وهى عند العقلاء منحصرة بموارد مظنّة التنازع والتشاحّ، ولکن مواردها عند الشارع المقدّس أوسع منها (وهذا ممّا وسّع الشارع فیه ما بنى علیه العقلاء) فلا إشکال فی جریان القرعة فی الغنم الموطوءة مثلا عند فقهاء الأصحاب، وقد وردت روایات عدیدة تدلّ علیه.
ثمّ إنّ المستفاد من روایات الباب جریان القرعة فی المجهول المطلق مطلقاً سواء کان له واقع محفوظ اشتبه علینا فتکون القرعة أمارة وکاشفة عنه کما فی ولد الشبهة والغنم الموطوءة، أو لم یکن له واقع مجهول فتجری القرعة، لمجرّد رفع التنازع والتشاحّ کما فی موارد تزاحم الحقوق أو المنازعات، ویمکن أن یقال: إنّ مورد قصّة زکریا وولادة مریم من هذا القبیل (کما أنّه لا ریب فی أنّ مورد قصّة یونس (علیه السلام) من قبیل القسم الأوّل) حیث إنّ الرجوع إلى القرعة
فیها کان لرفع تشاحّ أحبار بنی إسرائیل فی کفالة مریم، اللهمّ إلاّ أن یقال: أنّ جریان القرعة فیها أیضاً کان لتعیین الواقع، أی تعیین من هو أفضل وأولى لکفالة مریم وتربیتها، ولذا وقعت القرعة باسم زکریا الذی لا ریب فی کونه أفضل من غیره فی ذلک الزمان، نعم أنّه کان بملاک رفع التنازع بین الأحبار أیضاً، فاجتمع الملاکان فیه ولا منافاة بینهما.