وقد حکم بعض بکونه من المسائل الاُصولیّة بتّاً ویقیناً، وفصّل بعض آخر بین الاستصحاب فی الشبهات الحکمیّة والاستصحاب فی الشبهات الموضوعیّة، فحکم بأنّه اُصولیّة فی الأوّل، وقاعدة فقهیّة فی الثانی.
والصحیح أنّه یختلف باختلاف مجاریه الثلاثة: فتارةً یکون المستصحب من الموضوعات ککرّیة الماء وعدالة زید، فلا إشکال حینئذ فی کونه من القواعد الفقهیّة لا من المسائل الاُصولیّة، لعدم کون النتیجة فیهما حکماً کلیّاً کما لا یخفى ولا من المسائل الفرعیّة الفقهیّة التی أمرها بید المقلّد، لأنّ تشخیص موارد جریانها وموارد عدم جریانها لوجود معارض أو حاکم مثلا إنّما هو بید المجتهد.
إن قلت: المیزان فی کون مسألة من القواعد الفقهیّة کونها حکماً کلیّاً قابلا للانطباق على مصادیق کثیرة، وهو لا یتصوّر فی الموضوعات.
قلنا: إنّ قاعدة الاستصحاب الجاری فی الموضوعات بما هى هى من دون ملاحظة الموضوعات بخصوصیاتها حکم کلّی ینطبق على افراد کثیرة، وهو عبارة عن الجری العملی على وفق الحالة السابقة.
واُخرى: یکون المستصحب من الأحکام کاستصحاب طهارة العصیر العنبی بعد الغلیان، فلا إشکال فی أنّه من المسائل الاُصولیّة، لأنّه یقع کبرى لقیاس یستنتج منه حکم فقهی کلّی.
وثالثة: یکون المستصحب من المسائل الاُصولیّة کاستصحاب حجّیة خبر الواحد فیما إذا شککنا فی نسخها من جانب الشارع فهو حینئذ من مبادىء علم الاُصول التصدیقیّة، وقد عرفنا سابقاً أنّه لابدّ من البحث عنها فی علم الاُصول إذا لم یبحث عنه أو لم یستوف حقّها فی سائر العلوم.