حول وجوب المضاجعة
إنّ وجوب المبیت معلوم، ولکنّ الکلام فی وجوب المضاجعة. والمراد بها نوم کلّ منهما قریباً من الآخر مقابلاً له; تحت لحاف واحد، أو متعدّد، فإنّ النصوص لا تدلّ علیه، ولیس من المضاجعة فیها عین، ولا أثر.
قال فی «کشف اللثام»: «والواجب فی القسمة المضاجعة عند النوم قریباً منها معطیاً لها وجهه; بحیث لا یعدّ هاجراً... ووجوب المضاجعة ممّا ذکره جماعة قاطعین به، والمرویّ الکون عندها. وقد یمکن فهم المضاجعة من قوله تعالى: (وَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ)(1).
وقال ابن قدامة فی «المغنی»: «وعماد القَسْم اللیل، لا خلاف فی هذا; وذلک لأنّ اللیل للسکن والإیواء، یأوی فیه الإنسان إلى منزله، ویسکن إلى أهله، وینام فی فراشه مع زوجته عادة، والنهار للمعاش»(2).
وغایة ما استدلّ لوجوبه اُمور:
الأوّل: انصراف إطلاقات المبیت، فإنّه المنصرف منه، لا نوم کلّ منهما فی غرفة من غرف الدار، أو نومه بعیداً عنها فی غرفة واحدة.
وفیه ما لا یخفى.
الثانی: قوله تعالى (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) فإنّ المنساق منها هو المضاجعة.
والإنصاف: أنّ المقامات مختلفة; فمن کان له أولاد ممیّزون، وکانت لهم غرفة واحدة فی الدار ـ کما کان کثیراً فی الأزمنة السابقة، وفی زماننا أیضاً ـ لا تکون المضاجعة من المعاشرة بالمعروف بینهم، نعم قد یکون الأمر کذلک، فلیس دلیلاً عامّاً.
الثالث: قوله تعالى (وَاللاّتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاْهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ)(3); بناءً على استفادة المفهوم منها، فمعناها أنّه عند عدم خوف النشوز تجب المضاجعة.
وفیه: أنّ غایة ما یستفاد منها، أنّ المضاجعة کانت متعارفة بینهم، وکان ترکها من أسباب التنبیه، وأمّا أنّها کانت واجبة أم لا؟ فهو غیر معلوم.
هذا مضافاً إلى أنّ المراد منها ترک المضاجعة بعنوان الهجر، فلو کان لدواع اُخر
ـ مثل الرغبة فی المطالعة والعبادة فی بعض اللیالی، أو لعمل من أعمال معاشه فی الدار، کالخیاطة وغیرها ممّا یکون مطلوباً له فی بعض اللیالی ـ فهذا لا یعدّ هجراً، ولا ترک المعاشرة بالمعروف.
والحاصل: أنّ وجوب المضاجعة على إطلاقه، غیر ثابت بدلیل معتبر; إلاّ أن یکون ترکها من الهجران عرفاً، فتدبّر.

(1). کشف اللثام 7 : 495.
(2). المغنی، ابن قدامة 8 : 144.
(3). النساء (4): 34.