جمع الآیات و تفسیرها

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن (الجزء العاشر)
الحکومة الإسلامیّة والسّلامالنَّتیجة:

تدعو الآیة الاُولى المؤمنین فی کل العالم إلى الصّلح والسّلام والاستقرار، وتعتبر الحرب من مؤامرات ومخططات الشّیطان، یقول تعالى:

(یَا اَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِى السِّلْمِ کَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّیْطَانِ إِنَّهُ لَکُمْ عَدُوٌّ مُّبِینٌ).

فمن جهة تخاطب الآیة المؤمنین، وهذا یدلّ على أنّ السّلام والصّلح لا یتحقق إلاّ فی ظل الإیمان.

ومن جهة أخرى، فإنّ الإعتماد على مصطلح «کافَّة» یدلّ على عدم وجود أی استثناء فی قانون الصّلح، وأنّ الحرب أمرٌ مخالف لتعالیم الإسلام والقرآن، ولا یمکن تصورها إلاّ بشکل مفروض.

ومن جهة ثالثة، فإنّ التعبیر «بخطوات الشیطان» إشارة لطیفة إلى أنّ أسباب الحرب تنشأ بشکل تدریجی وأنّ شیاطین الجنِّ والإنس یسوقون النّاس خطوة خطوة نحو

الإقتتال، وکما ورد فی المثل المعروف «بَدْو القِتال اللّطام» أی الصفعه، ولذا ینبغی إخماد نار الحرب فی مراحلها الأولى.

ومن جهة رابعة، یستفاد من الآیة أنّ کلّ عمل یؤدّی إلى عرقلة عملیة السلام والصلح، إنّما هو عمل شیطانی، ولم لا یکون کذلک والحال أنّ الحرب نارٌ محرقة تأکلُ کلّ القوى والطّاقات المادیّة والمعنویة البشریّة وغیر البشریّة وتحیلها إلى رماد، وخاصّة فی مثل عصرنا الحاضر والذی تکون الحروب فیه أفضع وأکثر تخریباً وخسارة من الحروب السابقة، وطبقاً للحسابات والاحصائیات فإنّ جبران الخسائر النّاجمة من بعض الحروب تستغرق أحیاناً قرناً من الزمن، وهذا بالنسبة إلى الخسائر المادیة فقط، أمّا الخسائر البشریّة فهی غیر قابلة للتعویض والجبران أبداً.

وقد یکون ذلک هو السّبب فی أنّ الملائکة اعتبروا أنّ من أهم العیوب فی الإنسان هو إراقته للدّماء والحروب المدمرّة، وذلک عندما قال تعالى: (إِنّىِ جَاعِلٌ فِى الأَرْضِ خَلِیفَةً)فکان جواب الملائکة: (قَالُوا اَتَجْعَلُ فِیهَا مَنْ یُفْسِدُ فِیهَا وَیَسْفِکُ الدِّمَاءَ).   (البقرة / 30)

فیتضح أنّه لا عیب أقبح من هذا العیب.

وما ینبغی التّأمل فیه هنا هو أنّ أرباب اللّغة صرّحوا بأنّ «السِلم» و«السَلَم» کلاهما بمعنى «الصّلح» وقد اُخذا من مادة «السّلامة» وإن أحد أسماء الله تعالى هو «السلام»، وذلک لإنّ ذاته المنزهة هی مصدر الصّلح والإستقرار والسّلامة، وطبقاً لما ورد فی «التحقیق» فإنَّ مادة «سِلْم» فی الأصل ما یقابل «الخصومة» ولازمها الخلاص من الآفات والبلایا والوصول إلى السّلامة والعافیة، وإنّما سُمی الإسلام (إسلاماً) لأنّه منشأ الصّلح والسّلامة فی الدّنیا والآخرة، (والسُلَّمْ) هو الآلة التی یصل بها الإنسان سالماً إلى النقاط العالیة ثم یعود کذلک.

والعجیب أن بعض المفسرین الکبار فسّروا «السِّلْمَ» فی هذه الآیة بتفسیرات لا تتناسب مع ظاهر الآیة.

وفی الآیة الثّانیة، إشارة إلى جماعة من الّذین یحاربون المسلمین، یقول عزوجلّ: (وَاِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَکَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّه هُوَ السَّمِیعُ الْعَلِیمُ).

والمهم هنا هو أنّ هذه الآیة فی سورة الأنفال وردت بعد آیة شریفة تأمر المسلمین بالإستعداد الدّائم وتهیئة کافة أنواع القوى لإخافة الأعداء.

أی أنّ الهدف الأصلی لیس هو الحرب، بل من أجل تقویة دعائم الصّلح أیضاً، إذ لو لم یکن المسلمون مستعدین تماماً، لسیطرت الروح الاستعماریة والتسلط على تفکیر العدو.

والنّکتة المهمّة الاُخرى هنا هی استخدام لفظ «جَنَحُوا» المأخوذة من مادة (جَناح) بمعنى الخضوع والرّغبة والتّحرک نحو الشیء، ومفهومها التّرغیب فی قبول حتّى المحادثات الأولیّة للصّلح.

والتّعبیر بـ «توکّل على الله» قد یکون إشارة إلى أنّ بعض المسلمین أخذ یروّج أنّ رغبة العدو فی الصّلح إنّما هی خدعة منهم، ولذا خالفوا ذلک، أو على الأقل دبّت فیهم بعض الوساوس.

فالقرآن یخاطب الرّسول الکریم ویأمره بعدم الأخذ بآراء هؤلاء ووساوسهم إذا ما رغب العدو فی الصّلح، وإنّما علیه أن یتوکل على الله ویجنح للسّلم مع رعایة موازین الإحتیاط اللازم.

فهذه الآیة من الآیات التی توصی الحکومات الإسلامیّة باتخاذ الرّغبة فی الصّلح أصلا أساسیاً فی سیاساتها، وما قاله البعض من أنّ هذه الآیة نسخت بآیات الجهاد(1) لا أساس له، إذ لا دلیل علیه، حیث لا تنافی بین آیات الجهاد وهذه الآیة، فلا ضرورة للقول بالنسخ.

وفی الآیة الثّالثة إشارة إلى مجموعة من الکفّار من أنصار الحرب، حیث تقول: (فَاِنِ اعْتَزلُوکُمْ فَلَمْ یُقاتِلُوکُمْ وَ اَلْقَوا إِلَیْکُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللهُ لَکُمْ عَلَیْهِمْ سَبیِلا).

وتعبیر (فَمَا جَعَلَ اللهُ لَکُمْ عَلَیْهِمْ سَبِیلا) تأکید کاملٌ على قبول دعوة الصّلح التی تقدم بها العدو، ذلک الصّلح العادل الحقیقی لا الصّلح الکاذب الذلیل.

وذکر فی سبب نزول هذه الآیة، إنّها تحکی عن طائفة «الاشجع» حیث جاء جمع منهم بزعامة مسعود بن رجیله إلى مقربة من المدینة، فأرسل الرسول(صلى الله علیه وآله)ممثلین عنه إلیهم للتّعرف على نوایاهم من هذا السّفر، فقالوا:

جئنا للتّعاقد مع محمّد على ترک المخاصمة (وأن نکون على حیاد فی نزاعکم مع الآخرین). فأمر رسول الله(صلى الله علیه وآله)أن یأخذوا إلیهم مقداراً من الّتمر بعنوان الهدیّة، ووقع على عقد ترک التّعرض معهم.

ومن البدیهی أنّ مفهوم الآیة قانون کلّی عام وخالد، وإن کان سبب نزولها مورداً خاصّاً، لإنّنا نعلم بأنّ سبب النّزول لا یحدد مفهوم الآیات العام.

وفی الآیة الرّابعة، حدیث عن الحروب المحتملة فی داخل الدّولة الإسلامیّة بین الاجنحة المتخاصمة، أی طوائف من المؤمنین، ففی الآیة أمرٌ أکید على إقرار الصّلح بینها، فإن أُغلقت کلّ الطّرق إلاّ قتال الفئة الباغیّة لتحقیق الصّلح والسّلام، کان ذلک واجباً على المؤمنین، یقول تعالى:

(وَإِنْ طَائِفَتانِ مِنَ الْمُؤمِنیِنَ اقْتَتَلُوا فَاَصْلِحُوا بَیْنَهُمَا) ثُمّ یضیف (فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الاُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِى تَبْغى حَتّى تَفِىءَ إِلَى اَمْرِ اللهِ)، وفی الختام یعود إلى مسألة الصّلح ویقول:(فَاِنْ فَاءَتْ فَاَصْلِحُوا بَیْنَهُما بِالْعَدْلِ وَاَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ یُحِبُّ الْمُقْسِطِینَ).

فالمستفاد من صدر الآیة هو أنّ ترک الخصام وإقرار الصّلح داخل الدّول الإسلامیّة أصل أساسی أیضاً، ولذا فإنّ الشّارع جوّز القتال باعتباره آخر الحلول المتصورة لتحقیق هذا الهدف!

ویستفاد من ذیل الآیة أنّ الصّلح لابدّ أن یکون عادلا ومن موقع القوّة، لا أنْ یکون جائراً
ومن موقع الضّعف والإستسلام، إذ إنّ مثل هذا الصّلح الأخیر یکون دائماً متزلزلا وغیر ثابت ویُربّی فی داخله نطفة الحرب.

 

والنّکتة المهمّة هنا هو أنّه ورد التعبیر فی الآیة بـ «العدل» أحیاناً، واُخرى بتعبیر «القسط»، وعلى رأی الرّاغب الأصفهانی، فالعدل لفظ یحمل مفهوم المساواة، و«القسط» یعنی «النّصیب العادل» (غایة الأمر، إذا جاء هذا المصطلح بصیغة الثّلاثی المجرّد فإنّه یعنی أخذ نصیب الآخرین، وعلیه فإنّه یعطی مفهوم الظّلم، وتارة یستعمل على وزن أفعال ـ أقساط ـ ومفهومه إعطاء نصیب وسهم الآخرین، وحینئذ یحمل معنى العدالة).

وطبقاً لهذا البیان، وتعبیرات اُخرى للراغب، فإنّ کلمة «القسط» و«العدل» واحدٌ من حیث المعنى والمفهوم، ولکن یمکن أنْ یکون بینهما فارق وهو أنّ مصطلح «القسط» و«الإقساط» یستعمل فی الموارد التی یشترک فیها جماعة إذا اُعطی لکل واحد منهم نصیبه الکامل فذلک القسط، وإلاّ فهو «الجور».

وأمّا «العدالة» التی یُقابلها «الظّلم» فإنّ لها مفهوماً أوسع من ذلک فهی تستعمل فی موارد الشّرکة وفی غیر موارد الشّرکة، وعلیه، فإن کان مالٌ حقاً مُسَلَّماً لشخص ما، وأُعطی ذلک الحقّ فتلک هی العدالة وإن أُخذ ذلک الحق منه فهو «الظلم»(2).

والآیة الخامسة ناظرة إلى الخلافات الشخصیة الخاصة، فتأمر بإقرار الصلح بین الرجل والمرأة إذا برزت الخلافات بینهما، یقول تعالى: (وإِنِ امرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَو إِعَراضًا فَلاَ جُنَاحَ عَلَیِهمَا أَن یُصلِحَا بَینَهُمَا صُلحًا وَالصُّلحُ خَیرٌ).

وعلى الرّغم من أنّ مورد الآیة هو الصّلح فی الخلافات الزوجیة، ولکن مفهوم العبارة واسع جدّاً یشمل کل صلح وصفاء بین شخصین أو مجموعتین أو شعبین ودولتین. (تأملوا جیداً).

والملفت للنّظر هو أن الصّلح الوارد فی هذه الآیات المتعاقبة ورد فی ثلاث صور هی:

 

 

الصّلح بین المسلمین وأعدائهم الّذین یرغبون فی الصّلح.

والصّلح بین المجامیع المتخاصمة من المسلمین أنفسهم.

والصّلح بین فردین متنازعین.

إنّ الصّلح العادل الشّریف مطلوب بکل أشکاله، حیث الإسلام یدافع عن مثل هذا الصّلح، ومسئوولیة الحکومة الإسلامیّة هی تقویّة أُسس الصّلح فی هذه المراحل الثّلاثة أیضاً.

والآیة السّادسة التی لا تشیر إلى مسألة الصّلح بشکل مباشر ولکنّها تحمل رسالة بیّنةً بشکل غیر مباشر فی هذا المجال، إذ إنّها تقول فی ذم بعض المنافقین (إنّ له ظاهراً خادعاً) وعندما یخرج من عندک: (وَاِذَا تَوَلَّى سَعَىَ فِى الأَرْضِ لِیُفْسِدَ فِیهَا وَیُهْلِکَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لاَ یُحِبُّ الْفَسَادَ).

وفی الآیة اللاحقة فی نفس هذه السّورة یُهددَّ أمثال هؤلاء الأشخاص بالعذاب الإلهیّ الألیم، ومن الطّبیعی، فإنّ الحروب لا تثمر إلاّ الفساد فی الأرض وهلاک الحرث والنّسل والأموال سواءً المزارع وحقول تربیة الحیوانات وغیر ذلک، ولذا فإنّها منفورة فی نظر الإسلام، ومالم یکن هناک موجب ومسوغ مشروع للحرب، ینبغی الإنتهاء عنها، وبعبارة اُخرى (الصّلحُ أصلٌ والحرب استثناء).


1. راجع تفسیر الکبیر، ج15، ص187.
2. وفی الواقع أن النّسبة بینهما هی نسبة العموم والخصوص المطلق، فللقسط مفهوم خاص یستعمل فی موارد الشّرکة فقط، والعدالة مفهوم أوسع یشمل غیر موارد الشّرکة.
الحکومة الإسلامیّة والسّلامالنَّتیجة:
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma