إنّ هناک اُموراً دفعتهم إلى القول بالتصویب:
أحدها: قلّة الروایات التی یمکن الإستناد إلیها فی استنباط الأحکام الشرعیّة عندهم، وذلک نشأ من عدم قبولهم الخلافة التی نصّ بها الرسول الأعظم(صلى الله علیه وآله) طیلة رسالته الشریفة کراراً، حیث إنّه أوجب حصر الطریق إلى النبی (صلى الله علیه وآله) فی الصحابة، والإعراض عن عترته الطاهرة، حتّى بمقدار کونهم طرقاً معتبرة إلى النبی(صلى الله علیه وآله)، فإذا إنضمّ هذا إلى ورود مجعولات کثیرة فی الروایات المنسوبة إلى النبی(صلى الله علیه وآله) الذی یطلب بالطبع الجرح والتعدیل وطرح عدّة من الروایات، وهکذا إذا إنضمّ إلى المنع عن ضبط الأحادیث من زمن الخلیفة الثانی إلى مقدار مائة عام ـ إستنتج منه تنزّل أخبار النبی(صلى الله علیه وآله) إلى أقلّ قلیل، بحیث نقل أنّ الأحادیث الفقهیّة المعتبرة على زعمهم، الموجودة عند أبی حنیفة عن رسول الله (صلى الله علیه وآله)کانت محصورة فی خمسة وعشرین حدیثاً، ولذلک اضطرّوا أن یلوذوا بأقوال الصحابة من قبیل أبی هریرة وأنس، وبالقیاسات والظنّیات ونحوهما والتصویب فیها.
ثانیها: إعتقادهم فی مسألة الخلافة مع شدّة أهمیتها بأنّ الرسول(صلى الله علیه وآله) فوّض أمرها إلى الاُمّة أی أهل الحلّ والعقد، فإنّه(صلى الله علیه وآله) إذا فوّض أمر الخلافة بتلک الأهمیّة إلى الاُمّة ففی المسائل الفرعیّة بطریق أولى، ولازمه تصویب الاُمّة فی آرائهم.
ثالثها: اعتقادهم بعدالة الصحابة وعدم خطئهم فی الرأی، ولازمه صواب آراء جمیعهم فی صورة الاختلاف، وبالطبع تعدّد الحکم الواقعی بالإضافة إلى واقعة واحدة.