جمع الآیات و تفسیرها

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن (الجزء العاشر)
تمهید:1 ـ أهمیّة الکتاب والقلم فی الرّوایات

یستعمل القرآن الکریم فی بعض الآیات صیغة القسم للتأکید على أهمیّة الموضوع الذی یرید بیانه، والقسم تارة یکون بالذات الإلهیّة الطّاهرة، وفی کثیر من الموارد یکون بالموجودات المهمّة کالشّمس والقمر والأرض والسّماء وأمثال ذلک.

وفی الآیة الأولى الّتی ذکرناها وهی أوّلُ آیة من سورة القَلم، یقسم عزّوجلّ بالقلم، وکل ما یکتبه القلم: (ن وَالْقَلَمِ وَمَا یَسْطُرُونَ).

وفی الحقیقة أنّ ما وقع القسم به هنا، وإن کان فی الظّاهر موضوعاً صغیراً، فهو قطعة خشب وقصبة بسیطة أو ما شابه، وشیء من السّوائل الملونة، وأسطر على صفحات متواضعة، إلاّ أنّه فی الواقع منبع ظهور الحضارات الإنسانیّة وتقدم العلوم والمعارف ویقظة الفکر وتصویر المذاهب والأدیان بصورتها الحقیقیة، ومصدر التّربیة والتعلیم والهدایة للبشریة.

ومن هنا، فإنّ العلماء یقسّمون أدوار حیاة الإنسان إلى دورین رئیسیین هما «مرحلة ما قبل التّاریخ» و«مرحلة ما بعد التّاریخ»، ویقولون إنّ مرحلة ما بعد التّاریخ تبدأ من حین اختراع الخط والکتابة، وعندما استطاع الإنسان أن یمسک القلم بیده ویکتب أحداث حیاته على الصفحات، وأمّا قبل ذلک فیسمى بمرحلة ما قبل التّاریخ.

ویجب أن لا نغفل عن أنّ هذه الآیة نزلت فی محیط جاهلی أکثر من أی محیط آخر، حیث لم یکن هناک من یهتم بالقلم والکتابة، ولم یصل عدد الذین کانوا یعرفون الکتابة فی مکة ـ وهی أکبر مرکز عبادی سیّاسی واقتصادی فی الحجاز حسب قول بعض العلماء ـ إلى أکثر من عشرین شخصاً!

فالقَسَم بالقلم فی مثل هذا المحیط له من العظمة والجلال الکبیرین مالا یخفى!

ومن فلسفة القسم فی القرآن هو أنّه کان یحفز المسلمین على التأمل فی الأمور التی یُقسَمُ بها، وفی هذه الآیة کان الأمر کذلک، فصار ذلک سبباً فی اتساع أمر القراءة والکتابة والتّألیف وترجمة کتب المجتمعات الاُخرى، وانتشار العلوم فی العالم الإسلامی.

وتعتبر الآیة الثّانیة، من أولى الآیات ـ طبقاً للرأی المشهور ـ الّتی نزلت على قلب النّبیّ الطّاهر فی جبل النور فی غار حراء، وکانت أولى ومضات الوحی، ولذا فإنّها إشارة إلى أَهم المسائل، فعندما یأمر تعالى الرسول الأکرم(صلى الله علیه وآله) بتلاوة آیات القرآن، یقول له: (اِقْرَأْ وَرَبُّکَ الاَکْرَمُ * الَّذِى عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الاِنْسَانَ مَالَمْ یَعْلَمْ).

وبهذا فإن أوّل وصف لله تعالى بعد الرّبوبیّة والکرامة هو وصف التّعلیم بواسطة القلم وهو منبع تعلیم «مالم یعلم».

ومن هنا فإنّ بدایة الوحی نشأت مع بدایة الحرکة العلمیّة، وهذا المعنى عمیق ودقیق ومربٍّ لکل مسلم.

فمثل هذه العبارات، حفّزت المسلمین باستمرار على الإهتمام بالکتاب والمکتبات وتعلم العلوم والمعارف، وإذا کانت الرّوایات قد صرحت بأن «مداد العلماءِ أفضل من دماءِ الشُهداءِ»، فإنّ ذلک من أجل أن أسس دماء الشهداء مبتنیة على المعارف والعقائد التی تنبع أساساً من القلم، کما أنّ سند بقاء دماء الشهداء هو مداد أقلام العلماء.

إنّ تفاهم النّاس فیما بینهم وانتقال الأفکار ینحصر فی طریقین عادة: البیان والقلم، مع تفاوت بینهما وهو أنّ البیان وسیلة للارتباط بین الحاضرین فی مکان وزمان واحد، أمّا الارتباط بالقلم فلا ینحصر فی الحاضرین، وإنّما یعتبر القلم وسیلة للارتباط بین أبناء الأجیال والعصور المختلفة وفی الأمکنة المختلفة، فهو یربط أهل القرون السّابقة بالقرون السائدة واللاحقة، ولذلک یقول أحد العلماء: «بیانُ اللِّسان تُدرِسُهُ الأعوام وما تُثبتُهُ الأقلام باق على مرِّ الأیّام».

وکذلک قال بعض العلماء: «ینبغی أن لا تسقط برایا الأقلام تحت الأقدام، فإنّها محترمة أیضاً!».

والنّکتة الملفتة للنّظر هی أنّه کما أنّ البیان من خصوصیات الإنسان، فإنّ القلم أیضاً من مختصاته، بل إنّ القلم أعقد بکثیر من البیان باللِّسان، ولیس عبثاً أن یکون أمرُ تعلیم الکتابة بالقلم من قبل الله نفسه ـ بشکل مباشر بواسطة أحد الأنبیاء (آدم أو إدریس) أو بطریق غیر مباشر، أی منح موهبة وقابلیة القراءة والکتابة للبشریة ـ من أکبر النعم الإلهیّة على الإنسان، وأنّ الآیات القرآنیة الأولى للوحی قد استندت إلى القلم، وأشارت إلیه بعد الإشارة إلى عظمة الله.

وفی الآیة الثّالثة وهی مقطع من أطول آیات القرآن المجید، والنّاظرة إلى تنظیم العلاقات الیومیّة بین النّاس، نجد اهتماماً خاصاً بمسألة القلم، یقول عزّوجلّ: (وَلْیَکْتُبْ بَّیْنَکُمْ کَاتِبٌ بِالْعَدْلِ) ثُمّ یضیف: (وَلاَ یَأْبَ کَاتِبٌ أَنْ یَکْتُبَ کَمَا عَلَّمَهُ اللهُ فَلْیَکْتُبْ وَلُْیملِلِ الَّذِی عَلَیهِ الحَقُّ...).

فهنا تعتبر الآیة أنّ القدرة على الکتابة موهبة إلهیّة، ویوصی أولئک الّذین شملتهم هذه العنایة الرّبانیّة أن یعینوا أولئک الاُمیین لإحقاق حقوقهم، فیستفیدوا من هذه القدرة ویکتبوا لهم.

 

والظّریف هو أنّه جاء فی بقیة هذه الآیة: ( وَلاَ یُضارَّ کَاتِبٌ وَلاَ شَهِیْدٌ ) أی لا ینبغی أن یتضرر کاتب أو شهید، فإن وسّعنا مفهوم هذه الآیة الّتی وردت فی مورد خاص (وهو کتابة وثیقة القرض) أی لو ألغینا الخصوصیة وألحقنا بها الموارد الاُخرى التی یمکن الاستفادة فیها من موهبة الکتابة لإعانة أفراد المجتمع، وکذلک عدم إضرار الکتّاب، وبعبارة أُخرى حفظ حریة القلم، نصل إلى نکتة مهمّة وصلت إلیها البشریّة بعد قرون من نزول هذه الآیة، مع أنّها تواجه مشاکل عدیدة فی تطبیق ذلک عملیّاً.

وفی الآیة الخامسة، یذّم القرآن المجید أولئک الّذین یخالفون الآیات الإلهیّة، ویحاججهم ویطالبهم بالمبررات المنطقیة التی دعتهم إلى ذلک، یقول عزّوجلّ: (وَمَا آتَیْنَاهُمْ مِّنْ کُتُب یَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَیْهِمْ قَبْلَکَ مِنْ نَّذیر).

وبالرغم من أن المراد من الکتب، الکتب السّماویة، ولکن ماذکر من موضوع الکتاب ودراسته وتعلمه فی هذه الآیة إلى جانب إرسال الأنبیاء، وأنّ الکتاب أحد الدلیلین المعتبرین، یکفی لمعرفة أهمیّة ودور الکتاب، ونظیر هذا المعنى نجده فی سورة القلم، فی مقام المؤاخذة وذم منکری الإسلام والقرآن، حیث یقول تعالى:(أَمْ لَکُمْ کِتَابٌ فِیهِ تَدْرُسُونَ).   (القلم / 37)

وهذا إشارة إلى أنّ الکتاب یمکن أنْ یکون فی عدّة موارد سنداً معتبراً یُستند إلیه فی الإحتجاج.

والحقیقة أنّ اعتماد القرآن المجید على مسألة الکتاب والکتابة فی مورد الکتب السّماویة للأنبیاء سواءً فی أمور الدّنیا، أو فی صحیفة الأعمال والمحکمة الإلهیّة، کلها تبیّن أهمیّة هذا الموضوع من وجهة نظر القرآن والإسلام.

 

تمهید:1 ـ أهمیّة الکتاب والقلم فی الرّوایات
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma