کان البحث إلى هنا فی الشکّ فی التکلیف أو المکلّف به، وقد یقع الشکّ فی المکلّف نفسه، وهو ما إذا کان المکلّف خنثى یدور أمرها بین أن تکون مذکّراً أو مؤنّثاً، نعم هذا العلم الإجمالی یوجب العلم الإجمالی بالخطاب والتکلیف، فیعلم إجمالا ـ مثلا ـ بکونها مخاطبة أمّا بخطاب (قُلْ لِلْمُؤْمِنِینَ یَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ)(1) أو بخطاب (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ یَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ ...)(2).
وعلى أیّ حال لابدّ من الإشارة هنا إلى أنّ الخنثى هل تکون جنساً ثانیاً فی قبال الرجال والنساء، أو داخلة فی أحدهما؟ فإن کانت جنساً ثالثاً فأمرها سهل لکونها بریئة من مختصّات کلّ من الجنسین بجریان أصالة البراءة فی حقّها، فالتکالیف الشاملة لها إنّما هى خصوص المشترکات بینهما، وإن لم تکن جنساً ثالثاً بل کانت داخلة أمّا فی الرجال أو فی النساء فمقتضى أصالة الاشتغال هو الاحتیاط.
المستفاد من ظواهر بعض الروایات والآیات هو الثانی، أمّا الروایات(3) فنظیر ما ورد فی أبواب الإرث ممّا یدلّ على لزوم الإختبار ابتداءً فی الخنثى لیعلم تفصیلا بأنّها مذکّر أو مؤنّث ولو أشکل أمرها تعطی نصف حقّ الرجل ونصف حقّ المرأة، جمعاً بین الحقّین وعملا بقاعدة العدل والإنصاف وکذلک ما یدلّ على لزوم القرعة فی بعض الصور، فهذه الروایات تدلّ على عدم وجود جنس ثالث فی البین، وإلاّ فلا معنى لقاعدة القرعة وقاعدة العدل والإنصاف کما لا یخفى.
وأمّا الآیات فنظیر قوله تعالى: (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَیْنِ الذَّکَرَ وَالاُْنْثَى)(4) (بناءً على عدم کونه إشارة إلى آدم(علیه السلام) وحوّا) وقوله تعالى: (یَهَبُ لِمَنْ یَشَاءُ إِنَاثاً وَیَهَبُ لِمَنْ یَشَاءُ الذُّکُورَ)(5).
وحینئذ إذا فرضنا وجود تکالیف إلزامیة خاصّة لکلّ من الطائفتین فلا إشکال فی أنّ مقتضى تنجّز العلم الإجمالی وجوب جمیعها على الخنثى فیجب علیها مثلا فی اللباس اختیار ما لا یعدّ مخصوصاً بالرجال ولا مخصوصاً بالنساء بناءً على حرمة تشبّه الرجل بالمرأة وبالعکس کذلک، کما یجب علیه ترک التزوّج بالجنسین، نعم إذا کان الحکم إلزامیاً بالنسبة إلى الرجل، وتخییریاً بالنسبة إلى المرأة کما فی الصلوات الجهریة وصلاة الجمعة فیمکن أن یقال: بإمکان إجراء البراءة عن التعیین، لکن قد مرّ سابقاً وجوب الاحتیاط مطلقاً علیها، لدوران الأمر فی الحقیقة بین کلّ تکالیف الرجال وکلّ تکالیف النساء فلا یلاحظ کلّ واحد من التکالیف مستقلا عن غیره بل یلاحظ المجموع فی مقابل المجموع فیقال: إمّا یجب علیها الجهر فی الجهریّة وغضّ النظر عن عن النساء و... أو یجب علیها غضّ النظر عن الرجال و... .
وإن شئت قلت: إمّا یجب علیه هذه الأربعة مثلا أو تلک الخمسة، فهو من قبیل المتباینین، مثل ما إذا علمنا بأنّ هذه الإناءات الثلاثة نجسة أو تلک الخمسة مثلا فالواجب الاحتیاط فی الجمیع.
نعم فی دوران الأمر بین المحذورین الذی لا یمکن الاحتیاط فیه یکون الحکم التخییر، کما إذا فرضنا وجوب الجهاد على الرجل وحرمته على المرأة.
اللهمّ إلاّ أن یقال: إنّ الاحتیاط بالجمع بین جمیع تکالیف الرجال والنساء طول حیاتها توجب المشقّة الشدیدة، وهو لا یلائم ما نعلم من مذاق الشارع المقدّس، فیتعیّن حینئذ الرجوع إلى القرعة لتبیّن أمرها من الإلحاق بإحدى الطائفتین فیعمل بمقتضاها ما دام عمرها.
إلى هنا تمّ البحث عن المقام الأوّل من المقامات الثلاثة لمبحث الاشتغال، أی دوران الأمر بین المتباینین.