ماذکر فی البحوث المتقدمة، کان فی اطار التّربیة والتّعلیم بالطّرق المباشرة، کتشکیل حلقات الدّرس، والمدرسة وأمثال ذلک، ولکن توجد فی الإسلام طرق تعلیم غیر مباشرة کثیرة، وتأثیرها من بعض الجهات أوسع وأعمق من تأثیر الطرق المباشرة.

فالعبادات الإسلامیّة، وخاصّة تلک التی تؤدّى بشکل جماعی کصلاة الجماعة والجمعة ومناسک الحج، من جملة الأمور التی لها تأثیر قویّ فی التّعلیم الجماعی للنّاس.

فصلاة الجماعة الّتی تقام خمس مرّات بالیوم واللّیلة تُعَلِّم المسلمین درس الوحدة والإتحاد ورصّ الصفوف والمساواة والأُخوة، فتجمع شرائح المجتمع المختلفة والتی قد لا تلتقی فی السّنة مَّرةً واحدة فی غیر الصّلاة على أثر المشاغل والمسؤولیات المختلفة التی ینشغلون بها عن بعضهم، فصلاة الجماعة تعلّم هؤلاء درس وحدة التّفکیر ووحدة الهدف فی المسائل الاجتماعیّة.

فصفوف صلاة الجماعة، ومضافاً إلى روحانیتها الخاصة الحاکمة علیها واقترانها بنور المعنویة والصّفاء، خیر وسیلة لاطلاع عامة النّاس على المسائل المصیریّة للمجتمع الإسلامی.

لقد استطاع المسلمون الأوائل ومن خلال صلاة الجماعة ـ وهو لقاء یوفرلهم اللقاء صباحاً ونهاراً ومساءً ـ کسب الوعی الکافی ووحدة الصف والکلمة مقابل اعدائهم ذوى العدة والعدد، حیث استطاعوا أن ینشروا برنامج الحکم الإسلامی وتعالیم الدین بسرعة فائقة. ففی صلاة الجمعة والجماعة، وطبقاً للتعالیم الإسلامیة، فإنّ الإمام وحده هو الذی یقرأ الحمد والسورة نیابة عن الجمیع، وبهذه الطریقة یبعت الانضباط الاجتماعی فی نفوس الناس التی تعتاد على الإدارة المقرونة بالروح والمعنى اللذین توفِّرهما مضامین السورتین اللتین یقرأهما إمام الجماعة.

والنّکتة المهمّة هنا هی أنّ للإمام الحق أنْ ینتخب سوراً مختلفة وآیات متنوعة من القرآن لقراءتها بعد سورة الحمد بحسب المناسبات المختلفة، وکلّ واحدة من هذه السور یمکنها أنْ تشتمل على دروس فی المعرفة الإسلامیّة، والأخلاق، والتّربیة السّیاسیة والاجتماعیّة، فعندما یقرأها الإمام بشکل جذّاب والکلّ قائم یصغی لها بسکون عمیق، یکون لها أثرٌ تعلیمی قوی منقطع النّظیر فی نفوس المأمومین، یضطرهم إلى التّفکر والتّعمق فی محتوى الآیات، ویضاعف روحانیّة العبادة وتأثیرها، ولو أنّ هذه المراسم العبادیة تؤدّى بآدابها الإسلامیّة المقررة وحضور القلب وتمرکز الحواس وهی الشرط الأساسی لقبولها، لکانت مدرسة عظیمة لتربیة المجتمع الإسلامی، وفضلا عن ذلک فإنّ هذه المراسم تکون درساً تربویاً لأعداء الإسلام والأجانب، وغالباً ما یلاحظ أنّ هؤلاء یقفون متأملین متفکرین فی هذه العبادة عندما یشاهدون المسلمین فی صفوف منظمة ومرصوصة یُقیمون الصلاة.

ومن هنا ورد عن الإمام علی بن موسى الرّض(علیه السلام) أنّه قال:

«إنَّما جُعلتْ الجَمَاعَةُ لِئَلا یَکُونَ الإِخلاصُ وَالتُّوحِیدُ وَالإسْلامُ وَالْعِبادَةُ لله إِلاّ ظاهِراً مَکْشوفاً مَشْهُوراً، لأنَّ فِی إظْهارِهِ حُجَّةً عَلى أَهلِ الشَّرقِ وَالْغَرْبِ ... مَعَ مافیهِ مِنَ المُساعَدَةِ عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوى وَالزَّجْرِ عَنْ کَثیرِ مِنْ مَعاصِی اللهِ عَزَّوَجَلَّ»(1).

وخلاصة الکلام هی إنّ تأثیر صلاة الجماعة فی إیقاظ المسلمین وتربیتهم، وتأثیرها فی افشال مخططات الأعداء وکسر شوکتهم، لا یخفى على أحد.

ولهذا فإنّ هذه العبادة العظیمة، من أهَم وآکد العبادات الإسلامیّة، وقد ذکر لها فضل عظیم وثواب جزیل فی الرّوایات إلى درجة یبهت الإنسان لها.

ففی حدیث عن رسول الله(صلى الله علیه وآله) قال: «مَنْ مَشى إلى مَسْجِد یَطْلُب فیه الجَماعَةَ کانَ لَهُ بِکُلِّ خُطْوَة سَبْعُونَ أَلْفَ حَسَنَة وَیُرْفَعُ لَهُ من الدّرَجاتِ مِثْلُ ذَلِکَ، فَإِنْ ماتَ وَهُوَ عَلى ذلِکَ، وَکَّلَ اللهُ بِهِ سَبْعینَ أَلْفَ مَلَک یَعُودُونَهُ فِی قَبْرِهِ وَیُبَشِّرُونَهُ وَیُؤنِسُونَهُ فِی وَحْدَتِهِ وَیَسْتَغْفِرُونَ لَهُ حَتّى یُبْعَثَ»(2).

1. وسائل الشّیعة، ج5، ص372.
2. المصدر السابق، ح 7.