(السؤال 497): فی الآونة الأخیرة شاع فی المحافل والأوساط المختلفة تحریمکم للتدخین، فنرجو أن نستمع لتوضیح أکثر من سماحتکم فی خصوص هذه المسألة؟
الجواب: قبل عدّة سنوات أصدرت هذه الفتوى بصورة مشروطة، وهی موجودة فی رسالة توضیح المسائل وهی: «یحرم تدخین السجائر وسائر أشکال التدخین إذا أوجب ضرراً مهمّاً بشهادة أهل الخبرة» ولکن أخیراً وبشهادة جماعة من الأطباء وأساتذة الجامعات المتدینین، ومع ملاحظة الاحصاءات المثیرة فی مجال عدد الوفیات الناشئة من التدخین والأمراض الخطیرة المتولدة منه، فقد ثبت لنا أنّ أخطار دخان السجائر یمثل حقیقة واقعة، وحتى أبناء المدخنین ورفاقهم لیسوا فی أمان من هذه الأخطار، ومن هنا أصدرت فتوى التحریم بصورة مطلقة، وأسأل الله تعالى أن یحفظ جمیع المسلمین فی العالم من شر ذلک وخاصة الشبّان الأعزاء الذین یمثّلون أول ضحیة لهذا البلاء المدمر، وعلیهم الاهتمام بأصدقائهم وأرحامهم لئلا یبتلوا بهذا البلاء. ونأمل أن نبقى إن شاء الله ونرى مجتمعنا طاهراً نقیاً من شوائب هذا التلوث.
وبمناسبة طلب الفضلاء المتکرر اُشیر إلى مُعتمدات هذه الفتوى:
1 ـ إنّ القرآن الکریم یصرح فی الآیة 195 من سورة البقرة: (ولا تُلقُوا بِأَیدِیکُمْ التَّهْلُکَةِ)وطبقاً للإحصاءات الواردة من قبل الأطباء المتخصصین أنّ الوفیات الناشئة من دخان السجائر تصل إلى خمسة ملایین نفر سنویاً، والإحصاءات الواردة فی الأمراض الخطیرة القلبیة والتنفسیة وأشکال السرطان الناشئة من دخان السجائر عالیة جدّاً أیضاً، وعلى هذا الأساس فإنّ التدخین یعتبر مصداقاً لإلقاء النفس فی التهلکة.
2 ـ قاعدة لا ضرر ولا ضرار فی الإسلام المستفادة من الروایات العدیدة فی هذا الشأن، بالرغم من أنّ سیاق الروایات یشیر إلى الاضرار بالآخرین، ولکننا نعلم أنّ المفهوم العام لا یحدد مجال القاعدة، ولذلک یشمل الاضرار بالنفس أیضاً.
3 ـ ورد فی الحدیث المعروف لفقه الرضا(علیه السلام): «کُلُّ أَمر یَکُونُ فِیهِ الفَسَادُ مِمَّا قَد نُهِیَ عَنهُ فَحَرَامٌ ضَارٌ لِلجِسْمِ وَفَسَادٌ لِلنَّفْسِ»، وورد ما یشابه هذا المضمون فی روایة تحف العقول، فطبقاً لهذه الروایات فإنّ کل شیء یلحق ضرراً مهمّاً للبدن فهو حرام، (وبالطبع فإنّ الضرر الجزئی الموجود فی جمیع الأشیاء وغیر القابل للاجتناب خارج عن هذه الدائرة والمقصود هو الضرر الکلی).
4 ـ إنّ البعض ربّما یعتاد على تناول الطین، فقد ورد فی الروایات الإسلامیة أنّه نوع من الوسواس وقد ورد النهی عنه بشدّة لأنّه یضرّ الإنسان، فقد جاء فی الروایة: «إنّ الطِّینَ یُورِثُ السُّقْمَ فِی الجَسَدِ وَیُهَیِّجُ الدَّاءَ»، ولذلک فإنّ المرحوم الشهید فی کتاب المسالک ذکره کأول دلیل للتحریم وقال: «بما فیه من الاضرار الظاهرة للبدن»، وهذا یدلّ على أنّ حرمة الأشیاء المضرة من المسلمات، وحتى الصوم الواجب إذا أضرّ بالبدن وجب ترکه، وکذلک الغسل أو الوضوء الواجب إذا أضرّ بالبدن تحول إلى التیمم.
5 ـ مع غض النظر عن کل ذلک فإنّ القاعدة الاصولیة المسلمة «کل ما حکم به العقل حکم به الشرع» لا تبقی شکاً فی حرمة تدخین السجائر وغیرها من أنواع التدخین فی عصرنا الحاضر حیث ثبت لدى العلماء الأضرار الوخیمة المترتبة علیها، وفتوى جمیع المراجع بحرمة المواد المخدرة تستوحی مقوماتها من هذا المعنى.
بما أنّ مهمّة الفقیه بیان الحکم الشرعی، ومهمّة أهل الخبرة تشخیص الموضوع، فلذلک نوکل أمر بیان أضرار التدخین إلى جمعیة مکافحة التدخین المکوّنة من جماعة من الأطباء واساتذة الجامعات من المتخصصین فی هذا المجال فقد قالوا:
* إنّ السجائر تعدّ عاملاً أساسیاً أو مساعداً فی الابتلاء بأکثر من 50 نوعاً من المرض و20 نوعاً من السرطان.
* یموت سنویاً خمسة ملایین شخص بسبب الابتلاء بالأمراض نتیجة التدخین (یعنی أکثر من ضحایا الحرب العالمیة الأولى، لأنّ ضحایا الحرب المذکورة بلغ 10 ملایین شخص طیلة 4 سنوات من الحرب، ولکن ضحایا التدخین فی العالم یبلغ 20 ملیون فی مدّة 4 سنوات).
* فی عام 2020 سیموت 10 ملایین شخص سنویاً بسبب الأمراض الناشئة من التدخین، مع فارق أنّ 7 ملایین شخص یموتون فی البلدان النامیة، و3 ملایین فی البلدان المتقدمة.
* وبسبب الأرباح الطائلة التی تحققها الشرکات المتعددة الجنسیات ولا سیما الشرکات الأمریکیة من بیع السجائر، ومن جهة أخرى زیادة القیود فی بیع السجائر فی داخل البلدان المتقدمة وخاصة أمریکا ممّا أدّى إلى انخفاض عدد المدخنین فی هذه البلدان یوماً بعد آخر وبالتالی عملت هذه الشرکات على تسویق منتجاتها إلى الدول النامیة بمختلف الطرق القانونیة وغیر القانونیة (التهریب).
* فی ایران هناک 10 ملایین مدخّن ینفقون یومیاً أکثر من 3 ملیارات تومان (أی أکثر من ألف ملیار تومان سنویاً ـ ما یعادل 10 ملیار دولار).
* بشکل متوسط فإنّ الحکومات تنفق عادة ضعف هذا المبلغ لغرض علاج الأمراض الناشئة من التدخین، أی ما یقرب من 6 ملیارات یومیاً فی ایران (وأکثر من ألفی ملیار تومان سنویاً).
* یتمّ تدخین 54 ملیار سیجارة فی ایران سنویاً، حیث یتمّ انتاج 12 ملیار سیجارة منها فی داخل ایران والباقی یدخل إلى ایران من الخارج بطریقة التهریب (أی أنّ أکثر من 75 % من ثمن السجائر یخرج من ایران إلى الخارج).
* إنّ الشبّان والمراهقین (بین 10 ـ 15 سنة) یمثلون الهدف الأصلی من حملات الترغیب على الإدمان والتدخین.
* التدخین یمثل البوابة الأولى لتورط الشبّان فی الإدمان على المخدرات والجنوح الاجتماعی.
* إنّ الأشخاص غیر المدخنین وخاصة النساء والأطفال من المحیطین بالمدخنین یتعرضون للاصابة بعوارض التدخین بنفس المقدار الذی یتعرض له المدخنون، وهؤلاء الأبریاء یفقدون سلامتهم البدنیة بدون اختیار.
* إنّ الشرکات الأمریکیة تنتج سنویاً 000/000/000/000/6 سیجارة حیث یتمّ تسویق 3 % منها داخل أمریکا والباقی (97 %) یصدر إلى البلدان الأخرى لا سیما البلدان الفقیرة والنامیة، ومن هذا الطریق تبلغ أرباح هذه الشرکات الأمریکیة 300 ملیار دولار سنویاً، أی ما یعادل 20 سنة من عوائد صادرات النفط فی ایران.
