عامّة الأمّة مخاطبة من قِبل الإمام بهذه الروایة، لأنّه لم یخاطب طائفة معینة، بل خاطب جمیع أبناء الإنسان، فخطاب «یا أیّها الناس» فی المواقع التی لهابعد حقوق الإنسان، بینما هنالک بعد حقوقی إسلامی فی خطاب «یاأیّها الذین آمنوا». فالناس جمیعاً أحرار طبق هذه الروایة وقد ابتنى خلق الإنسان على الحریة والتحرر من عبودیة غیر الله. وإن نقضت هذه المادة فی موضع فلها بعد استثنائی. فحریّة الإنسان طرحت من قبل الإسلام قبل أکثر من 1400 سنة وهی جدیرة بالتأمل; لأنّ الحریة لم تکن قضیة أساسیة ومتعارفة آنذاک، خلافاً لما علیه الیوم حیث أصبحت قیمة الحریة قضیة بدیهیة. فأصل ضرورة الحریة موضوع واضح، بل من البدیهیات التی تحظى بقبول الجمیع وتسعى لنیلها جمیع الشعوب الخاضعة لسیطرة المستعمرین. وهنالک أمران لابدّ من تأملهما والتوقف عندهما:
1. لم کانت الحریة قیمة؟ ماذا لو غابت الحریة؟ وماذا سیکون لو کانت؟ للأسف أنّ فلسفة الحریة قلّما نوقشت. ففلسفة الحریة واضحة: للإنسان قوى وقابلیات ولا یسعه تفجیر هذه الطاقات إلا بزوال ما یعترضه من عقبات، فیستطیع تحصیل العلم والمعرفة بحریة ویندفع نحو التکامل، ویقوم التکامل على دعامتین:
أ) الاستعدادات الباطنیة.
ب) إنتفاء المانع. وعلیه فإنّ فلسفة حریّة الإنسان استفادته من استعداداته وقابلیاته الباطنیة. ومن الواضح أنّ ازادهار استعدادات الإنسان الباطنیة یتحقق بصورة أفضل فی الوسط الحر. فلیس هنالک من مجال للمقارنة بین حیاة نبات فی مزهریة وحیاة نبات فی أرض زراعیة.
2. مانوع الحریة المطلوبة؟
یتضح مما مرفی النقطة الأولى أن النوع المطلوب من الحریة هو ما کان فی مسار تکامل الإنسان. وعلیه فإنّ فلسفة الحریة تبیّن حدودها، ذلک لأنّ الحریة على أنواع:
1. الحریة المطلقة; ولیس لهذه الحریة من وجود سوى فی الغابات وبین الحیوانات الوحشیة لا غیر. فلکلّ أن یفعل ما یشاء فی هذه الأمکنة، ومن الواضح أنّه لیس هنالک مَن یتبنى هذه الحریة.
2. الحریة ضمن نطاق القوانین البشریة التی تتغییر وتتأول على الدوام، فحریة من لا یؤمن بالدین ولکنّه یقرّ بالقانون لابدّ أن تکون فی إطار القانون وواضح أن لا تناقض بین القانون والحریة، بل القانون یصونها.
3. الحریة فی نطاق القیم الشرعیة; کحریة أتباع الأدیان الإلهیّة فی إطار القیم الدینیة، فهؤلاء لا یأذنون قط بانتهاک حرمة هذه القیم والمثل باسم الحریة.
من البدیهی أنّ الحریة من النوع الأول لیست مطلوبة من قِبل أحد من الناس، والنوع الثانی أساس أنواع المشاکل والمصائب. والنوع الثالث فقط هو الذی یسعه ضمان سعادتنا والثوب الذی یسع قامة الإنسان.