ماالمراد بالمعرفة الواردة فی الروایة التی توجب الزهد فی الدنیا وعدم التعلق بها؟ للإجابة عن هذا السؤال لابدّ من الإلتفات إلى ثلاثة أمور:
1. المراد من هذه المعرفة معرفة الله، أی لو کان اللإنسان قبس من معرفة الله وصفات جلاله وجماله لزهد فی الدنیا ولما خضع قط للدنیا. فمن عرف الله أدرک أنّه بحر الکمال وعالم الوجود برمته ورغم کبره فهو أصغر من الندى فی مقابل أعظم المحیطات! مما لاشک فیه أن هذا الإنسان لا تأسره الدنیا ومثل هذا الإنسان الذی وصفه على(علیه السلام) «عظم الخالق فی أنفسهم فصغر ما دونه فی أعینهم»(1) لا یغتر بالدنیا. وعلى ضوء هذه النظرة یرى(علیه السلام) الدنیا أهون من ماء أنف حیوان.(2)
2. المراد معرفة نفس الدنیا، أی أنّ الإنسان لو عرف الدنیا المتقلبة الغادرة، الدنیا التی یمکن أن تنکب الإنسان لیلة فتقذفه من أوج الثروة والقدرة فی منتهى الفقر والفاقة، الدنیا التی تسلب الإنسان صحته وعافیته فی لحظة، الدنیا التی تبتلع فی حادثة خلال لحظة کل أصحابه وقرابته وأهله، فهل یمکن التعلق بمثل هذه الدنیا؟ إذن فأصحاب الدنیا المتهافتین علیها لم یعرفوها، ذلک لأنّهم لا یخضعون لها لو کانت لدیهم أدنى معرفة بطبیعتها وماهیتها.
3. معرفة المقام وقیمة الإنسان مدعاة لعدم التعلق بالدنیا. فلو علم الإنسان قدره وعرف وزنه وقیمته لما باع نفسه بمقام زائل ولا حطام من المال. فهذا المتاع القیم الذی یمکنه أن یکون أفضل من الملائکة لا ینبغی بیعه رخیصاً، لا ینبغی بیعه بأقل من الجنّة ورضوان الله. أما من لا یعلم أنّ الإنسان خلیفة الله وسجد له جمیع الملائکة یبیع نفسه بالتافة، على غرار الجاهل الذی یبیع الجواهر الثمینة بالتافه! ولیس هنالک مایمنع من الجمع بین التفاسیر الثلاثة; أی أنّ معرفة الله والدنیا وذات الإنسان توجب عدم تعلق الإنسان بالدنیا بل زهده فیها.