أحد مفاخر علی(علیه السلام) زهده، وقلیل کلما قیل فی زهده(علیه السلام)، فقد کان القدوة الکاملة فی الزهد فی الدنیا ولابدّ للزهاد من إقتفاء أثره، ولکن حیث للزهد مفهوم معقد فقد أخطأ الکثیر حقیقته.(1) ولهذا خاضت الروایات الإسلامیة فی بیان حقیقته. والروایة المذکورة من الروایات التی خاضت فی المعنى الصحیح للزهد. وطبق هذه الروایات فالزاهد من اتصف بصفتین:
1. أن یتحلى بالصبر فی تعامله مع الحرمات فیحفظ نفسه حین یتمهد السبیل أمام الحرام، فهذا الإنسان زاهد. ولیس بزاهد من یُغریه المال الحرام والشهوات غیر المشروعه والمقام الحرام وأمثال ذلک وإن لبس المسوح وساح عبادة فی الصحارى، أما من صمد إزاء المحرمات فهو زاهد وإن انتفع بمتع الدنیا.
2. الخاصیة الأخرى للزاهد الحقیقی أنّ المال الحلال لا یغفله قط عن الله الرازق ویشکره على الدوام. ومثل هذا الفرد یدرک أن الآخرین شرکاؤه حتى فی أمواله الحلال ولا تتعلق به دون غیره، کما ورد فی الآیة: (وَفِى أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ).(2) وللتعبیر بالحق هنا نقطتان: الأولى أنّ الأموال أمانة لدى الإنسان. والأخرى للفقراء والمساکین والمحتاجین حق فی هذه الأموال، وعلى صاحب المال أن یفکر بمساعدة الآخرین. على کل حال فالزاهد من لا یغفله المال الحلال عن الله وهو دائم الشکر للنعم الإلهیّة. کما وردت روایة أخرى عن الإمام علی(علیه السلام) فی تفسیر الزهد وهی: «الزهد کلّه فی کلمتین من القرآن، قال الله تعالى (لِّکَیْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَکُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتـاکُم)(3).
فمن لم یتأسّ على الماضی ولم یفرح بالآتی فهو الزاهد»(4). هذه الروایة فی الواقع تکرار لمضمون الروایة الأولى لأنّ من یغتم على فقدان نعمة ویأسف علیها یسعى للحصول على ما فقده بکل طریقة وهنا تهزم مقاومته إزاء الحرام. کالغافل عن نعمة الله ولا یؤدی شکر النعم الإلهیّة.