على عدم وجود فراغ قانونی کما مرّ آنفاً، حتّى أنّ الأئمّة المعصومین صلوات الله علیهم إنّما کانوا وارثین للنبی(صلى الله علیه وآله)وحاملین لعلومه کما وردت روایات متواترة من ناحیتهم تدلّ على أنّ کلّ ما یقولونه ینقلونه عن الرسول(صلى الله علیه وآله)، ولذا لم یصدر تشریع حکم منهم(علیهم السلام) فی طیلة حیاتهم(6).

الجهة الثانیة: فی ما هو الظاهر من قضیة سمرة...

فنقول: الظاهر أنّ حکمه(صلى الله علیه وآله) فی قضیّة سمرة کان بعنوان فصل الخصومة ورفع التنازع فی الحقوق والأموال، وکان النزاع بینه وبین الأنصاری ناشئاً من الجهل بالحکم فإنّه یرى أنّ وجوب الاستئذان من الأنصاری تضییق فی دائرة سلطنته، ولذا قال: أستأذن فی طریقی إلى عذقی؟ بینما الأنصاری یرى أنّ له أن یلزم سمرة على الاستئذان، فشکاه إلى النبی(صلى الله علیه وآله) لفصل الخصومة والنزاع بما أنّه(صلى الله علیه وآله) قاض منصوب من قبل الله تعالى، نعم بعد قضاء الرسول(صلى الله علیه وآله)وأمره سمرة بالاستئذان دخل سمرة باب اللجاج والتمرّد، وعلى القاضی إجراء حکمه، ولذلک أمر الأنصاری بعد ذلک بقلع النخلة حسماً لمادّة النزاع.

والحاصل: أنّ الروایة تنادی بأعلى صوتها بأنّها ناظرة إلى مسألة القضاء.

نعم لقائل أن یقول: إنّ صدرها وإن کان وارد فی مقام القضاء، لکن ذیلها یدلّ على أنّ قلع النخلة من باب ولایة الحاکم والحکم السلطانی.

ولکنّا نقول: إنّ تعلیله(صلى الله علیه وآله) بحکم کلّی إلهی فی هذه الواقعة الخاصّة من أوضح الدلیل على أنّ قاعدة لا ضرر حکم کلّی إلهی، وإن کان تطبیقها على ذاک المورد من باب ولایة الحاکم الإسلامی، فأمره بقلع الشجرة أمر سلطانی صدر منه (صلى الله علیه وآله)لأجل إجراء قاعدة «لا ضرر ولا ضرار» الذی هو حکم کلّی إلهی.

الجهة الثالثة: أنّ لازم کونه حکماً سلطانیاً إجرائیاً إختصاصه بزمن النبی(صلى الله علیه وآله)وأنّه یجوز لغیره من الحکّام تغییره، ولا أظنّ التزامه قدّس سرّه الشریف به.

الجهة الرابعة: سلّمنا جمیع ذلک، لکن لماذا تختصّ حکومة القاعدة بقاعدة السلطنة، ولا حکومة لها على سائر الأحکام الضرریة، مع أنّها بحسب الظاهر کبرى کلّیة، والمورد لیس مخصّصاً.

الجهة الخامسة: من العجب أنّه(قدس سره) إکتفى فی المسألة بقضیة سمرة وما تقتضیه ولم یشر إلى سائر المدارک الموجودة فیها، فإنّه قد مرّ فی المقام الأوّل أنّ دلیل القاعدة لیس منحصراً بقضیّة سمرة، بل هناک روایات عدیدة من طرق الفریقین ظاهرة فی خلاف هذا القول، وآیات مختلفة وردت فی موارد خاصّة ضرریة، ولا إشکال فی أنّ ما یستفاد منها حکم إلهی أوحاه الله تعالى إلى نبیّه(صلى الله علیه وآله)، والنبی إنّما هو مبیّنه ومبلّغه.

إلى هنا تمّ الکلام فی تفسیر القاعدة والأقوال الواردة فیها، وظهر أنّ المختار فیها:

1 ـ أنّ «لا» نافیة، ولکنّها کنایة عن النهی.

2 ـ أنّ الفاعل فی الضرر هم المکلّفون لا الله سبحانه.

3 ـ أنّها تعمّ الأحکام التکلیفیّة والوضعیّة.

4 ـ أنّها تختصّ بحقوق الناس، ولا تشمل حقوق الله تعالى مثل العبادات الضرریّة وغیرها.

وبهذا تمّ الکلام فی المقام الثانی.


1. راجع رسالة المحقّق النائینی(رحمه الله) فی لا ضرر (المطبوعة فی منیة الطالب: ج2، ص201 ـ 208).
2. راجع تهذیب الاُصول: ج2، ص475، طبع جماعة المدرّسین.
3. راجع تهذیب الاُصول: ج2، ص481 ـ 492، طبع جماعة المدرّسین.
4. سورة النساء: الآیة141.
5. الوافی : ج1، ص265، الطبع الجدید.
6. راجع جامع أحادیث الشیعة فإنّه عقد باباً أورد فیه أخباراً متواترة فی هذا المعنى: (ج1، الباب4، ص126).

 

المختار فی معنى الحدیثالتنبه الأوّل: فی نسبة القاعدة إلى سائر الأدلّة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma