للبِرّ مفهوم واسع ویشمل جمیع الخیرات; البرّ المعنوی والمادى والفردی والاجتماعى والأخلاقی والاقتصادی والسیاسی وأمثال ذلک. وهنالک معنى واسع لما قال تعالى فی الآیة الشریفة 44 من سورة البقرة: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَکُمْ). قال أحد اللغویین: البرّ بالکسر والفتح بمعنى الصحراء، وحیث إنّ الصحراء واسعة فإنّ العرب تصطلح بالبِرّ على کل فعل یوسع حیاة الإنسان والبّرّ بالفتح إحدى صفات الله تعالى: (إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِیمُ)(1). على کل حال فقد عرض الإمام(علیه السلام)ثلاثة أعمال بصفتها بوابة أبواب البِرّ وهی:
الأول: سخاء النفس
المراد من سخاء النفس أنّ هذه الفضیلة الأخلاقیة تتجذر فی قلب الإنسان بحیث یُسّر قلباً بالکرم والسخاء. لأنّ الإنسان یفرض أحیاناً السخاء على نفسه لیدرک الأجر  والثواب، إلاّ أنّه یفرح قلباً أحیاناً أخرى بسخائه ویستقر وضعه، فمثل هذا السخاء نافذ فی قلب الإنسان وفی غایة الرفعة. لا ینبغى أن ننسى أنّ الله یقضی حوائج أغلب عباده بواسطتنا، ولا نتصور أنّ ما لدینا لنا، بل أحیاناً لا نکون سوى واسطة وهنیئاً لأولئک الذین یکونون واسطة بین الله والمحتاجین. وقد بیّن تعالى هذا المطلب بأحسن صورة فی الآیة الکریمة من سورة الحدید: (آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَکُمْ مُّسْتَخْلَفِینَ فِیهِ). ویتطلب شرح الإنفاق فی حیاة الأئمّة المعصومین(علیهم السلام) کتاباً مستقلاً، فبعض الأئمّة(علیهم السلام)قسموا أموالهم مع الفقراء أکثر من مرّة فی حیاتهم(2) والنموذج البارز على ذلک سورة الدهر(3).
 
الثانی: طیب الکلام
الکلام الطیب وحسن الخلق معین لا ینضب. فالمصدر المالی للإنسان محدود ومتوقع وحاجة المحتاجین لا حدود لها، ومن الواضح أنّ المحدود لا یلّبی حاجة اللامحدود. غیر أنّ الله وهب الإنسان مصدراً غیر محدود وهو طیب اللسان لیلبّی الحاجات اللامحدودة للمحتاجین، فلابدّ من التعامل معهم بلسان طیب الکلمة بعیداً عن الکلمات الجارحة .فإن تعذر مدّ ید العون مادیاً فلابدّ من اللطف بهم لساناً. فما یفعله الأدب لا تسعه عشرات الأدلة. ولطیب الکلام جاذبة عجیبة سیما فی الوقت الذی نتهم فیه بالعنف.
 
الثالث: الصبر على الأذى
الدنیا موضع الصعاب والمعضلات والمنغّصات; فالمصیبة والقحط والجفاف والزلزال والسیل ومختلف الأمراض وما شاکل ذلک من منغّصات الدنیا. وهنالک بعض الحوادث فی السیاقة وسائر الأمور التی نواجهها کل یوم ولابدّ من تحملها جمیعاً وتذکیر الآخرین بها بلسان طیب لیمکن بلوغ أبواب البِرّ.

1 . سورة الطور، الآیة 28.
2 . نقل المرحوم الشیخ عباس القمی فی منتهى الآمال، ج 1، ص 417، عن الإمام الصادق(علیه السلام) أنّ الإمام الحسن(علیه السلام)قسم جمیع أمواله على الفقراء ثلاث مرات فأخذ نصفها ودفع النصف الآخر للفقراء.
3 . ذکرنا شرح هذه القصة نقلاً عن مصادر أهل السنّة فی کتاب آیات الولایة فی القرآن.