نعم، فطول الأمل یصیب الإنسان بسوء السلوک وقبح العمل وینسیه الأجل. طبعاً هنالک «رجاء» و«أمل» والأول إیجابی والمراد منه الأمل البناء، بینما قد یکون للأمل معنى سلبی وغیر بنّاء. وقد خاض الإمام علی(علیه السلام) فی هذه الروایة العمیقة المعنى فی أحد الأبعاد السلبیة للأمل ویذکر تأثیره السیىء على أعمال الإنسان.
سؤال: لم کان «طول الأمل» سیئاً لهذه الدرجة؟
الجواب: إنّ لزخرف الدنیا المادی جاذبة قوّیة من بعید، لکنّه سرعان ما یفقد هذه الجاذبیة حین یقترب منه الإنسان ویعتاد علیه. کالمخدرات التی لها جاذبة لبعض الأفراد قبل تعاطیها، أمّا إن أدمنوها لم تعد لها من جاذبیة لدیهم، ولابدّ من أن یضاعفوا من مقدارها حتى تقذف بهم فی لهوات الموت. فالشخص المستأجر والذی یعانی من المشاکل یتمنى أن یظفر ببیت مهما کان صغیراً حیث تکون له جاذبة خارقة لدیه، فإن حصل علیه یصبح عادیاً بعد مدّة قصیرة فیأمل ببیت أکبر وإمکانات أوسع، ثم لا یقتنع بذلک فیفکر کلّ یوم ببیت أوسع. وعلیه فلیس للآمال من حدود، ولذلک إن أراد الإنسان تحقیق جمیع آماله وجب علیه أن یوظف جمیع طاقاته لبلوغها، ومن الطبیعی أن لا یعد لدیه من وقت وقوّة یوظفها للآخرة. ومن هنا تواترت روایات المعصومین(علیهم السلام) التی تذم طول الأمل والذی اعتبر مدعاة لنسیان الآخرة(1).
وینبغی الإنتباه لهذا الموضوع حیث إنّ زیادة النعمة التی تتطلب عادة آمالاً طویلة لتحصیلها قد تکون أساس الشقاء فی أغلب المواضع «مرّ رسول الله(صلى الله علیه وآله) براعی إبل فبعث یستسقیه فامتنع. فقال رسول الله(صلى الله علیه وآله): اللهم أکثر ماله وولده. ثم مر براعی غنم آخر فبعث إلیه یستسقیه فحلب له ما فی ضروعها. فقال رسول الله(صلى الله علیه وآله): اللهم اُرزقه الکفاف. فسأله بعض أصحابه عن هذا الدعاء؟ فقال(صلى الله علیه وآله): إنّ ما قلّ وکفى خیر ممّا کثر وألهى»(2).