لا شک فی أنّ کثیراً من الاُمور التی ذکرت فی فلسفة السجن أمور معقولة، وفی الواقع یعتبر السجن تبعاً لتلک الاُمور ضرورة اجتماعیة، سواء کان لمعاقبة المجرمین أو کان لإصلاحهم وتأدیبهم، أو کان لقطع خطرهم أو قطع جذور الفساد وغیر ذلک من المسوغات، وقد وردت إشارات عدیدة لهذا المعنى فی القرآن المجید.

ولا یخفى أنّ الألفاظ التی تدل على مفهوم «السجن» کثیرة فی لغة العرب وقد استعملت فی القرآن والسنّة الشریفة، وبعض تلک الألفاظ بشکل واضح الدلالة على هذا المعنى، وبعضها قابل للبحث والنقاش.

ومن جملة المصطلحات، لفظة «السجن» التی وردت فی تسعة موارد فی آیات القرآن الکریم فی سورة یوسف بمناسبة حبس هذا النبی الکریم الطاهر «بنفسها أو بمشتقاتها». واستعملت فی مورد واحد فی قصة فرعون فی سورة الشعراء حیث خاطب فرعون موسى(علیه السلام) مهدداً ایّاه بالسجن وحکى هذا القول القرآن الکریم بقوله تعالى: (قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ اِلَهاً غَیْرِى لاََجْعَلَنَّکَ مِنَ الْمَسْجُونِینَ).   (الشعراء / 29)

فمن هذه التعبیرات یُستفاد أنّ السجن بمعناه الواقعی کان موجوداً فی عصر موسى وفرعون، وحتى قبل ذلک أی فی زمن یوسف وعزیز مصر، فکانوا یودعون المذنب والبریء

فی السجن بحیث إنّ بعض السجناء کان یبقى سنوات عدیدة حتى یأتی علیه النسیان.

والمصطلح الآخر هو «الحبس» الذی استعمل فی القرآن الکریم فی موردین، ولکن لیس فی معنى السجن، وإنّما استعمل فی هذا المعنى فی الأحادیث الإسلامیة کثیراً(1).

مصطلح «الإمساک» الذی استعمل فی مورد واحد فی القرآن المجید بمعنى السجن، وهو مورد النساء اللاتی یأتین الفاحشة، وذلک قبل نزول حکم حدِّ الزنا (الجلد)، وقد ورد هذا التعبیر فی الآیة 15 من سورة النساء وسیأتی تفصیل الکلام عنه لاحقاً.

مصطلح «النفی» عن «الأرض» الذی ورد فی الآیة 33 من سورة المائدة وفسّره البعض بالسجن.

وکذا مصطلح «الإرجاء» الذی ورد فی سورة الأعراف الآیة 111 فی قصة موسى وفرعون، حیث یعتقد البعض أنّه بمعنى السجن، وذلک عندما اقترح ملأ فرعون علیه أن یرجیء موسى وأخاه هارون حتى یجمع السحرة، قال تعالى: (قَالُوا اَرْجِهْ وَاَخَاهُ وَ اَرسِلْ فِى الْمَدَائِنِ حَاشِرِینَ).

ولکن أغلب المفسرین لم یفسر الإرجاء بهذا المعنى، بل قالوا إنّ معناه التأخیر، وبالالتفات إلى المعجزات التی جاء بها موسى أمام فرعون، واستعداد فرعون لنزال السحرة مع موسى، یستبعد جدّاً أن یکون فرعون قد حبس موسى وهارون(علیهما السلام).

وعلى أیّة حال، فإنّ المتیقن أنّه یوجد فی القرآن المجید مورد واحد على الأقل من موارد حکم السجن، وکما أشرنا آنفاً فإنّه ذکر بعبارة «الإمساک» حیث یقول عزوجل: (وَالَّلاتِى یَأْتِینَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسائِکُمْ فَاستَشْهِدُوا عَلَیْهِنَّ أَربَعَةً مِّنْکُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَاَمْسِکُوهُنَّ فِى الْبُیُوتِ حَتَّى یَتَوفَاهُنَّ الْمَوتُ أَوْ یَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِیلا).   (النساء / 15)

والمعروف بین المفسرین هو أنّ هذه الآیة ناظرة إلى عقاب النساء اللاتی یرتکبن الزنا، قبل نزول حکم حدِّ الزنا وهنا ذکر حکمهن وهو السجن المؤبد، وإن تبدل هذا الحکم فیما بعد إلى حکم الجلد أو الرجم.

وجملة (أَمْسِکُوهُنَّ فِى الْبُیُوتِ حَتَى یَتَوفَاهُنَّ الْمَوتُ) وإن لم یذکر لفظ السجن فیها، ولکن الإمساک فی البیوت إلى آخر العمر أمرٌ شبیه بالسجن.

وهذا هو المورد الوحید المتحقق فی القرآن حول حکم السجن.

1. راجع کتاب میزان الحکمة ج2 ص246 ـ 251 للاطلاع على تلک الأحادیث، حیث ذکرت أبواب مختلفة فیمن یجوز حبسه ومن یحکم علیه بالحبس المؤبد وکذلک حقوق المحبوسین وموارد حرمة الحبس.