بیّن علی(علیه السلام) فی نهج البلاغة عدة مطالب ومختلف الأبحاث حول القرآن. والعبارة المذکورة إحدى تلک الروائع. ومعنى الروایة المذکورة أنّ فی القرآن جمیع متطلبات الإنسان; المتطلبات الاجتماعیة والفردیة والأخلاقیة والاقتصادیة والعسکریة وماشابه ذلک. وعلیه إن کان معک القرآن وعملت به فسوف لن تحتاج وإن ترکت القرآن فلن تستغنی وإن کان لدیک کل شیء. لیس کل القرآن یغنی الإنسان فحسب، بل أحیاناً تکفی الإنسان آیة طیلة عمره لتکون قدوة ونموذجاً صالحاً لحیاته برمتها، کالآیة الأخیرة من سورة الزلزلة التی کفت الاعرابی حیاته. توضیح ذلک أنّ إعرابیاً(1) دخل على رسول الله(صلى الله علیه وآله) وقال: یا رسول الله علمنی القرآن. فدعى(صلى الله علیه وآله) أحد أصحابه وأمره بتعلیمه القرآن. فعلّمه الصحابی سورة الزلزلة. فلما تعلمها نهض لیودع رسول الله(صلى الله علیه وآله)وینصرف. فتعجب منه المسلمون. قال(صلى الله علیه وآله): أین تذهب؟ قال الأعرابی: یا رسول الله کفتنی هذه الآیة: (فَمَنْ یَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّة خَیْراً یَرَه * وَمَنْ یَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّة شَرّاً یَرَهُ).(2) فقال(صلى الله علیه وآله): «دعوه، لقد فقه الأعرابی»(3). أجل فمن آمن بأنّ جمیع أعماله صغیرها وکبیرها ستتجسد أمامه یوم القیامة ولابدّ من تحمل مسؤولیتها فإنّ هذا الإیمان سیحفظه من الزلل والإنحراف طیلة حیاته ویدعوه إلى العمل الصالح. نعم، لیس هنالک من وجود لحاجة بعد القرآن والعمل به والإنسان محتاج إلیه وإن کانت لدیه جمیع الإمکانات. ویعتقد البعض أنّ الغربیین البعیدین عن المعارف الإلهیّة ویتمتعون بجمیع الإمکانات المادیة أناس سعداء. والحال یفتقر مهد حضارة الغرب، أی أمریکا لأبسط حاجات البشریة المتمثل بالأمن! بحیث من الخطر التردد لیلاً على بعض المناطق. کما لا یسلم من الخطر من تردد نهاراً حاملاً مبلغاً کبیراً من المال. لأنّ جمیع قیم أمریکا تُلخّص فی الدولار حسب أحد المفکرین الفرنسیین ویضحّون من أجله بکل شیء، فالدولار معبودهم! وأطفالهم یشهرون أسلحتهم على معلمیهم فی المدارس وما أکثر ما قتلوا من زملائهم، ومراکز الفحشاء والمخدرات عامرة لدیهم وإن ملأوا العالم بصناعاتهم. على کل حال فعلینا نحن المسلمین أن نعرف قدر هذه الهبة والعطیة الإلهیّة ونحفظها ونجهد لفهم وإدراک مضامین آیات القرآن النورانیة ونعقد العزم على العمل بهذه الوصفة الشافیة ونشجع الآخرین على العمل بها. 

1 . ذهب کاتب قبسات من القرآن فی القسم الثانی من الجزء الثلاثین للکتاب المذکور، ص 224 إلى أنّه صعصعة بن ناجیة جد الفرزدق.
2. عدّهما النبی(صلى الله علیه وآله) الجامعتین وعبدالله بن مسعود أحد صحابة النبی(صلى الله علیه وآله) عدّهما المحکمتین (مجمع البیان، ج5، ص 527).
3 . التفسیر الأمثل، ج 27، ص 231 .