5 ـ التعذیب الجسدی لأخذ الإعترافات!

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن (الجزء العاشر)
4 ـ إستراق السّمع

لاشکَّ فی أنّ إیذاء أی إنسان بلا مبرر غیر جائز، وقلنا فی الأبحاث السابقة أیضاً: إنّه لا یجوز تعذیب أحد لأخذ الإعترافات منه، وأنّ کل إقرار مأخوذ بهذا الأسلوب غیر معتبر شرعاً ولیس له أیّة قیمة قانونیة.

ففی حدیث عن أمیر المؤمنین الإمام علیّ(علیه السلام) قال: «مَنْ أقرَّ عِنْدَ تجرید أو تخویف أو حَبس أو تهدید فلا حدَّ عَلَیْه»(1).

ولکن إذا کان المتهم قد ارتکب جرماً بیّناً غیر ذلک الجرم الذی لم یثبت علیه، جاز تعزیره لأجله، کما لو ألقی القبض على سارق فی أثناء اقتحامه منزل أحد الناس ولم تثبت سرقته، فلو عزّر لاقتحامه المنزل واعترف أثناء التّعزیر بالسّرقة ظناً منه أنّ هذا التّعزیر تعذیب لأخذ الإقرار، وثبت بالقرائن صدق اعترافه هذا (کما لو دلَّ على مواضع إخفاء تلک المسروقات وتبین صحة ذلک)، أمکن الأخذ بهذا الإقرار واعتباره شرعیّاً، وذلک لأنّ القرائن القطعیّة هی التی تثبت صحة هذا الإقرار.

کما یمکن اتباع هذا الأسلوب فی خصوص الجواسیس الأجانب حتى لو لم یرتکبوا مخالفة قطعیّة، وکان الحاکم الشرعی یعتقد یقیناً أو ظناً قویاً بأنّ هذا الجاسوس یحمل معلومات سریّة خطیرة تهدد مصیر الدّولة الإسلامیّة والمسلمین بالخطر، فإنه فی مثل هذه الحالة یمکن تعذیب هذا الجاسوس والتّضییق علیه بشرط مراعاة التّعامل الإنسانی.

وقد مرَّ بنا فی قصة «حاطب بن أبی بلتعة»، عندما امتنعت «سارة» تلک الجاسوسة، عن الإعتراف وتسلیم الکتاب الذی کتبه حاطب لأهل مکة، سلّ علی(علیه السلام) سیفه وهدّدها بالقتل، فخافت «سارة» فأخرجت الکتاب من شعرها وسلمته للإمام(علیه السلام). فهذا الإقرار کان مقروناً بالتّعذیب الرّوحی ومع ذلک حکم بصحته.

فمن الواضح أنّ مثل هذه الضّغوط فی مثل هذه الموارد، لیست أمراً مخالفاً للعقل ولا للشّرع، لأنّ أهمیّة المسألة تکون إلى درجة یجوز معها مثل هذا التّعذیب، ففی تلک الحادثة، لو أن خبر عزم الرّسول(صلى الله علیه وآله) على فتح مکة، کان قد وصل إلى أسماع قریش، لأریقت دماء کثیرة فی ذلک البلد الآمن مع أنّ نتیجة الحرب کانت واحدة.

وفی قصة قضاء أمیر المؤمنین(علیه السلام) نجد موارد کثیرة مارس الإمام(علیه السلام) فیها التّعذیب النفسی ضد المجرمین وخاصّة فی القضایا المهمّة التی کانوا یرفضون الإعتراف والإقرار فیها، فکان الإمام یمارس مثل ما مرَّ ذکره من الأسالیب للحصول على إقرارهم، فمثلا جاء فی قضیته: أنّ رجلین تداعیا عنده، وکان کل منهما یدعی أنّه السیّد وأنّ الآخر غلامه، فقال الإمام(علیه السلام)لقنبر: یا قنبر علی بسیف رسول الله(صلى الله علیه وآله) لأجل أن أضرب رقبة العبد (بعد أن أدخل رأسیهما فی ثقبین أعدّهما خصّیصاً لهذا الأمر)، قال: فأخرج الغلام رأسه مبادراً، فقال علیّ(علیه السلام) للغلام: ألست تزعم أنّک لست بعبد، ومکث الآخر فی الثقب، قال: بلى إنّه ضربنی وتعدّى علی(2).

 

فلا شک فی أنّ هذا التهدید کان مؤذیاً للغلام الواقعی ولکن هذا المقدار جائز للکشف عن واقع حقٍّ مهم ففی موارد التجسس یکون الأمر کذلک، بل هو أعلى وأولى.

وبتعبیر آخر، فإنّ قانون «الأهم والمهم» و«تزاحم الواجبات والمحرمات» یُجیز مثل هذا التعذیب فی مثل هذه الموارد.

ولکن، ینبغی أن لا یُستغل هذا القانون بهذه الذّریعة ویُعذَّب المتهمّون تعذیباً شدیداً لا یطاق أو یطبق هذا القانون والإستثناء لأدنى سوءِ ظن بالأشخاص.

وینبغی أن لا ننسى أنّ هذا مجرد استثناء، ولا یجوز الاستفادة من مثل هذه الأسالیب إلاّ فی موارد الضّرورة مع رعایة الحقوق الإنسانیّة کمّاً وکیفاً.

ومن هنا تتضح لنا مسألة أخرى وهی أنّ بعض المأمورین لجمع المعلومات والأسرار یضطرون ـ ولکسب الأخبار الحسّاسة والمصیریة ـ أن یتزیّوا بزی الأعداء ویتقمصوا شخصیات أفراد العدو فی الملبس والمأکل کی یتمکنوا من اختراق العدو، وفی مثل هذه الحالات قد یضطرون إلى ارتکاب بعض الذّنوب کأکل الحرام أو الحدیث ضدّ الإسلام والمقدّسات الإسلامیّة لتحقیق أغراضهم، فالحکم هنا مشمول لقاعدة «تزاحم الواجب والحرام» و«الأهم والمهم»، فمتى ما کان الهدف أعلى وأهم من الذّنب، کان ارتکاب ذلک الذّنب جائزاً، لتحقیق الهدف.

سؤال: هل الغایة تبرر الوسیلة؟

قد یقال، إنّ ما ذکرنا من استثناءات ألیس تعبیراً آخر عن ما هو معروف عند بعض زعماء المدارس الإلحادیة المادیة من أنّ: «الغایات تبرر الوسائل»؟

و الجواب:

وفی الإجابة عن هذا السّؤال، لابدّ من الإلتفات إلى نکتة واحدة وهی أن هؤلاء الذین یقولون بهذه المقالة لم یحددوا قیداً ولا شرطاً لها، أی إنّهم یقولون: للوصول إلى الأهداف

(بلا استثناء) یمکن التّوسل بأیّة وسیلة (بلا استثناء)، ولذا فإنّهم یوجهون الحروب المدمِّرة الدامیة من أجل الحفاظ على مصالحهم الإقتصادیّة، فیذهب آلآف النّاس ضحیّة من أجل عدم تضرر مصالحهم بأقل ضرر.

أمّا أتباع الأدیان السّماویّة، فهم ینکرون هذه العمومیة فی الشّقین معاً، أی أنّه لا یکفی کل هدف لتبریر وتجویز الوسیلة، کما أنّه لیست کل وسیلة مجازة وإن کان الهدف سامیاً، فالحاکم هنا هو قانون «الأهم والمهم»، تلک الأهمیّة المقررة عقلا وشرعاً، لا کلّ أهمیّة وإن کانت مصلحة شخصیّة، وهوى وهوَساً شیطانیّاً.

فقانون الأهم والمهم لیس أمراً یمکن إنکاره ـ فمثلا یجوز ضرب وجه من استعمل التریاق ویرید النّوم ـ ذلک النّوم الذی یؤدّی بحیاته ـ بعدة صفعات على خدّه لیفیق من نومه من أجل إنقاذه من الموت، وأکبر من ذلک یمکن أخذ الضّرائب المالیة من النّاس من أجل إعداد القوة المناسبة لحفظهم من أخطار الأعداء وغزوهم، أو حبس کلّ أفراد المجتمع فی منازلهم لعدة أیّام، لتلقیحهم بلقاح ینقذهم من وباء خطیر یهدد حیاتهم جمیعاً.

هذا ما یقوله أتباع مدرسة الأنبیاء(علیهم السلام)، بینما نجد أنّ أتباع المدارس المادیّة الإلحادیة لا یشترطون أی شرط لتطبیق قاعدتهم، فیجیزون کل وسیلة للوصول إلى أی هدف من أهدافهم.

وبهذا ینتهی الجزء العاشر من نفحات القرآن والذی تناول البحث حول الحکومة والولایة، وبهذا تنتهی الدورة الکاملة فی المعارف والعقائد الإسلامیّة من وجهة نظر القرآن الکریم وعلى أساس التّفسیر الموضوعی فی عشرة أجزاء. نشکر الله ونحمده على هذا التّوفیق الذی شملنا لأداء هذا الأمر المهم.

إلهنا: تقبل منا جمیعاً هذا المجهود المتواضع واجعله ذخراً لنا فی یوم الجزاء، ووفق کلّ من یود الإطلاع على المعارف والعقائد الإسلامیّة من وجهة نظر القرآن الکریم، للإطّلاع علیه.


1. وسائل الشّیعة، ج18، ح 2، الباب السابع من أبواب حدِّ السرقة.
2. وسائل الشیعة، ج18، أبواب کیفیة الحکم، باب 21، ح 4، ص208.
4 ـ إستراق السّمع
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma