الاعتدال فی کل شیء من الأمور التی حثّ علیها الإسلام وهذه المسألة على درجة من الأهمیة بحیث تکون مطلوبة حتى فی الخصومة والعداوة. وقد دلت التجربة على أنّ الافراط والتفریط عادة ما یختم بمختلف المشاکل، ومن هنا فإنّ «الاعتدال» أصل شامل یسود کل نظام الوجود، فهنالک توازن دقیق فی حرکة السیارات حول الشمس، بحیث لو اقتربت مسافتها من الشمس لجذبتها فتهلک بفعل الحرارة الشمسیة، وإن ابتعدت فرت من جاذبیتها وحرمت من طاقة الشمس. وهذا التوازن والاعتدال عجیب ومذهل فی نظام البدن البشری، ولو اختل هذا الاعتدال لبرزت الأمراض فوراً. فهذا الحدیث الشریف یعلمنا أن نکون معتدلین فی حیاتنا الشخصیة فی کل الأشیاء حتى فی العداء والمحبّة والأبحاث والمناظرات وفی العبادات والأعمال وأنشطة الحیاة وإظهار الحب والسرور والحزن وفی جمیع الأشیاء.
جاء فی تفسیر الآیة الشریفة 143 من سورة البقرة: (وَکَذَلِکَ جَعَلْنَاکُمْ أُمَّةً وَسَطاً)
 أنّ المراد من «کذلک» قبلة المسلمین، أی کما أنّ قبلتکم أیّها المسلمون فی وسط شرق وغرب العالم ووسط قبلة الیهود والنصارى أنتم أیضاً أمّة معتدلة.(1) وإننا لنطلب هذا من الله عشر مرات على الأقل کل یوم «إهدنا الصراط المستقیم».

1 . التفسیر الامثل، ج 1، ص 483.