اختلاف الزوجین فی الإنفاق والنفقة
(مسألة 16) : لو اختلف الزوجان فی الإنفاق وعدمه مع اتّفاقهما على الاستحقاق، فإن کان الزوج غائباً أو کانت الزوجة منعزلة عنه، فالقول قولها بیمینها، وعلیه البیّنة، وإن کانت فی بیته داخلة فی عیالاته، فالظاهر أنّ القول قول الزوج بیمینه، وعلیها البیّنة.
 
اختلاف الزوجین فی الإنفاق وعدمه اختلاف الزوجین فی الإنفاق
أقول: إنّ کثیراً من الفقهاء ـ رضوان الله علیهم ـ لم یتعرّضوا للمسألة هنا، ولکن تعرّضوا لها فی أبواب المهور، وکلماتهم هناک مختلفة; قال شیخ الطائفة فی «الخلاف»:
«إذا اختلف الزوجان ـ بعد أن سلّمت نفسها إلیه ـ فی قبض المهر أو النفقة، فالذی رواه أصحابنا: أنّ القول قول الزوج، وعلیها البیّنة، وبه قال مالک. وقال أبو حنیفة والشافعی: القول قول الزوجة مع یمینها. دلیلنا إجماع الفرقة، وأخبارهم، وأیضاً فإنّ العادة جاریة بأنّها لا تمکّن من الدخول، إلاّ بعد أن تستوفى المهر، ولا تقیم معه إلاّ وتقبض النفقة، فإذا ادّعت خلاف العرف والعادة فعلیها البیّنة»(1).
فاختار تقدیم قول الزوج، واستدلّ علیه بالإجماع، والأخبار، وظهور الحال. ولکن اختار فی صداق «الخلاف» تقدیم قول الزوجة فی المهر(2).
وقال العلاّمة فی «المختلف» ـ بعد نقل هذا الکلام عن الشیخ(قدس سره): «الوجه عندی أنّ القول قول المرأة فیهما معاً; لأصالة عدم الإقباض، والروایات فی الصداق محمولة على العادة فی الزمن الأوّل; من أنّ المرأة إنّما تدخل بعد قبض المهر، وابن إدریس اختار ما قلناه»(3).
وأمّا المصنّف، فقد فصّل بین صورتین: صورة کون المرأة عنده، وعدم کونها کذلک، وکأنّه أخذه من کلام «الجواهر» فی باب المهر فی کلامه الذی أشرنا إلیه آنفاً.
والذی یدلّ على قول العلاّمة ومن تبعه وقول أبی حنیفة والشافعی من العامّة، هو أصالة العدم، ولا شکّ فی أنّ مقتضاها عدم أداء المهر، وکذا النفقة; إلاّ أن یقوم دلیل.
واستدلّ للقول الأوّل بالأدلّة الثلاثة التی عرفتها فی کلام الشیخ(قدس سره):
الأوّل: الإجماع، وحاله فی هذه المسائل معلوم.
الثانی: الأخبار، والظاهر أنّها إشارة إلى ما ورد فی الباب الثامن من أبواب مهور «الوسائل» وهی أخبار متعدّدة، فیها الصحیحة وغیرها، ومفادها أنّ القول قول الزوج مع الدخول.
ولکنّ الظاهر أنّه لم ترد روایة فی باب النفقات، وکأنّها قیست علیهامن باب الأولویة.
الثالث: ظهور الحال، وهو العمدة فی المقام. ولکنّه إنّما یصحّ فی باب المهور فی الأزمان والأمکنة التی جرت العادة على عدم الدخول قبل أداء المهر، ولعلّه کان فی عصر صدور الروایات هکذا. وأمّا بالنسبة إلى النفقة، فهو إنّما یصحّ إذا کانت فی بیته، داخلة فی عیالاته، وأمّا لو کان الزوج غائباً، أو کانت الزوجة غیر ساکنة فی بیته من دون نشوز، فلا معنى لظهور الحال، ومن هنا یظهر القول بالتفصیل فی المسألة، کما لا یخفى على الخبیر.
بل یمکن الجمع بین الأقوال فی المسألة بهذا التفصیل، فیکون النزاع لفظیاً،
والله العالم.

(1). الخلاف 5 : 116.
(2). الخلاف 4 : 385.
(3). مختلف الشیعة 7 : 322.