وبعبارة اُخرى هل الإشکال فی عدم المقتضی أی عدم جریان أدلّة الاُصول المرخّصة فی أطراف العلم الإجمالی، أو الإشکال فی وجود المانع (وسیأتی بیان الفرق بین التقدیرین) ففیه وجهان بل قولان:
واستدلّ القائلون بعدم جریانها رأساً بأنّ جریانها یستلزم منه التناقض بین صدر أدلّتها وذیلها، حیث إنّ مقتضى صدر دلیل حجّیة الاستصحاب مثلا وهو «لا تنقض الیقین بالشکّ» شمولها لکلّ واحد من الطرفین ویلزم منه تناقض هذا مع ذیله وهو «بل إنقضه بیقین آخر» لأنّ العلم الإجمالی قسم من الیقین فیکون نقض الیقین السابق بیقین آخر لا بالشکّ، وهکذا دلیل «کلّ شیء لک حلال حتّى تعلم أنّه حرام» لأنّ صدره وهو کلّ شیء لک حلال شامل لکلّ واحد من الطرفین فیلزم التناقض بینه وبین ذیله وهو «حتّى تعلم إنّه حرام» حیث إنّه العلم فیه أعمّ من العلم التفصیلی والعلم الإجمالی.
واستدلّ القائلون بتعارضها وتساقطها بعد جریانها:
أوّلا: بعدّة من الروایات التی لا یکون لها هذا الذیل وتکون مطلقة کقوله (علیه السلام): «لا تنقض الیقین بالشکّ» من دون التذییل بقوله: «بل إنقضه بیقین آخر» وکقوله(صلى الله علیه وآله): «رفع عن اُمّتی ما لا یعلمون» فی أدلّة البراءة وعدم شمول ما هو مذیل بهذا الذیل لا یمنع عن شمول ما لیس فیه هذا الذیل.
وثانیاً: بدعوى کون العلم المأخوذ فی الذیل ظاهراً فی العلم التفصیلی، وهو واضح فیما یکون مقیّداً بقید «بعینه»، وفیما لا یوجد فیه هذا القید یکون الضمیر فی مثل قوله: «إنّه حرام» ظاهراً فی العلم التفصیلی، وحینئذ یکون المقتضی موجوداً وإنّما الکلام فی وجود المانع وهو العلم بکذب أحدهما (نظیر الخبرین المتعارضین) ولزوم المخالفة القطعیّة فتتساقط بعد جریانها.
أقول: الإنصاف أنّ الصحیح هو القول الثانی لأنّ الغایة لکلمة «حتّى» فی هذه الروایات إنّما هو العلم التفصیلی إمّا لظاهر کلمة «بعینه» بل صریحها، أو لظاهر الضمیر فی قوله (علیه السلام) «إنّه حرام» کما مرّ آنفاً.
نعم لقائل أن یقول: إنّ أدلّة الاُصول المرخّصة منصرفة عن موارد العلم الإجمالی وناظرة إلى الشبهات البدویة أو الشبهات غیر المحصورة کما عرفت فی روایات الجبن.
وإستشکل المحقّق النائینی(رحمه الله) على الشیخ الأنصاری(رحمه الله)، بأنّ اللازم فی المقام البحث عن إمکان جعل الحکم الظاهری فی تمام الأطراف بحسب مقام الثبوت، لأنّه مع وجود المحذور فی مقام الثبوت لا تصل النوبة إلى البحث فی مقام الإثبات والاستظهار، ثمّ ذکر لشمول أدلّة الاُصول لأطراف العلم الإجمالی ثبوتاً محذورین على سبیل منع الخلو:
أحدهما: مناقضة الحکم الظاهری الناظر إلى الواقع مع العلم الوجدانی، وهى فی موارد الاُصول التنزیلیّة کالإستصحاب حیث إنّ تنزیل الطهارة المشکوکة منزلة الطهارة الواقعیّة مثلا بدلیل الاستصحاب یناقض مع العلم الإجمالی بنجاسة أحدهما الواقعیّة.
ثانیهما: إنّ جعل الحکم الظاهری فی تمام الأطراف مستلزم للترخیص فی المعصیة ومخالفة التکلیف الواصل، وهذا فی موارد الاُصول غیر التنزیلیة(1).
أقول: التکلّم فی مقام الثبوت إنّما هو من باب المقدّمة للبحث عن مقام الإثبات، ولا شکّ فی أنّ شمول اطلاقات أدلّة الاُصول لکلّ واحد من الأطراف مع قطع النظر عن سائر الأطراف لا محذور فیه ثبوتاً، إنّما المحذور ینشأ من شموله لها جمیعاً، وهذا هو معنى التعارض کما فی سائر المقامات، ألا ترى أنّ شمول أدلّة حجّیة خبر الواحد لکلّ واحد من المتعارضین مستقلا لا محذور فیه، ولکن شمولها لهما غیر ممکن للمحذور الثبوتی، للعلم بکذب واحد منهما، وهذا هو العلّة فی تعارضهما.