تراضی الزوجین على المهر بعد العقد
(مسألة 10) : لو وقع العقد بلا مهر جاز أن یتراضیا بعده على شیء; سواء کان بقدر مهر المثل أو أقلّ منه أو أکثر، ویتعیّن ذلک مهراً، وکان کالمذکور فی العقد.
 
تراضی الزوجین على المهر بعد العقد
أقول: قد ذکرها جماعة، وأرسلوها إرسال المسلّمات; بحیث استفاد بعض الأعاظم منه کون المسألة إجماعیة.
قال فی «الجواهر»: «ولعلّ الوجه فیها ـ بعد ظهور ذکرهم لها ذکر المسلّمات، فی الإجماع علیها ـ أنّها بالعقد ملکت أن تملک المهر علیه بالفرض، أو بالدخول، فکان لها المطالبة بذلک»(1).
وعلى کلّ حال: الظاهر أنّه لم یرد فیها نصّ خاصّ، ولکن یمکن استنباط حکمها من بعض عمومات الکتاب، والسنّة، والقاعدة:
أمّا الأوّل، فقوله تعالى: (وَلاَ جُنَاحَ عَلَیْکُمْ فِیَما تَرَاضَیْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِیضَةِ)(2)، فکما یجوز التراضی ـ بعد ذکر المهر فی العقد ـ على الأقلّ أو الأکثر منه، فکذلک إذا لم یذکر فیه، ولا یختصّ التراضی بالمذکور.
إن قلت: التراضی إذا کان على أقلّ ممّا ذکر فی العقد، فهذا من أنواع الإبراء منها، ولا ربط له بما إذا لم یفرض فی العقد شیء.
قلنا: نعم، و لکن قد یکون التراضی على الأکثر; بمقتضى إطلاق الآیة، و هذا شیء لم یذکر فی العقد، فکما یجوز التراضی على الزیادة، یجوز فیما نحن فیه التراضی على مقدار المهر.
وأظهر منه قوله تعالى: (لاَ جُنَاحَ عَلَیْکُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِیضَةً)(3).
فإنّ ظاهر الآیة أنّ زمان المسّ کما یکون مستمرّاً ـ ولذا قال: (مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ) ـ فکذلک زمان فرض الفریضة، ولا ینطبق ذلک على ذکر الفریضة فی العقد، بل ظاهره ذکرها بعد العقد والمراضاة علیها، فکأنّ الآیة ناظرة إلى خصوص محلّ الکلام. ولم اَرَ من تعرّض لذلک.
وأمّا الثانی، فقد استدلّ بروایات کثیرة:
منها: ما وردت فی الباب الثانی من أبواب عقد النکاح فی «الوسائل» الدالّة على عدم جواز هبة النفس فی النکاح إلاّ لرسول الله(صلى الله علیه وآله) وأنّ الواجب أن یعوّضها بعد ذلک بشیء(4).
ولکنّ الإنصاف: أنّ وجوب التعویض على الزوج بشیء، لا یدلّ على لزوم التراضی من الطرفین.
اللهمّ إلاّ أن یقال: المراضاة حاصلة بعد قبول الزوجة الزواج حتّى بدون المهر مطلقاً.
ومنها: ما دلّ على أنّ المهر «ما تراضى علیه الناس» وهی روایات کثیرة واردة فی الباب الأوّل من أبواب المهور، وهی بإطلاقها تدلّ على کفایة التراضی عند العقد أو بعده(5).
اللهمّ إلاّ أن یقال: إنّها لیست فی مقام البیان من هذه الجهة، بل هی فی مقام بیان مقدار المهر قلّة وکثرة.
ومنها: ما ورد فی أبواب المتعة من قول الصادق(علیه السلام) ـ فی حدیث صحیح ـ : «ما کان من شرط قبل النکاح هدمه النکاح، و ما کان بعد النکاح فهو جائز»(6)، و فی معناه غیره.
ولکن قال صاحب «الوسائل» فی تفسیره ـ ولنعم ما قال ـ : «إنّ المراد بقوله: «بعد النکاح» بعد الإیجاب، لا بعد القبول» أو بعد شروع النکاح «فکأنّ الشرط فی نفس العقد». ویشهد لذلک التأمّل فی سائر أحادیث هذا الباب.
وأمّا الثالث: فیمکن أن یستدلّ له بأنّه مقتضى القاعدة; فإنّ العقد إذا کان مفوّضاً
ـ أی بدون المهر ـ کان لها المطالبة بتعیین المهر; فإنّ خلوّ العقد من المهر لیس بمعنى عدم ثبوت المهر لها، وإلاّ کان هبة، بل بمعنى عدم تعیّنه، فلها المطالبة بتعیین المهر، ویجب على الزوج قبوله.
و إن أبیت وجوبه على الزوج بالمطالبة ـ لأنّ معنى عدم ذکر المهر رضاهما بمهر المثل بالدخول ـ فعلى الأقلّ أنّه یجوز لها ذلک، فیتوافقان على شیء أکثر أو أقلّ من مهر المثل، أو مساو له، وحینئذ یخرج النکاح عن کونه بلا مهر، ولو طلّقها قبل الدخول کان لها نصف المفروض، ولو طلّقها بعده کان لها تمام المفروض، فالمسألة شبیهة بالتصالح على حقّ مبهم، ولیست من قبیل الشروط الابتدائیة حتّى یقال: لا یصحّ الشرط الابتدائی بالإجماع.
بقی هنا شیء: وهو أنّه قد یقع الخلاف بین الزوجین ـ ولا سیّما فی زماننا ـ فتهجر المرأة زوجها، وتعود إلى بیت أبیها، ولا ترجع إلاّ بعد أن تشترط على زوجها حقوقاً کثیرة، أو قلیلة، فإن کان بعنوان جعل المهر أکثر ممّا فرض فی العقد، فهذا یدخل فی الآیات السابقة، وإن کان شیئاً آخر کان شرطاً ابتدائیاً لادلیل على صحّته، فتدبّر.

(1). جواهر الکلام 31 : 61.
(2). النساء (4): 24.
(3). البقره (2): 236.
(4). وسائل الشیعة 20 : 264، کتاب النکاح، أبواب عقد النکاح، الباب 2.
(5). وسائل الشیعة 21 : 239، کتاب النکاح، أبواب المهور، الباب 1.
(6). وسائل الشیعة 21 : 46، کتاب النکاح، أبواب المتعة، الباب 19، الحدیث 2.