شرائط وجوب نفقة الزوجة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
انوار الفقاهة - کتاب النکاح-3
فصل: فی النفقاتبقیت هنا اُمور:

شرائط وجوب نفقة الزوجة
(مسألة 1) : إنّما تجب نفقة الزوجة على الزوج بشرط أن تکون دائمة، فلانفقة للمنقطعة، وأن تکون مطیعة له فیما یجب إطاعتها له، فلا نفقة للناشزة، ولا فرق بین المسلمة والذمّیة.
 
اشتراط وجوب نفقة الزوجة بکونها دائمة ومطیعة
أقول: هاهنا مباحث مختلفة:
الأوّل: البحث عن أصل وجوب نفقة الزوجة.
الثانی: الکلام فی شروطه.
الثالث: فی مقدارها وکیفیتها.
الرابع: فی فروعها ولواحقها.
والمصنّف لم یتعرّض لأصل وجوبها; لوضوحه.
ولکن قبل الورود فی هذه المباحث لابدّ من ذکر مقدّمة: وهی أنّ نفقة الزوجیة کانت أمراً متعارفاً بین الاُمم السابقة; على اختلاف مذاهبها وثقافاتها، والوجه فیه أنّ حفظ کیان الاُسرة یتوقّف على عمل کلّ واحد من الزوج والزوجة عملا جادّاً بلیغاً، وهذا یتوقّف على تقسیم المسؤولیات بین الزوج والزوجة; فما هو من أعمال خارج البیت ـ من کسب الأرباح ومصارف الحیاة ـ یکون من وظیفة الزوج، وما هو من أعمال داخل البیت ـ من جمیع ما تقوم به الحیاة; من النظافة والطبخ، وما
أشبه ذلک، وأهمّ من الجمیع تربیة الأولاد وحضانتهم وحفظهم إلى أن یکبروا ـ یوکل إلى الزوجة.
أضف إلى ذلک: أنّ من أهمّ اشتغالات المرأة هو اشتغالها بأمر الحمل والرضاع، فإذا أنجبت ثلاثة أو أربعة أولاد مثلا، کان عبؤهم علیها فی سنین طویلة، فلا تقدر على تحصیل المعاش فی هذه الأیّام، ومن هنا کانت نفقتها دائماً على زوجها بحکم العقل والعقلاء.
فإن قلت: إنّ الإنفاق علیها فی الشریعة الإسلامیة، لیس فی مقابل خدمتها فی البیت، بل لها طلب الاُجرة على ذلک. نعم عند الحمل والرضاع یجب الإنفاق علیها بحکم الآیات الشریفة الآتیة.
وإن شئت قلت: النفقة إنّما هی فی مقابل الزوجیة والتمکین وفی مقابل الحمل والرضاع فقط.
قلنا: نعم، الحکم فی الإسلام هو ذلک، ولکن ما ذکرنا یکون من قبیل الحکمة، لا العلّة; لاستقرار سیرة المسلمین وغیرهم على هذا التقسیم عملا، وعلى ذلک یکون استقرار النفقة على الزوج، أمراً طبیعیاً، ومن وظائف الزوج فی نظام الاُسرة فی مقابل الزوجة، ولولا خدمات الزوجة لم یقدر الزوج على کسب الأرباح.
إن قلت: فی العصر الحاضر کثیراً ما تعمل المرأة خارج البیت بما یحقّق لها أرباحاً کثیرة، وقد لا تقبل خدمة البیت أصلا، أو تأبى إلاّ بالمشارکة، أو یکون أکلهم خارج الدار، کما لو کان أولادهما فی المراکز المعدّة لذلک; حتّى أنّ المرأة لا ترضع ولدها.
قلنا: هذا أیضاً لیس فرضاً غالبیاً حتّى فی المجتمعات الغربیة، ولا یعدّ من الحیاة الطیّبة، وقد رجعت کثیر من النساء عن مثل ذلک بعد برهة من حیاتهنّ، وقد عرفت أنّ ما ذکرنا فی بیان فلسفة النفقة حکمة، لا علّة.
والحاصل: أنّ کون الإنفاق على الزوج من لوازم طور حیاتهما، ممّا لاینبغی
أن ینکر.
إذا عرفت ذلک فلنعد إلى حکم المسألة، فنقول ومنه سبحانه نسأل التوفیق والهدایة:
أمّا أصل وجوب النفقة على الرجال، فقد عرفت أنّه مجمع علیه بین علماء الإسلام، وأنّه من ضروریات الدین. واستدلّ له بعد ذلک بأمرین: بآیات من کتاب الله العزیز، وبأحادیث کثیرة ادّعی تواترها:
أمّا الکتاب، ففیه آیات کثیرة استدلّ بها فی «الجواهر» و«المسالک» و«المهذّب» و«فقه القرآن» للراوندی وغیرهم، ونحن نشیر إلى ما ذکره فی «الجواهر» وإن کان بعضه أو أکثره أجنبیاً عن المطلوب:
منها: قوله تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ یُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَیْنِ کَامِلَیْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ یُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَکِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)(1).
وهذه الآیة وإن دلّت على وجوب الإنفاق فی الجملة، ولکن ظاهرها وجوبها فی مدّة الرضاع، مع سکوتها عن غیرها; لو لم نقل بأنّ لها مفهوماً; لظهورها فی کون الرضاع هو العلّة فی وجوب الإنفاق علیهنّ.
إلاّ أن یقال: إنّها ناظرة إلى المطلّقات المرضعات بقرینة ما قبلها، وحینئذ تخرج عن الدلالة على المقصود. إلاّ أن تدّعى الأولویة.
ومنها: قوله تعالى: (لِیُنْفِقْ ذُو سَعَة مِنْ سَعَتِهِ وَ مَنْ قُدِرَ عَلَیْهِ رِزْقُهُ فَلْیُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللهُ)(2).
وهی أیضاً أجنبیّة عن المطلوب، أو تدلّ علیه فی الجملة; فإنّها ـ بقرینة ما قبلها ـ ناظرة إلى اُولات الأحمال; لقوله تعالى: (وَإِنْ کُنَّ أُولاَتِ حَمْل فَأَنْفِقُوا عَلَیْهِنَّ حَتَّى یَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)(3).
ولا شکّ فی أنّهنّ إذا کنّ فی حُبالة أزواجهنّ، وجب علیهم الإنفاق علیهنّ فی هذه المدّة بطریق أولى، وأمّا وجوبه مطلقاً حتّى فی غیر مدّة الحمل والرضاع، فلا دلالة لها علیه.
ومنها: قوله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْض وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)(4).
قال الراوندی فی «فقه القرآن»: «القوّام على الغیر: هو المتکفّل لأمره من نفقة وکسوة وغیر ذلک» ثمّ، ذکر أنّ فیها دلیلاً آخر على وجوب الإنفاق علیهنّ; وهو قوله تعالى: (وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) «یعنی علیهنّ»(5).
ولکنّ الإنصاف: أنّه لیس فی الآیة أمر بالإنفاق، بل إخبار عنه لأجل بیان أفضلیتهم. وعلى فرض دلالتها على الوجوب، فلا تدلّ على الوجوب مطلقاً، بل فی بعض الحالات.
وأضعف منها الاستدلال بقوله تعالى: (ذلِکَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا)(6) الناظرة إلى الاکتفاء بزوجة واحدة; حتّى لا یکون جور من الزوج.
وقوله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)(7).
وقوله تعالى: (فَإِمْسَاکٌ بِمَعْرُوف أَوْ تَسْرِیحٌ بِإِحْسَان)(8).
أمّا الاُولى، فدلالتها مبنیّة على أن یکون المراد من عدم العول، عدم الجور فی النفقات، أو الأعمّ منها; فإنّ الزوجة إذا کانت واحدة کان أقرب لعدم الجور فی ذلک.
ولکنّ الآیة لیست صریحة فی حکم النفقة، ویمکن أن یکون المراد الجور فی مناسبات اُخرى بین الزوج والزوجة، من القسم وغیره.
وقد ذکر بعضهم: «أنّ المراد بقوله: (أَلاَّ تَعُولُوا) هو أن لا تفتقروا ولا تحتاجوا; فإنّ «قلّة العیال أحد الیسارین»(9)».
وقد أجاد المحقّق الطبرسی فی «مجمع البیان» حیث أجاب عنه بوجهین:
«أوّلهما: أنّ «عال» قد یکون من الأجوف الواوی، ومعناه الجور، واُخرى من الأجوف الیائی من «عال یعیل» بمعنى الحاجة، والآیة من الأجوف الواوی، کما هو واضح.
ثانیهما: أنّ ذیل الآیة یبطل هذا الاحتمال; لأنّ قوله: (أَوْ مَا مَلَکَتْ أَیْمَانُکُمْ)ینافی ذلک; لعدم الفرق بین الحرائر وملک الیمین فی أمر النفقة، إنّما الفرق بینهما فی مسألة القسم; لعدم وجوب القسم فی ملک الیمین»(10).
وأمّا الثانیة، فلأنّ المعاشرة بالمعروف لا تکون دلیلا على وجوب الإنفاق علیهنّ، ألا ترى أنّ المعاشرة بالمعروف حسنة فی حقّ الأقرباء والأصدقاء، مع أنّه لا یجب الإنفاق علیهم؟! فتأمّل.
إلاّ أن یقال: إنّ بناء العقلاء من أهل العرف على وجوب الإنفاق علیهنّ، وترکه یکون مخالفاً للمعاشرة بالمعروف. ولکنّ هذا رجوع إلى بناء العقلاء،لاإلى دلالة الآیة.
وأمّا الثالثة، فالجواب عنها کالجواب عن سابقتها; فإنّ الإمساک بالمعروف یدلّ على حسن المعاشرة التی هی أعمّ من مسألة الإنفاق. إلاّ أن یتمسّک ببناء العقلاء، فیعود الإشکال.
والحاصل: أنّا لم نجد فی الآیات ما یدلّ على وجوب الإنفاق فی غیر ذات الحمل والمرضعة، مع أنّ موضع البحث أعمّ.
وأمّا الأخبار، فهی متواترة، أو کالمتواترة، وکلّها تدلّ على وجوب الإنفاق على الزوجة بما ترتفع به حاجتها، وهذه الأخبار على طوائف:
الطائفة الاُولى: ما وردت فی تفسیر قوله تعالى فی سورة الطلاق: (لِیُنْفِقْ ذُوسَعَة مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَیْهِ رِزْقُهُ فَلْیُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللهُ)(11). ما رواه ربعی بن عبدالله والفضیل بن یسار جمیعاً، عن أبی عبدالله(علیه السلام) فی قوله تعالى: (وَمَنْ قُدِرَ...) قال: «إن أنفق علیها ما یقیم ظهرها مع کسوة، وإلاّ فرّق بینهما»(12).
ومثلها ما رواه رَوْح بن عبدالرحیم(13)، وما رواه أبو بصیر(14).
الطائفة الثانیة: ما وردت فی تفسیر قوله تعالى: (فَإِمْسَاکٌ بِمَعْرُوف أَوْ تَسْرِیحٌ بِإِحْسَان) وهی ما رواه العیّاشی فی تفسیره، عن أبی القاسم الفارسی، قال: قلت للرضا(علیه السلام): جعلت فداک، إنّ الله یقول فی کتابه: (فَإِمْسَاکٌ بِمَعْرُوف أَوْ تَسْرِیحٌ بِإِحْسَان) وما یعنی بذلک؟ فقال: «أمّا الإمساک بالمعروف فکفّ الأذى، وإحباء النفقة، وأمّا التسریح بإحسان فالطلاق على ما نزل به الکتاب»(15).
الطائفة الثالثة: روایات مطلقة، مثل ما عن ابن أبی عمیر بن درّاج ـ فی حدیث ـ قال: قد روى عنبسة، عن أبی عبدالله(علیه السلام) قال: «إذا کساها ما یواری عورتها ویطعمها ما یقیم صلبها، أقامت معه، وإلاّ طلّقها...»(16).
ومثل روایة إسحاق بن عمّار، قال: قلت لأبی عبدالله(علیه السلام): ما حقّ المرأة على زوجها الذی إذا فعله کان محسناً؟ قال: «یشبعها، ویکسوها، وإن جهلت غفر لها...»(17).
وروایة العَرْزَمی الماضیة، عن أبی عبدالله(علیه السلام) وفیها: قالت المرأة للنبی(صلى الله علیه وآله): فما حقّها علیه؟ قال: «یکسوها من العری، ویطعمها من الجوع، وإذا أذنبت غفر لها» قالت: فلیس لها علیه شیء غیر هذا؟ قال: «لا»(18)... الحدیث.
الطائفة الرابعة: ما تدلّ على نفی النفقة عن الناشزة، فتدلّ بمفهومها على ثبوتها للمطیعة، وهی ما عن النوفلی، عن السکونی، عن أبی عبدالله(علیه السلام) قال: «قال رسول الله(صلى الله علیه وآله): أیّما امرأة خرجت من بیتها بغیر إذن زوجها، فلا نفقة لها حتّى ترجع»(19).
وما عن «تحف العقول» عن النبی(صلى الله علیه وآله) أنّه قال فی خطبة الوداع: «إنّ لنسائکم علیکم حقّاً، ولکم علیهنّ حقّاً; حقّکم علیهنّ... فإذا انتهین وأطعنکم فعلیکم رزقهنّ وکسوتهنّ بالمعروف»(20).
الطائفة الخامسة والسادسة: ما تدلّ على ثبوت النفقة للمطلّقة الرجعیة، فتدلّ
ـ بطریق أولى ـ على ثبوتها للزوجة; لأنّ المطلّقة الرجعیة بحکم الزوجة، وکذا ما تدلّ على نفیها عن البائنة، فتدلّ بمفهومها على المقصود. وهذه الروایات الدالّة بمنطوقها أو مفهومها على ثبوت النفقة للزوجة متواترة، وبعضها مطلق، وبعضها ناظرإلى بعض الموارد:
منها: ما عن سعد بن أبی خلف، قال: سألت أبا الحسن موسى(علیه السلام) عن شیء من الطلاق، فقال: «إذا طلّق الرجل امرأته طلاقاً لا یمکن فیه الرجعة، فقد بانت منه ساعة طلّقها، وملکت نفسها، ولا سبیل له علیها، وتعتدّ حیث شاءت، ولا نفقة لها... والمرأة التی یطلّقها الرجل تطلیقة ثمّ یدعها حتّى یخلو أجلها، فهذه أیضاً تقعد فی منزل زوجها، ولها النفقة والسکنى حتّى تنقضی عدّتها»(21).
ومنها: ما عن زرارة، عن أبی جعفر(علیه السلام) قال: «المطلّقة ثلاثاً لیس لها نفقة على زوجها; إنّما ذلک للتی لزوجها علیها رجعة»(22).
ومثلها سنداً ومتناً روایة زرارة، عن أبی جعفر(علیه السلام)(23).
ومنها: ما عن علی بن جعفر، عن أخیه موسى بن جعفر(علیهما السلام) قال: سألته عن المطلّقة، لها نفقة على زوجها حتّى تنقضی عدّتها؟ قال: «نعم»(24).
ومنها: ما عن سَمَاعة، قال: قلت له: المطلّقة ثلاثاً لها سکنى أو نفقة؟ فقال: «حبلى هی؟» قلت: لا، قال: «لیس لها سکنى، ولا نفقة»(25).
فتحصّل: أنّ عشر روایات من الباب الثامن من أبواب نفقات «الوسائل» ـ وکلّ ما فی الباب إحدى عشرة روایة ـ تدلّ على المطلوب، وبعضها یختصّ بوجوب النفقة للمطلّقة الرجعیة، مثل روایة علی بن جعفر، وبعضها ناظر إلى عدم النفقة للبائنة، مثل روایة سَمَاعة، وبعضها ناظر لثبوتها فی الاُولى، ونفیها فی الثانیة، مثل روایة سعد بن أبی خلف، فالدالّ منها عشر روایات.
وأمّا الروایة الحادیة عشرة، فهی روایة ابن سِنان، قال: سألت أبا عبدالله(علیه السلام) عن المطلّقة ثلاثاً على العدّة، لها سکنى أو نفقة؟ قال: «نعم»(26).
ولکن حملوها على المطلّقة الحامل، أو على الاستحباب.
والحاصل: أنّ دلالة الروایات على وجوب النفقة للزوجة غیر الناشزة
ـ بالمنطوق والمفهوم وقیاس الأولویة ـ واضحة کوضوح الشمس فی رائعة النهار.
بقی هنا شیء: وهو أنّه ورد فی غیر واحدة من هذه الروایات، أنّه إذا لم یقدر الزوج على الإنفاق ـ بأیّ دلیل کان; بمقتضى الإطلاقات ـ یفرّق بینهما، وظاهر الأمر أنّه موکول إلى الحاکم الشرعی، کما فی أشباهه ونظائره.
ولکن فی بعضها أنّ الزوج لابدّ له أن یطلّقها; وهو ما رواه عنبسة، عن أبی عبدالله(علیه السلام) قال: «إذا کساها ما یواری عورتها ویطعمها ما یقیم صلبها، أقامت معه، وإلاّ طلّقها»(27).
والجمع بینهما یقتضی وجوب الطلاق على الزوج أوّلاً، وإن امتنع منه فعلى الحاکم الشرعی. ولکن کلّ ذلک إذا طلبت الزوجة ذلک، وأمّا إذا أرادت أن تقیم معه مع ذلک فلا یجبر على الطلاق، ولعلّه سیأتی ما یزید على ذلک.
وعلى کلّ حال: فقد ثبت إلى هنا أصل الوجوب.
وأمّا شروطه، فقد ذکر المصنّف له شرطین: کون العقد دائماً، وکون الزوجة مطیعة، فلو انتفى أحد الأمرین انتفى وجوب الإنفاق.
أمّا الشرط الأوّل، فهو مجمع علیه بین الأصحاب; قال فی «الریاض»: «بلا خلاف، بل إجماعاً، کما حکاه جماعة»(28).
وقال فی «الحدائق» «لا خلاف بین الأصحاب فی اشتراط النفقة بالعقد الدائم، فلا یجب لمتمتّع بها نفقة»(29).
وقد حکى الإجماع صاحب «المدارک» فی «نهایة المرام»(30)، و«کشف اللثام»(31)، وقال فی «الجواهر»: «لا نفقة لذات العقد المنقطع إجماعاً بقسمیه»(32).
وتدلّ علیه روایة هشام بن سالم، قال: قلت لأبی عبدالله: أتزوّج المرأة متعة مرّة مبهمة؟ قال: فقال: «ذاک أشدّ علیک; ترثها وترثک، ولا یجوز لک أن تطلّقها إلاّ على طهر وشاهدین».
قلت: أصلحک الله، فکیف أتزوّجها؟ قال: «أیّاماً معدودة بشیء مسمّى مقدار ما تراضیتم به، فإذا مضت أیّامها کان طلاقها فی شرطها، ولا نفقة ولاعدّة لها علیک»(33).
وفی سند الروایة ضعف من جهات عدیدة; فإنّ موسى بن سعدان قد ضعّفه النجّاشی وغیره، وعبدالله بن القاسم مشترک بین جماعة کثیرة یقال: «کلّهم ضعاف» فلا فائدة فی تمییز من وقعوا فی سند الحدیث عن غیرهم.
نعم، الروایة معمول بها بین قدماء الأصحاب والمتأخّرین; وإن غفل عن ذکرها جماعة منهم، والله العالم.
کما تدلّ علیه أیضاً الروایات العدیدة الدالّة على أنّها مستأجرة، وقد اتّفقوا على عدم وجوب نفقة الأجیرة:
منها: ما رواه محمّد بن مسلم، عن أبی جعفر(علیه السلام) فی المتعة: «لیست من الأربع; لأنّها لا تطلّق، ولا ترث; وإنَّما هی مستأجرة»(34).
ومنها: ما رواه زرارة، عن أبی عبدالله(علیه السلام) من تعلیل نفی کون المتعة من الأربع بقوله: «فإنّهنّ مستأجرات»(35).
ومنها: ما رواه العیّاشی فی تفسیره، عن عبدالسلام، عن أبی عبدالله(علیه السلام) قال: «لیست من الأربع; إنّما هی إجارة»(36).
وبالجملة: التعبیر بـ «الإجارة» دلیل على عدم استحقاق المنقطعة لشیء
عدا المهر.
أضف إلى ذلک ما ذکرناه فی حکمة هذا الحکم، فإنّها لا تجری غالباً فی المتعة; فإنّها لرفع الحاجة الجنسیة، لا لتشکیل الاُسرة، والموارد النادرة لا تخلّ بما ذکرنا.
وأمّا الشرط الثانی، فهو التمکین التامّ، وقد ادّعی الإجماع علیه أیضاً فی کلام الأعلام; قال فی «الجواهر»: «الثانی: التمکین الکامل; وهو التخلیة بینها وبینه على وجه یتحقّق عدم نشوزها الذی لا خلاف فی اعتباره فی وجوب الإنفاق، بل الإجماع بقسمیه علیه»(37).
وقال فی «الریاض» ـ بعد ذکر عنوان المسألة ـ : «واشتراط هذا الشرط مشهور بین الأصحاب، بل کاد أن یکون إجماعاً، مع أنّا لم نقف على مخالف فیه صریحاً
ـ بل ولا ظاهراً ـ إلاّ ما ربما یستفاد من تردّد المصنّف فی «الشرائع» واستشکال الفاضل فی «القواعد» وهو بمجرّده لا یوجب المخالفة»(38).
وکلامه إشارة إلى قول المحقّق: «وفی وجوب النفقة بالعقد أو بالتمکین تردّد، أظهره بین الأصحاب وقوف الوجوب على التمکین»(39).
ویظهر من کلمات العامّة أنّ المشهور بینهم أیضاً ذلک; قال فی «البدایة»: «إنّهم اتّفقوا على أنّها تجب للحرّة غیر الناشز، واختلفوا فی الناشز والأمة، فأمّا الناشز فالجمهور على أنّه لا تجب لها نفقة، وشذّ قوم فقالوا: تجب لها النفقة»(40).
ویدلّ على هذا الحکم اُمور:
الأوّل: الإجماع، إلاّ أن یقال: إنّه مدرکی.
الثانی: الأصل; لأنّ أصالة عدم الوجوب جاریة. ولکنّها محکومة بالعمومات السابقة.
الثالث: ما ذکره فی «الریاض»: من أنّ الأمر بالمعاشرة بالمعروف، ظاهر فی اختصاص الأمر بالإنفاق بما هو متعارف من التمکین(41). فإنّها إذا کانت لا تمکّن من نفسها مع قدرتها علیه، ولا تعاشر زوجها بالمعروف، فکیف یحکم على الزوج بمعاشرتها بالمعروف؟!
ولکن هذا فرع کون الدلیل على وجوب الإنفاق، هذه الآیة، وقد عرفت الإشکال فی الاستدلال بها.
الرابع: الاستدلال بالسیرة المستمرّة بین المسلمین; فإنّهم یتزوّجون من دون إنفاق إلى زمان الزواج، ولا یرون فیه محذوراً.
الخامس: ما روی من طرق العامّة: «أنّ النبی(صلى الله علیه وآله)تزوّج و دخل بعد سنتین،
ولم ینفق»(42).
والإشکال فی سندها ظاهر.
السادس: ما روی أیضاً عن النبی(صلى الله علیه وآله) أنّه قال: «ولهنّ علیکم رزقهنّوکسوتهنّ بالمعروف»(43).
فإنّ وجوب النفقة مشروط بکونها معروفاً، ومن الواضح أنّه إذا لم تمکّن زوجها من نفسها مع قدرتها علیه، لا تدخل تحت الروایة.
ویناقش فیها: بأنّ دلیل وجوب النفقة لا ینحصر بذلک.
السابع: ما فی «تحف العقول» ـ فی حدیث ـ قال(صلى الله علیه وآله): «فإذا انتهین وأطعنکم فعلیکم رزقهنّ وکسوتهنّ بالمعروف»(44).
ومن الواضح: أنّ ترک التمکین ینافی إطاعة الزوج; فإنّ الإطاعة فیه من أظهر مصادیق الطاعة.
ولکن سندها ضعیف بالإرسال. اللهمّ إلاّ أن یقال: ضعفهامنجبر بعمل الأصحاب.
الثامن: أنّه یمکن الاستدلال له أیضاً بما رواه السَکُونی، عن أبی عبدالله(علیه السلام) قال: «قال رسول الله(صلى الله علیه وآله): أیّما امرأة خرجت من بیتها بغیر إذن زوجها، فلا نفقة لها حتّى ترجع»(45); وذلک من طریق قیاس الأولویة، وهو غیر بعید; فإنّه إذا کانت مخالفة الزوج بأمر ثانوی سبباً لعدم استحقاق النفقة، کان ترک طاعته فیما هو الأصل والمهمّ فی النکاح، سبباً له بطریق أولى.
فتحصّل من جمیع ذلک: أنّ بعض هذه الأدلّة وإن کان قابلا للمناقشة، ولکن یمکن الاستدلال ببعضها الآخر.


(1). البقرة (2): 233.
(2). الطلاق (65): 7.
(3). الطلاق (65): 6.
(4). النساء (4): 34.
(5). فقه القرآن 2 : 116.
(6). النساء (4): 3.
(7). النساء (4): 19.
(8). البقرة (2): 229.
(9). الفقیه 4 : 298 / 900.
(10). مجمع البیان 3 : 15.
(11). الطلاق (65): 7.
(12). وسائل الشیعة 21 : 509، کتاب النکاح، أبواب النفقات، الباب 1، الحدیث 1.
(13). وسائل الشیعة 21 : 511، کتاب النکاح، أبواب النفقات، الباب 1، الحدیث 6.
(14). وسائل الشیعة 21 : 512، کتاب النکاح، أبواب النفقات، الباب 1، الحدیث 12.
(15). وسائل الشیعة 21 : 512، کتاب النکاح، أبواب النفقات، الباب 1، الحدیث 13.
(16). وسائل الشیعة 21 : 510، کتاب النکاح، أبواب النفقات، الباب 1، الحدیث 4.
(17). وسائل الشیعة 21 : 511، کتاب النکاح، أبواب النفقات، الباب 1، الحدیث 5.
(18). وسائل الشیعة 21 : 511، کتاب النکاح، أبواب النفقات، الباب 1، الحدیث 7.
(19). وسائل الشیعة 21 : 517، کتاب النکاح، أبواب النفقات، الباب 6، الحدیث 1.
(20). وسائل الشیعة 21 : 517، کتاب النکاح، أبواب النفقات، الباب 6، الحدیث 2.
(21). وسائل الشیعة 21 : 519، کتاب النکاح، أبواب النفقات، الباب 8، الحدیث 1.
(22). وسائل الشیعة 21 : 519، کتاب النکاح، أبواب النفقات، الباب 8، الحدیث 2.
(23). وسائل الشیعة 21 : 520، کتاب النکاح، أبواب النفقات، الباب 8، الحدیث 4.
(24). وسائل الشیعة 21 : 522، کتاب النکاح، أبواب النفقات، الباب 8، الحدیث 11.
(25). وسائل الشیعة 21 : 520، کتاب النکاح، أبواب النفقات، الباب 8، الحدیث 3.
(26). وسائل الشیعة 21 : 521، کتاب النکاح، أبواب النفقات، الباب 8، الحدیث 8.
(27). وسائل الشیعة 21 : 510، کتاب النکاح، أبواب النفقات، الباب 1، الحدیث 4.
(28). ریاض المسائل 10 : 530.
(29). الحدائق الناضرة 25 : 98.
(30). نهایة المرام 1 : 474.
(31). کشف اللثام 7 : 557.
(32). جواهر الکلام 31 : 303.
(33). وسائل الشیعة 21 : 48، کتاب النکاح، أبواب المتعة، الباب 20، الحدیث 3.
(34). وسائل الشیعة 21 : 18، کتاب النکاح، أبواب المتعة، الباب 4، الحدیث 4.
(35). وسائل الشیعة 21 : 18، کتاب النکاح، أبواب المتعة، الباب 4، الحدیث 2.
(36). وسائل الشیعة 21 : 21 ـ 22، کتاب النکاح، أبواب المتعة، الباب 4، الحدیث 14.
(37). جواهر الکلام 31 : 303.
(38). ریاض المسائل 10 : 530.
(39). شرائع الإسلام 2 : 569.
(40). بدایة المجتهد 2 : 54.
(41). ریاض المسائل 10 : 531.
(42). المغنی، ابن قدامة 9 : 282.
(43). صحیح مسلم 4 : 41.
(44). وسائل الشیعة 21 : 517، کتاب النکاح، أبواب النفقات، الباب 6، الحدیث 2.
(45). وسائل الشیعة 21 : 517، کتاب النکاح، أبواب النفقات، الباب 6، الحدیث 1.
 

 

فصل: فی النفقاتبقیت هنا اُمور:
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma