ذکر بعض الأعاظم کالمحقّق العراقی(رحمه الله) لما إذا کانت أطراف العلم الإجمالی تدریجی الوجود صوراً ثلاثة:
الاُولى: ما یکون الزمان فیه مأخوذاً على نحو الظرفیة المحضة بلا دخل له لا فی التکلیف ولا فی موضوعه کما إذا علم التاجر بابتلائه فی یومه أو شهره بالمعاملة الربویّة.
الثانیة: ما یکون الزمان فیه مأخوذاً على نحو القیدیة للمکلّف به، أی کان الزمان قیداً للواجب، کما إذا نذر أن یترک أکل غذاء مکروه خاصّ فی لیلة خاصّة واشتبهت بین لیلتین أو أزید.
الثالثة: ما یکون الزمان فیه مأخوذاً على نحو القیدیّة فی نفس التکلیف أی کان الزمان قیداً للوجوب، کما إذا علمت المرأة المضطربة بأنّها تحیض فی الشهر ثلاثة أیّام فإنّ لأیّام الحیض دخلا فی ملاک الحکم وفی أصل التکلیف بترک الوطىء والعبادة ودخول المساجد وقراءة العزائم.
أمّا الصورة الاُولى: فقد قیل بوجوب الاحتیاط بالاجتناب عن کلّ معاملة یحتمل کونها ربویة فی تمام الیوم أو الشهر.
إن قلت: إنّ الحکم فرع وجود موضوعه ومع عدم تحقّق الموضوع لوجوب الاحتیاط وهو العلم الإجمالی بوجود حرام فعلی فی الحال، لا علم للمکلّف بتوجّه النهی إلیه فی الحال أیضاً فلا تنجّز له، لما مرّ من أنّ المنجّز إنّما هو العلم إجمالا بوجود تکلیف فعلی.
وقد اُجیب عن هذا، بأنّ التکلیف فعلی من باب أنّه من قبیل الواجب المعلّق الذی یکون الوجوب فیه فعلیّاً والواجب استقبالی(1).
أقول: قد مرّ فی البحث عن الواجب المطلق والمشروط عدم معقولیة الواجب المعلّق وإنّه نحو تناقض وتلاعب بالألفاظ، نعم یمکن أن یقال: بأنّ العقل یحکم فی هذه الموارد بوجوب الاجتناب وجوباً تهیّؤیّاً من باب المقدّمة، کما یصحّ أن یقال أیضاً: بأنّ العقل مستقلّ بقبح الإقدام على ما یؤدّی إلى تفویت غرض المولى کحکمه بقبح الإقدام فی الأغراض الشخصیّة فی إذا علم مثلا بأنّ الغذاء فی هذا المطعم مسموم لیوم من أیّام الاسبوع فکما یجب الاحتیاط بالاجتناب عن جمیع الأطراف فی الأغراض الشخصیّة کذلک یجب الاحتیاط بالنسبة إلى أغراض المولى.
أمّا الصورة الثانیة: فالحال فیها ظهر بما ذکرنا فی الصورة الاُولى، فإن قلنا بإمکان الواجب المعلّق فهو، وإلاّ یثبت وجوب الاحتیاط من طریق حفظ غرض المولى، وکذلک الحال فی الصورة الثالثة، وعلى أی حال یجب الاحتیاط فی التدریجیات بالإجتناب عن جمیع الأطراف من باب حکم العقل بلزوم حفظ غرض المولى.
وإن أبیت عن ذلک وأردت أن تثبت الوجوب من طریق فعلیّة التکلیف فنقول: لا إشکال فی عدم وجوب الاحتیاط فی الصورة الثالثة لأنّ المفروض فیها کون الزمان قیداً للوجوب، فلیس التکلیف فعلیّاً حتّى یوجب تنجّز العلم الإجمالی، کما لا إشکال فی أنّ الوجوب فی الصورة الاُولى والثانیة متوقّف على قبول إمکان الواجب المعلّق.