وجوب قیام الزوج بما تحتاج إلیه المرأة عرفاً

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
انوار الفقاهة - کتاب النکاح-3
وجوب النفقة للبائن المدّعیة أنّها حاملاستحقاق الزوجة اُجرة الحمّام والطبیب والأدویة عند الحاجة


 
وجوب قیام الزوج بما تحتاج إلیه المرأة عرفاً
(مسألة 8) : لا تقدیر للنفقة شرعاً، بل الضابط القیام بما تحتاج إلیه المرأة; من طعام وإدام، وکسوة وفراش وغطاء، وإسکان وإخدام، وآلات تحتاج إلیها لشربها وطبخها وتنظیفها وغیر ذلک.
فأمّا الطعام فکمّیته بمقدار ما یکفیها لشبعها، وفی جنسه یُرجع إلى ما هو المتعارف لأمثالها فی بلدها، والموالم لمزاجها وما تعوّدت به بحیث تتضرّر بترکه.
وأمّا الإدام فقدراً وجنساً کالطعام; یراعى ما هو المتعارف لأمثالها فی بلدها، وما یوالم مزاجها وما هو معتاد لها; حتّى لو کانت عادة أمثالها أو الموالم لمزاجها دوام اللحم ـ مثلاً ـ وجب، وکذا لو اعتادت بشیء خاصّ من الإدام بحیث تتضرّر بترکه. بل الظاهر مراعاة ما تعارف اعتیاده لأمثالها من غیر الطعام والإدام، کالشای والتنباک والقهوة ونحوها، وأولى بذلک المقدار اللازم من الفواکه الصیفیة التی تناولها کاللازم فی الأهویة الحارّة، بل وکذا ما تعارف من الفواکه المختلفة فی الفصول لمثلها.
 
وجوب قیام الزوج بما تحتاج إلیه المرأة عرفاً
أقول: هذه المسألة فی الواقع، بحث موضوعی کلّی; فإنّ المباحث على ثلاثة أقسام: بحث حکمی، وبحث موضوعی کلّی، وبحث موضوعی خاصّ مصداقی، والمثال الواضح حرمة شرب الخمر، وأنّ الخمر ماذا; فهل تشمل الفقّاع؟ وأنّ هذا الموجود فی الإناء خمر، أم لا؟
وقد تصدّى فقهاء الخاصّة والعامّة لبیان النفقة، وسعة دائرتها وشمولها للأشیاء، تارة: بحسب الجنس، واُخرى: بحسب المقدار، فقد ذکر المحقّق أجناساً ستّة فی «الشرائع» فقال: «ضابطه القیام بما تحتاج إلیه المرأة إلیه من طعام، وإدام، وکسوة، وإسکان، وإخدام، وآلة الإدهان; تبعاً لعادة أمثالها فی البلد»(1).
وذکر صاحب «الجواهر» أجناساً ثمانیة: الطعام، والإدام، والکسوة، والفراش، وآلة الطبخ والشرب، وآلة التنظیف، والسکنى، ونفقة الخادمة(2).
وما ذکره المصنّف هنا قریب ممّا ذکره فی «الجواهر» وقد ذکرنا هنا ما ذکره فی الطعام والإدام، وسنتبعه بالباقی.
لکن یبقى الکلام فی اُمور اُخر، کاُجرة الحمّام، والطبیب، والدواء، والمرکب، ولوازم الریاضة إن احتاجت إلیها، والکتب الدینیة عند الحاجة، وثمن الکفّارات، ومصارف بعض الأسفار التی تتداول لرفع النَصَب والملال... إلى غیر ذلک، وسنتکلّم فیها إن شاءالله.
ولکنّ اللازم قبل کلّ شیء، الرجوع إلى أدلّة المسألة; حتّى نلاحظ ما هو موجود فی الأدلّة من العناوین الکلّیة والجزئیة، ثمّ نقوم بشرح ما یتفرّع علیها، وعمدة ما ورد فی هذا الباب: قوله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)(3); بناءً على أنّ ذلک یشمل النفقات جمیعاً.
ولکنّ الإنصاف: أنّه لا دلالة فیه على المقصود; فإنّه إذا قیل: «عاشر أخاک بالمعروف» لا یکون دلیلا على وجوب الإنفاق علیه، ولا سیّما إذا لم یکن یحتاج إلیه، کالزوجة المستغنیة عنها.
إلاّ أن یقال: المعاشرة بالمعروف بالنسبة إلى الزوجة، تقتضی الإنفاق علیها بحسب العرف والعادة.
ولکن هذا فی الواقع، رجوع إلى السیرة، لا الآیة الشریفة.
وأضعف منه دلالة على المقصود، ما ذکره صاحب «الریاض»(4) من قوله تعالى فی حقّ الأبوین: (وَصَاحِبْهُمَا فِى الدُّنْیَا مَعْرُوفاً)(5).
فإنّ المصاحبة بالمعروف لا دخل لها بالنفقة; إلاّ إذا احتاجا إلیها، فحینئذ یمکن أن یقال بدخولها فی عموم الآیة، ولکن نفقة الزوجة غیر متوقّفة على حاجتها إلیها، وإنّما هی حقّ لها على الزوج.
أضف إلى ذلک: أنّ الکلام فی الزوجة، ولا یمکن قیاسها على الأبوین.
وکقوله تعالى: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَکِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)(6); بناءً على أنّ ورود الآیة فی خصوص المرضعات، لا یکون دلیلا على اختصاص الحکم بهنّ; بعد العلم بعدم الفرق بین المرضعات وذوات الأزواج.
ولکن یرد على الاستدلال بالآیة: أنّها ناظرة إلى خصوص الطعام، والإدام، والکسوة، فهی أخصّ من المدّعى.
وکقوله تعالى فی المطلّقات: (وَإِنْ کُنَّ أُولاَتِ حَمْل فَأَنْفِقُوا عَلَیْهِنَّ حَتَّى یَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ... * لِیُنفِقْ ذُو سَعَة مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَیْهِ رِزْقُهُ فَلْیُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللهُ)(7).
وهذه الآیة أحسن ما فی هذا الباب; فإنّ الإنفاق فیها مطلق یشمل جمیع ما یحتاج إلیه، ومن المعلوم أنّه لا فرق بین نفقة اُولات الأحمال فی عدّة الطلاق البائن، وبین ذوات الأزواج.
وأمّا الروایات المتضمّنة لوجوب النفقة، فهی على طوائف:
الطائفة الاُولى: ما وقع التصریح فیها بعنوان «النفقة» على سبیل الإطلاق، مثل ما رواه الحلبی ـ فی الصحیح ـ عن أبی عبدالله(علیه السلام) قال: قلت: من الذی اُجبر على نفقته؟ قال: «الوالدان، والولد، والزوجة، والوارث الصغیر»(8).
وقد فسرّ «الوارث الصغیر» فی حدیث بـ «الأخ، وابن الأخ، ونحوه»(9)، ومن المعلوم أنّه یحمل على الاستحباب; لقیام الدلیل على عدم الوجوب.
ومثل ما رواه العیّاشی فی تفسیره، عن أبی القاسم الفارسی، قال: قلت للرضا(علیه السلام): جعلت فداک، إنّ الله یقول فی کتابه: (فَإِمْسَاکٌ بِمَعْرُوف أَوْ تَسْرِیحٌ بِإِحْسَان) وما یعنی بذلک؟ فقال: «أمّا الإمساک بالمعروف: فکفّ الأذى، وإحباء النفقة، وأمّا التسریح بإحسان: فالطلاق على ما نزل به الکتاب»(10).
ومثل ما روته العامّة من قول النبی(صلى الله علیه وآله) لهند زوجة أبی سفیان ـ لمّا شکت إلیه(صلى الله علیه وآله)عدم إعطاء زوجها أبی سفیان لنفقتها ـ : «خذی ما یکفیک وولدک بالمعروف»(11).
وهذه الروایات تدلّ على وجوب النفقة بما یندرج تحت هذه الکلمة; من دون تخصیصها بطعام، وإدام، وکسوة.
الطائفة الثانیة: ما تدلّ على وجوب اُمور ثلاثة: الطعام، وما یلحق به من الإدام، والکسوة، وهی کثیرة، مثل ما رواه رِبْعی بن عبدالله والفضیل بن یسار جمیعاً، عن أبی عبدالله(علیه السلام) فی قوله تعالى: (وَمَنْ قُدِرَ عَلَیْهِ رِزْقُهُ فَلْیُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللهُ) قال: «إن أنفق علیها ما یقیم ظهرها مع کسوة، وإلاّ فرّق بینهما»(12).
ومثلها الروایات الثانیة، والثالثة، والرابعة، والخامسة، والسادسة، والسابعة، والثامنة، من الباب الأوّل من أبواب نفقات «الوسائل».
وهذه الروایات ـ کما ترى ـ لا تدلّ على أکثر من الثلاثة الاُولى; أعنی الطعام، والإدام، والکسوة.
الطائفة الثالثة: ما ورد فیها شرح طویل لحوائج النساء ونفقاتهنّ; وهی روایة واحدة عن شهاب بن عبد ربّه، قال: قلت لأبی عبدالله(علیه السلام): ما حقّ المرأة على زوجها؟ قال: «یسدّ جوعتها، ویستر عورتها، ولا یقبّح لها وجهاً، فإذا فعل ذلک فقد
ـ والله ـ أدّى إلیها حقّها».
قلت: فالدهن؟ قال: «غبّاً; یومٌ، ویومٌ لا».
قلت: فاللحم؟ قال: «فی کلّ ثلاثة، فیکون فی الشهر عشر مرّات، لا أکثر من ذلک، والصبغ فی کلّ ستّة أشهر، ویکسوها فی کلّ سنة أربعة أثواب: ثوبین للشتاء، وثوبین للصیف، ولا ینبغی أن یقفر(13) بیته من ثلاثة أشیاء: دهن الرأس، والخلّ، والزیت، ویقوتهنّ بالمُدّ; فإنّی أقوت به نفسی، ولیقدّر لکلّ إنسان منهم قوته، فإن شاء أکله، وإن شاء وهبه، وإن شاء تصدّق به، ولاتکون فاکهة عامّة إلاّ أطعم عیاله منها»(14).
وقد صرّح فی «الجواهر»: «بأنّ روایة شهاب بن عبد ربّه صحیحة»(15) ولعلّ الوجه فیه أنّ لها طریقین:
الأوّل: طریق الکلینی فی «الکافی» وهو: «محمّد بن عیسى، عمّن حدّثه، عن شهاب» فهی روایة مرسلة.
الثانی: طریق الشیخ، فقد رواه الشیخ بإسناده عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن إبراهیم بن هاشم، عن نوح بن شعیب، عن شهاب بن عبد ربّه، ولیس فی طریقه من یمکن الإشکال فیه إلاّ نوح بن شعیب; فإنّه مشترک بین البغدادی والخراسانی، والأوّل ثقة، والثانی مجهول الحال.
ولعلّ صاحب «الجواهر» رجّح کونه البغدادی الثقة، مع أنّ القرائن تدلّ على أنّه الخراسانی; بقرینة روایته عن شهاب، وروایة إبراهیم بن هاشم عنه، فلا یمکن عدّ الحدیث من الصحاح.
وقد ذکر المحقّق الأردبیلی فی «جامع الرواة» ـ فی آخر کلامه عن الخراسانی ـ ما لفظه: «والذی یظهر لنا اتّحاده مع السابق» ـ أی نوح بن شعیب البغدادی الثقة» ـ بقرینة روایة إبراهیم بن هاشم وأحمد بن محمّد بن خالد عنه، وهما من أصحاب أبی جعفر الثانی(علیه السلام) والبغدادی المذکور أیضاً من أصحاب أبی جعفر الثانی(علیه السلام)فیکونان فی مرتبة واحدة. وکون الأوّل بغدادیاً والثانی خراسانیاً، لا تنافی فیه; لاحتمال کونه فی الأصل بغدادیاً، وسکن خراسان، أو بالعکس، وهو لیس ببعید; لکثرة نظائره فی کتب الرجال. مع أنّه لم نرَ ـ مع التتبّع التامّ ـ روایة نوح بن شعیب البغدادی فی موضع، و الله أعلم»(16).
وأمّا شهاب بن عبد ربّه، فقد صرّح النجّاشی بوثاقته(17)، وقال الکَشّی: «شهاب وعبدالرحمان و... أولاد عبد ربّه، کلّهم خیار فاضلون»(18) ولکن ورد بحقّه فی بعض الکتب الرجالیة بعض الذمّ، وقد صرّح الشهید الثانی بضعف طرق الذمّ(19)، فعلى هذا لا بدّ من عدّه من الثقات.
ولکن بحسب الدلالة قد صرّح فیها بأکثر من سبعة أشیاء بعنوان النفقة، ولا توجد فی روایة اُخرى، إلاّ أنّه یمکن إثبات محتوى هذه الروایة بالإطلاقات، والله العالم.
وکیفما کان: ـ فلا شکّ فی أنّه لیس للنفقة ـ کما صرّح به بعضهم ـ حقیقة شرعیة، فیرجع فیها إلى العرف، ومن المعلوم أنّ العرف یختلف باختلاف الأزمان، والأمکنة، والأشخاص، وهذه الاُمور الثلاثة معیار لفهم الواجب من غیر الواجب.
وبعبارة اُخرى: المصارف على ثلاثة أقسام: الضروریات، والاُمور الکمالیة، وفضول الحیاة، والأوّل: کالمقدار اللازم من الطعام واللباس، والثانی: کالفواکه ولباس الزینة بالمقدار المتعارف، والثالث: کالأشیاء التی قد تشترى بالآف والاُلوف، وتوضع على الرفوف.
ولا شکّ فی أنّ القسم الأوّل داخل فی النفقة عرفاً، وکذا الثانی إن کان بالمقدار المتعارف، وأمّا الثالث فلیس منها.
إذا عرفت هذا، فلنرجع إلى قول المصنّف: «إنّ اللازم فی الطعام من حیث المقدار، ما تشبع به، ومن حیث الجنس، ما هو المتعارف لأمثالها فی البلد، وما تعوّدت علیه; بحیث تتضرّر بترکه».
والإنصاف: أنّه لا یعتبر التضرّر بترکه، بل یکفی کونه متعارفاً لأمثالها، ولو لم تتضرّر بترکه. ومن الواضح أنّ الطعام یختلف باختلاف السنّ، وحالات المرض والسلامة، وکونها حاملا، أو حائلا، وکونها سمینة، أو نحیفة، أو غیرذلک.
وکذا الإدام الملائم لطبعها وطبع أمثالها إذا لم یخرج عن المتعارف، فإنّ الإطلاقات تنصرف إلى المتعارف، فلو کان الموافق لمزاجها اللحم ثلاث مرّات کلّ یوم مثلا، وکان هذا مخالفاً للعرف والعادة، وکذلک الأطعمة الغالیة ممّالا تتعارف بین غالب الناس، فلا دلیل على وجوبها بعنوان النفقة على الزوج.
وما ذکره من الشای والقهوة وأشباههما، تکون من النفقة إذا کانت متداولا بین الناس.
وأمّا التبغ والسگائر وشبههما، فهی محرّمة عندنا; لما ثبت فیها عند خبراءالأطبّاء من الأضرار الکثیرة غایة الکثرة ممّا لا تحصى، فتکون محرّمة بحکم «لا ضرر...» بل واستقلال العقل بقبحها المستلزم للحرمة شرعاً، کقبح الظلم.
وأمّا ما ذکره فی حکم الفواکه، فهو أیضاً منزّل على المتعارف زماناً، ومکاناً، وشخصاً.
 
وکذلک الحال فی الکسوة، فیلاحظ فی قدرها وجنسها عادة أمثالها، وبلد سکناها، والفصول التی تحتاج إلیها شتاءً وصیفاً; ضرورة شدّة الاختلاف فی الکمّ والکیف والجنس بالنسبة إلى ذلک، بل لو کانت من ذوات التجمّل وجب لها زیادة على ثیاب البدن ثیاب على حسب أمثالها.
وهکذا الفراش والغطاء، فإنّ لها ما یفرشها على الأرض وما تحتاج إلیها للنوم; من لحاف ومخدّة وما تنام علیها، ویرجع فی قدرها وجنسها ووصفها إلى ما ذُکر فی غیرها. وتستحقّ فی الإسکان أن یسکنها داراً تلیق بها بحسب عادة أمثالها، وکانت لها من المرافق ما تحتاج إلیها، ولها أن تطالبه بالتفرّد بالمسکن عن مشارکة غیر الزوج ـ ضرّة أو غیرها ـ من دار أو حجرة منفردة المرافق; إمّا بعاریة أو إجارة أو ملک. ولو کانت من أهل البادیة، کفاها کوخ أو بیت شعر منفرد یناسب حالها.
وأمّا الإخدام فإنّما یجب إن کانت ذات حشمة وشأن ومن ذوی الإخدام، وإلاّ خدمت نفسها. وإذا وجبت الخدمة، فإن کانت من ذوات الحشمة; بحیث یتعارف من مثلها أن یکون لها خادم مخصوص، لا بدّ من اختصاصها به، ولو بلغت حشمتها بحیث یتعارف من مثلها تعدّد الخادم فلا یبعد وجوبه.
والأولى إیکال الأمر إلى العرف والعادة فی جمیع المذکورات، وکذا فی الآلات والأدوات المحتاج إلیها، فهی أیضاً تلاحظ ما هو المتعارف لأمثالها بحسب حاجات بلدها التی تسکن فیها.
 
ثمّ أشار إلى الأمر الثالث; وهو الکسوة، وجعلها تابعة للعرف فی المحلّ، والزمان، والمکان; من حیث الکم والکیف; أی التعداد، والجنس، والخیاطة، وهذا هو مقتضى القاعدة فی أمثال المقام، کما عرفت.
ثمّ أضاف: أنّها لو کانت من ذوات التجمّل، وجبت لها ثیاب التجمّل زیادة على ثیاب البدن.
وجمیع ذلک یوافق ما ذکره فی «الجواهر»، وأضاف: أنّه على ذلک یحمل ما ورد فی صحیحة شهاب أی من ذکر ثوبین للصیف، وثوبین للشتاء، لا أنّه أمر تعبّدی، بل هی ناظرة إلى ما هو المتعارف بین الناس(20).
قلت: لا ینبغی الریب فی أنّ المراد من «ثیاب التجمّل» لیس ما هو المتّبع بین المترفات من شراء أثواب تجمّلیة لکلّ مجلس، بل لعلّ بعضهنّ لا یلبسن ثوباً واحداً أکثر من مرّة أو مرّتین، ویرین أنّ من الواجب اتّخاذ ثوب جدید لکلّ واحد من مجالس الأعراس، فإنّه لا یجب على الزوج شیء من ذلک ولو کان قادراً علیها.
نعم، لا یبعد أن تکون ثیاب التجمّل ـ إجمالا على النحو المعقول ـ لازمة لجمیع النساء; إلاّ من شذّ منهنّ، ولاسیّما الشابّات; بحیث یعدّ عیباً لها ـ مثلا ـ لو حضرت فی بعض المجالس وهی على أرذل ثیابها، وثیاب البیت غیر ثیاب خارج البیت غالباً حتّى للرجال.
وکذا حال آلات الزینة على المقدار المعقول والمتعارف; من دون إسراف وتبذیر، وقد قال الله تعالى فی حقّ النساء: (أَوَ مَنْ یُنَشَّأُ فِى الْحِلْیَةِ)(21)، فالحلیة جزء من حیاة المرأة، ولذا یجوز لها فی الشرع لبس الذهب والحریر، ولا یجوز شیء منهما للرجال، وقال الله تعالى: (وَلاَ یُبْدِینَ زِینَتَهُنَّ إِلاَّ...)(22).
بل یجب على الزوج موادّ التجمیل ـ فی الجملة، کالکحل وغیره على المقدار المعقول، لا سیّما للشابّاب ـ بعین الدلیل السابق.
وعلى کلّ حال: فاللازم على نساء المسلمین، الاجتناب عن الإسراف والتبذیر فی ذلک، وترک ما هو عادة المترفین، والاجتناب عمّا یسمّى فی أیّامنا بـ «مدپرستی»(23) وتقلید الغربیین المترفین الذین بنوا الکثیر من ثرواتهم من غصب أموال المسلمین، وسفک دمائهم.
وممّا ذکرنا ظهر حال السجّاد والفراش للجلوس والنوم، کالغطاء، واللحاف، والوسادة، فإنّ کلّ ذلک تابع لما هو المتعارف بین الناس، وکذا أثاث البیت وآلات التنظیف، مثل الصابون وغیره من أشباهه، فإنّها اُمور معتادة فی کلّ البلاد.
ومن العجب أنّ جمیع ذلک، یکون فی أوّل الزواج على عاتق الزوجة وأبیها فی إیران! مع أنّها من الواجبات على الزوج; کما أنّه مخالف لتزویج أمیرالمؤمنین(علیه السلام)مع سیّدة نساء العالمین(علیهما السلام) فإنّه(علیه السلام) هیّأ أثاث البیت على نحو بسیط من ماله. وهذا الأمر جار فی بعض البلدان أیضاً، کمصر، ولکنّ الأکثر لیس کذلک.
ولعلّ الوجه فیه: أنّ مقدار المهر قد کثر بمضی الزمان، فصار الناس لایرضون بکون أمرین ثقلین على عاتق الزوج: المهر الکثیر، وجهاز المرأة، والله العالم.
وأمّا السکن، فقد صرّح المصنّف بأنّ المدار فیه على ما یوافق حالها من الدار ومرافقها، ولکن أضاف إلیه أمرین:
أوّلهما: أنّه یجوز لها أن تطالبه بالانفراد فی المسکن; سواء کان داراً، أو حجرة منفردة المرافق; وهو ما یسمّى الیوم بـ «الشُقّة» والوجه فیه أنّ الاشتراک فی الحجرة غیر متعارف بین الناس، بل الاشتراک فی المرافق کذلک غالباً.
ثانیهما: أنّه لا فرق بین کون المسکن ملکاً، أو عاریة، أو إجارة، أو غیرها.
ولکنّ الإنصاف: أنّه قد یکون اللائق بحالها الملک، دون الإجارة والعاریة، فإنّ غیر الملک قد یوجب انتقالها کلّ سنة من دار إلى دار، ومن حجرة إلى غیرها، وهذا صعب على کثیر من الناس.
بقی الکلام فی الإخدام، فقد صرّح المصنّف بأنّه إن کانت ممّن یکون من شأنها خدمة البیت بنفسها، فلا یجب إخدامها، وأمّا إن کانت ذات حشمة وشأن، فاللازم إخدامها بواحد، وقد یکون بمتعدّد.
ولکن من الجدیر بالذکر: أنّه لیس الإخدام دائماً للاحتشام، بل قد تکون المرأة ذات أولاد کثیرین، ولا تقدر على قضاء حوائجهم جمیعاً، فتحتاج إلى الإخدام، أو تکون مریضة، أو مسنّة، أو کانت بغیر أولاد، ولکن کان الزوج یسافر کثیراً، فتحتاج إلى خادم عندها، أو غیر ذلک من أسباب الإخدام، فلیس دائماً للحشمة.
ثمّ ذکر المصنّف(قدس سره) الضابطة العامّة للمسألة: وهی إیکال الأمر إلى العرف والعادة فی جمیع المذکورات، وهو حسن; لأنّه الذی یستفاد من إطلاق النصوص.
بقیت هنا اُمور:
الأوّل: أنّ هناک نفقات اُخرى لم یتعرّض المصنّف(قدس سره) لها فی هذه المسألة، منها اُجرة الحمّام للغُسل، أو النظافة، ومصارف الأدویة وشبهها، والحطب وشبهه، ومنها المرکب واُجرته إذا احتاجت إلیه، ومصارف التلفون والکهرباء والماء، ومصارف بعض الأسفار المتداولة بین الناس; لرفع الملال ونَصَب الحیاة، وبعض الکتب، مثل القرآن، وکتاب الدعاء، وکتاب الفتوى، وثمن الکفّارات إذا کانت بسبب بعض الأعذار، لا العمد.
وسیأتی فی المسألة التاسعة البحث عن اُجرة الحمّام; سواء للغُسل، أو النظافة، ومصارف الأدویة، والفصد، والحجامة، والطبیب والعملیات الجرّاحیة، وکذا مصارف الحطب وشبهه.
وأمّا غیر هذه الثلاثة، فاللازم البحث عنها فنقول: لا شکّ فی أنّ عموم عنوان «النفقة» یشمل جمیع ذلک على النحو المعقول المتعارف; فإنّ الإنسان إذا أراد أن یحسب نفقات یومه ومؤونة سنته الواردة فی باب الخمس، یحسب جمیع ذلک منها، وقد عرفت أنّه لیس لها حقیقة شرعیة، بل اللازم الرجوع فیها إلى العرف والعادة.
ویؤیّد ذلک: أنّه قد جرت سنّة المسلمین والمؤمنین على ذلک بالنسبة إلى أزواجهم، فلم نسمع أحداً یمنع زوجته عن بعض هذه الاُمور; استناداً إلى عدم کونها من النفقة.
الثانی: هل اللازم ملاحظة حال الزوجة فیها، أو حال الزوج؟
قال المحقّق القمّی فی کتابه «جامع الشتات» ما حاصله: المشهور بین الأصحاب أنّه لا حدّ للنفقة، بل هو موکول إلى العرف والعادة; للأخبار والآیات المطلقة الآمرة بالنفقة، ولا حقیقة شرعیة لها. کما أنّ المشهور ملاحظة حال الزوجة، لا حال الزوج، وخالف الشیخ(قدس سره) فی کلا المقامین... والأقوى هو قول المشهور، ودعوى الشیخ الإجماع علیه غیر مقبولة; لعدم الموافق له إلاّ ابن البرّاج(24).
وقال فی «الفقه على المذاهب الأربعة» ـ بعد نقل فتاوى الفقهاء الأربعة ـ ما نصّه: «ولهذا تعلم: أنّ المالکیة والحنابلة والحنفیة ـ فی أحد الرأیـین ـ متّفقون على أنّ المعتبر هو حال الزوجین، ولکن عرفت أنّ للحنفیة رأیاً آخر صحیحاً; وهو اعتبار حال الزوج، أمّا الشافعیة فیوافقون على هذا الرأی; إلاّ فی المسکن»(25).
والظاهر البدوی; من قوله تعالى: (لِیُنفِقْ ذُو سَعَة مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَیْهِ رِزْقُهُ فَلْیُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللهُ لاَ یُکَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا سَیَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْر یُسْراً)(26) أنّ المدار على ملاحظة حال الزوج عسراً ویسراً.
ولکنّ الذی یظهر عند الدقّة، عدم دلالتها على ما ذکر; فإنّها ناظرة إلى ما ذکر قبلها فی الآیة السابقة، حیث قال تبارک وتعالى: (وَإِنْ کُنَّ أُولاَتِ حَمْل فَأَنْفِقُوا عَلَیْهِنَّ حَتَّى یَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَکُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ)(27).
ومن الواضح: أنّ ظاهر الأمر بالإنفاق، ملاحظة حال المرأة وحاجاتها; لعدم صدق الإنفاق بدون ذلک.
وأظهر منه ظاهر لفظ «الاُجور» کما هو کذلک فی جمیع موارد الاستئجار; فإنّ الاُجرة تطابق عمل الأجیر، ولایلاحظ فیها حال المستأجر إلاّ بملاحظة الاُمور الأخلاقیة.
وعلیه فقوله تعالى فی الآیة التی بعدها: (لِیُنفِقْ ذُو سَعَة مِنْ سَعَتِهِ...) إشارة إلى أنّه لو کان الزوج موسراً، لا بدّ له من توفیة حقّ المرأة، وإذا کان معسراً کان معافاً من بعض حقوقها.
بل یمکن أن یقال: إنّه معاف من بعضها فعلا; وإن تعلّقت بذمّته، کما فی سائر الحقوق.
وأمّا الروایات، فظاهرها أنّ المدار على حال الزوجة; لأنّ إضافة النفقة والکسوة والإطعام إلیها فی روایة الحلبی(28)، ظاهرة فی ملاحظة حال المرأة.
وأظهر منها ما فی روایة شهاب; أعنی قوله: «فلیقدّر لکلّ إنسان منهم قوته»(29)، فإنّه ظاهر فی کون المعیار حال المنفق علیه.
بل یمکن أن یقال: إنّ المفهوم من لفظة «النفقة» مع قطع النظر عن إضافتها إلى شخص، أیضاً ذلک; فإنّ «النفقة» بمعنى مصارفها، وهی على وفق حاجاتها.
الثالث: أنّ العلاّمة السبزواری قال فی بعض کلماته فی «المهذّب»: «الظاهر أنّ جملة من تفصیلات الفقهاء فی المقام، ممّا لا ینبغی، بل ربما یوجب المشاحّة بین الزوجین، واللازم هو التحریض على المراضاة فیما بینهما بکلّ ماأمکن»(30).
وکأنّه اشتبه علیه(رحمه الله) أنّ الکلام هنا فی المباحث الفقهیة بین العلماء، لا ما یقال على رؤوس المنابر، والمراد أنّه لو سأل سائل عن بعض هذه الاُمور، کیف نجیب عنه.
کما فاته أنّ الکلام فی تشخیص الحقوق الواجبة الفقهیة، لا المسائل الأخلاقیة.


(1). شرائع الإسلام 2 : 570.
(2). جواهر الکلام 31 : 331 ـ 336.
(3). النساء (4): 19.
(4). ریاض المسائل 10 : 546.
(5). لقمان (31): 15.
(6). البقرة (2): 233.
(7). الطلاق (65): 6 ـ 7.
(8). وسائل الشیعة 21 : 511، کتاب النکاح، أبواب النفقات، الباب 1، الحدیث 9.
(9). وسائل الشیعة 21 : 512، کتاب النکاح، أبواب النفقات، الباب 1، الحدیث 10.
(10). وسائل الشیعة 21 : 512، کتاب النکاح، أبواب النفقات، الباب 1، الحدیث 13.
(11). صحیح البخاری 3 : 36، و6 : 193.
(12). وسائل الشیعة 21 : 509، کتاب النکاح، أبواب النفقات، الباب 1، الحدیث 1.
(13). أی یخلو.
(14). وسائل الشیعة 21 : 513، کتاب النکاح، أبواب النفقات، الباب 2، الحدیث 1.
(15). جواهر الکلام 31 : 330.
(16). جامع الرواة 2 : 297.
(17). رجال النجاشی: 27.
(18). اختیار معرفة الرجال: 415.
(19). راجع جامع الرواة 1 : 402.
(20). راجع جواهر الکلام 31 : 334.
(21). الزخرف (43): 18.
(22). النور (24): 31.
(23). أی تقلید الغربیین فی مودیلاتهم إلى حدّ العبادة.
(24). جامع الشتات 4 : 441.
(25). الفقه على المذاهب الأربعة 4 : 562.
(26). الطلاق (65): 7.
(27). الطلاق (65): 6.
(28). وسائل الشیعة 21 : 511، کتاب النکاح، أبواب النفقات، الباب 1، الحدیث 9.
(29). وسائل الشیعة 21 : 513، کتاب النکاح، أبواب النفقات، الباب 2، الحدیث 1.
(30). مهذّب الأحکام 25 : 303.
 
وجوب النفقة للبائن المدّعیة أنّها حاملاستحقاق الزوجة اُجرة الحمّام والطبیب والأدویة عند الحاجة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma