وهو ما رواه أبو الحسن زکریا بن یحیى عن أبی عبدالله(علیه السلام) قال: «ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم»(1).
وهو من حیث السند تامّ حیث إنّ رجاله معروفون، والظاهر أنّ المراد من ابن فضّال فیه هو علی بن فضّال الثقة الذی ینقل عن داود بن فرقد وکان معاصراً له، وداود ثقة بتوثیق علماء الرجال، وهکذا زکریا بن یحیى.
وأمّا الدلالة فتقریب الاستدلال به أنّ الإلزام المجهول ممّا حجب الله علمه عن العباد فیکون موضوعاً عنهم.
لکن إستشکل علیه الشیخ الأعظم والمحقّق الخراسانی والمحقّق النائینی(رحمهما الله)باُمور عدیدة نلخّصها فی أمرین:
أحدهما: أنّ الحدیث أسند الحجب إلى الله تعالى، وهو حینئذ ظاهر فیما سکت الله عنه ولم یأمر نبیّه بالإبلاغ، لا ما بیّنه واختفى عنهم بعروض الحوادث الذی هو المبحوث عنه فی المقام.
ثانیهما: أنّ کلمة «العباد» ظاهرة فی العموم المجموعی، أی جمیع المکلّفین والحجب عن العباد صادق فی الموارد التی یکون الحکم محجوباً عن مجموع المکلّفین لا عن بعضهم دون بعض، ومحلّ النزاع فی ما نحن فیه من النوع الثانی کما لا یخفى.
لکن فی تهذیب الاُصول یصرّ على تمامیة الدلالة، والمعتمد فی کلامه کلمة «موضوع عنهم» فیقول: «إنّ الظاهر المتبادر من قوله «موضوع عنهم» هو رفع ما هو المجهول، لا رفع ما لم یبیّن من رأس ولم یبلغ، بل لم یأمر الرسل بإظهاره فإنّ ما کان کذلک غیر موضوع بالضرورة، ولا یحتاج إلى البیان مع أنّه مخالف لظاهر «موضوع عنهم»(2).
وقال فی مقام الجواب عن الإشکال الأوّل: «إنّ الظاهر من الحجب هو الحجب الخارج عن اختیار المکلّف لا الحجب المستند إلى تقصیره وعدم فحصه ... وعندئذ یکون إسناد الحجب إلیه على سبیل المجاز، ومثله کثیر فی الکتاب والسنّة، فإنّ مطلق تلک الأفعال یسند إلیه تعالى بکثیر من دون أن یکون خلاف الظاهر فی نظر العرف».
وفی مقام الجواب عن الإشکال الثانی قال: «إنّ المطابق للذوق السلیم هو أن یکون المراد: کلّ من حجب الله على شیء عنه فهو مرفوع عنه سواء کان معلوماً لغیره أو لا (لا أن یکون المراد ما حجب الله علمه عن مجموع المکلّفین ولا أن یکون المراد ما حجب الله علمه عن کلّ فرد فرد من أفراد المکلّفین) کما هو المراد من قوله(صلى الله علیه وآله) فی حدیث الرفع: «رفع عن اُمّتی ما لا یعلمون» على أنّ مناسبة الحکم والموضوع یقتضی ذلک، فإنّ الظاهر أنّ المناط للرفع هو الحجب عن المکلّف، وحجبه عن الغیر وعدمه لا دخل له لذلک کما لا یخفى»(3).
لکن الحقّ أنّ ظهور کلمة العباد فی العموم الاستغراقی وظهور الحجب فی الإسناد الحقیقی مقدّم على ظهور کلمة «موضوع عنهم» فی رفع ما هو المجعول (لا رفع ما لم یبیّن من رأس ولم یبلغ) لأنّ استعمال کلمة الوضع فی ما لم یکن مجعولا من رأس کثیر، کما أنّ کلمة الرفع استعمل فی حدیث الرفع فی معنى الرفع وعدم الجعل من أصله (لا ما وضع أوّلا ثمّ رفع ثانیاً) وهذا نظیر ما إذا قیل: هذا البلاء وضع عن هذه الاُمّة، فإنه استعمل حینئذ فی بلاء لم ینزل من رأس لا ما نزل ثمّ رفع.
أضف إلى ذلک أنّ الوضع إذا تعدّى بـ «عن» (خلافاً لما إذا تعدّى بـ «على») یکون بمعنى الرفع، فیأتی حینئذ فی هذا الحدیث کلّ ما قلناه فی حدیث الرفع، وکیف کان: الأمر دائر مدار إرتکاب أحد الأمرین: رفع الید من ظهورین (ظهور العباد فی العموم المجموعی وظهور الحجب فی الإسناد الحقیقی) ورفع الید من ظهور واحد (ظهور کلمة «موضوع عنهم» فی رفع ما هو المجعول) ولا یخفى أنّ الثانی أهون من الأوّل.
مضافاً إلى أنّ الأوّل یستلزم کون الإسناد إلى العباد مجازاً لأنّ العباد حینئذ یستعمل فی بعض العباد کما هو واضح.