عدّة نکات مهمّة فی التعزیرات الإسلامیة:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن (الجزء العاشر)
وتوضیح ذلک:تمهید:

1 ـ وحدة القرار

إنّ حرّیة القضاة فی تعیین مقدار التعزیر وإن کانت امتیازاً ونقطة قوة مضیئة تمنحهم إمکان تعیین التعزیرات المناسبة للمجرمین کلٌ بحسب جرمه، ولکن هذه المسألة تصیر سبباً أحیاناً فی اختلاف القضاة فی المناطق المختلفة فی کمیة التعزیرات للجرم الواحد، وهذا الأمر لم یکن یشکل مشکلة فی الزمن الماضی حیث کانت المناطق متصلة بعضها عن البعض الآخر، ولکن الیوم وبالالتفات إلى الاتصالات السریعة والواسعة بین المناطق المختلفة، یشکل ذلک مشکلة حقیقیة.

ولهذا الدلیل، فلا مانع من أن یجلس أهل النظر والقضاة البارعون فی جلسات مشترکة لتعیین حدود للتعزیرات، ولکن ینبغی أن لا تکون تلک التعزیرات معینة وإنّما کحد أعلى وحدٍّ أدنى کالحبس والغرامة المالیة والعقوبات الإسلامیة وامثال ذلک لتکون التعزیرات على نسق واحد فی المناطق المختلفة.

وهذا الأمر ینسجم تماماً مع الموازین الإسلامیة، وعلى أقل تقدیر یمکن الاستدلال على مشروعیته بالعناوین الثانویة.

2 ـ عدم اقتصار التعزیر على الجلد

التعزیر ـ وکما أسلفنا ـ له معنى واسع یشمل کل ردع وتأدیب، ولا یوجد أی دلیل على أنّ هذا المعنى قد تغیّر فی الشرع الإسلامی المقدس أو فی اصطلاح الفقهاء (وبالاصطلاح لیس له حقیقة شرعیة أو متشرعیة)، کما أنّه لم ینقل إلى معنى جدید فی اصطلاح الفقهاء، وإن کان کثیر من الفقهاء وتبعاً للروایات اعتمدوا على مصداق خاص منه (الجلد)، ولکن بیان هذا المصداق المعروف لا یُعدُّ دلیلا على انحصار مفهوم التعزیر بالجلد، وإن توهّم بعضٌ أنّ التعزیر مساو للضرب والجلد.

ولکن التحقیق والتدقیق فی کلمات الفقهاء یثبت بطلان هذا التصور.

یقول العلاّمة الحلّی ـ قدس سرّهُ الشریف ـ فی «التحریر» بعد أن یبیّن أنّ التعزیر ورد للجنایات والذنوب التی لم یرد فیها حدٌّ معین:

«وَهُوَ یَکُونُ بِالضَّرْبِ وَالحَبْسِ وَالتُّوبِیخِ مِنْ غَیْرِ قَطْع وَلا جَرْح وَلا أَخْذِ مال»(1).

ویقول فی کتاب «الْفقه على المذاهب الأربعة» بعد نقل کلام «ابن القَیِّم» وإن ظاهر عبارته أن الحاکم له تعزیر المجرمین بأی طریقة یرى فیها الصلاح ـ سواءً الحبس أو الضرب ـ : «وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّ التَّعزِیرَ باب واسع یُمْکِنُ لِلْحاکِمِ أنْ یَقْضی بِهِ عَلَى کُلِّ الْجرائم الَّتی لَمْ یَضَعِ الشّارِعُ لَها حدّاً أَوْ کَفّارَةً عَلَى أنْ یَضَعَ العقُوبَةَ المُناسِبَةَ لکلِّ بَیئة ولکلِّ جَرِیْمَةِ مِنْ سَجْن أَوْ ضَرْب أَوْ نَفی أَوْ تَوبیخ أَوْ غَیْرِ ذلِک»(2).

هذهِ مقتطفات من کلمات فقهاء الخاصة والعامة.

ومضافاً إلى ذلک، فإنّ روایات کثیرة وصلتنا فی ابواب مختلفة من الفقه، تدلُّ بوضوح على سعة معنى مفهوم ومصداق التعزیر یطول المقام بذکرها هنا، ومن رغب فی الوقوف علیها لابدَّ له من مراجعة بحث التعزیر فی کتاب الحدود والتعزیرات.

ومن مجموع ماورد فی کتب «اللغة» و«کلمات الفقهاء» و«الروایات الإسلامیة» فی أبواب الفقه المختلفة، یمکن الاستنتاج بوضوح أن الحاکم الإسلامی غیر مقید بانتخاب نوع معین من أنواع التعزیر، والموارد ادناه کلها من جملة التعزیرات، بشرط رعایة حال المجرم والمحیط الاجتماعی وکمیة وکیفیة الذنب وسائر الجهات:

1 ـ الضرب باشکال مختلفة.

2 ـ الحبس بکیفیة وکمیة متفاوتة.

3 ـ الغرامة المالیة، أی أخذ مقدار من المال، وتوقیف أموال المجرم لمدة معینة (کحجز سیارات المتخلفین عن قوانین المرور).

4 ـ التوبیخ العلنی والسرّی.

5 ـ النفی إلى منطقة اُخرى لمدّة طویلة أو قصیرة، وترک المراودة، أو ترک التعامل مع المجرمین.

6 ـ المنع من السفر إلى خارج البلدة، أو الدولة، أو حتى الإقامة الجبریة فی المنزل.

7 ـ المنع من التکسب والاشتغال لمدّة معینة.

8 ـ حرمانه من العمل فی بعض المناصب، والحقوق الاجتماعیة.

9 ـ التشهیر بالمجرم عن طریق وسائل الاعلام بشکل محدود أو موسع.

10 ـ حرمانه من بعض الامتیازات، کمنعه من ارتداء زی الروحانیین، بالنسبة إلى الأفراد الذین یرتدون ذلک الزی.

واُمور اُخرى یمکنها أن تردع المتخلفین والمجرمین، وتحدَّ من تکرار تلک الذنوب من قبلهم ومن ارتکابها من قبل الآخرین.

3 ـ معنى تخییر الحاکم فی التعزیرات

هناک کلام طویل بین الفقهاء فی مقدار التعزیرات التی یُخیّر فیها القاضی، ولکنهم متفقون على أن التعزیر لابدّ أن یکون اقلَّ من الحدِّ وإن اختلفوا فی الحدِّ الذی لابدّ أن یکون التعزیر أقلَّ منه، وهل هو حدُّ الزنا، أم أقل الحدود، أم أنّه یتناسب مع الذنب المرتکب؟

وما ینبغی التنبیه علیه هنا هو أنّ المراد من تخییر القاضى فی انتخاب کمیة وکیفیة التعزیر، لا یعنى أنّه یتبع میوله الشخصیة فی ذلک، بل المراد فی التخییر هو فسح المجال

للقاضی لکی یأخذ بنظر الاعتبار مناسبات «الجرم» و«الجریمة» من کل الجهات، فالقاضی وإن کان ظاهراً مخیرٌ فی تعیین التعزیر إلاّ أنّه فی الحقیقة لیس مخیراً، لأنّه یُعیّن لکل جرم مقداراً من العقوبة یتناسب مع ذلک الجرم، بمعنى أنّ الجرم إذا کان یقتضی الحبس لمدة شهر من الزمان، أو عشرین جلدة فلا یمکنه زیادة تلک المدّة أو عدد الجلدات حتى یوماً واحداً أو جلدة واحدة، أو فلساً واحداً فی الغرامة المالیة.

4 ـ التعزیرات فی القرآن الکریم

ذکرت فی القرآن الکریم بعض موارد التعزیر یمکن أن تکون نموذجاً للحکم الکلی الإسلامی:

أ) قصة المتخلفین عن غزوة تبوک

وتوضیحه: نقرأ فی قوله تعالى:

(وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِینَ خُلِّفُوا حَتَّى اِذَا ضاقَتْ عَلَیْهِمُ الاَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَیْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا اَنْ لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللهِ اِلاَّ إِلَیْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَیْهِمْ لِیَتُوبُوا اِنَّ اللهَ هُوَ التَّوابُ الرَّحِیمُ).   (التوبة / 118)

فقد بُیِّنَ فی هذه الآیة بنحو الإشارة، وفی الروایات والتفاسیر بنحو التفصیل، التعزیر العجیب الذی مارسه النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) فی حق أولئک النفر الثلاثة الذین تخلفّوا عن غزوة تبوک (والذین لم یأتمروا بأمر رسول الله(صلى الله علیه وآله) وترکوا الجهاد بدون عذر وجیه).

وهؤلاء الثلاثة طبقاً لتصریح بعض الروایات هم «کعب بن مالک» و«مرارة بن ربیع» و«هلال بن امیّه»، ومع أنّهم لم یکونوا من المنافقین ولکنهم تخاذلوا عن الجهاد فی تبوک، ثم انتبهوا إلى أنّهم ارتکبوا ذنباً عظیماً، وندموا على ذلک.

وعندما رجع الرسول الکریم(صلى الله علیه وآله) من غزوة تبوک، جاء هؤلاء الثلاثة إلیه وقدموا الاعتذار، ولکن الرسول(صلى الله علیه وآله) لم یکِّلمْهُمْ وأمر المسلمین بأن لا یکلّموهم، فلم یکلّمهم أحدٌ

وقاطعهم الناس حتى أنّ نساءهم وأولادهم جاءوا إلى النبی(صلى الله علیه وآله)وطلبوا منه الرخصة فی الانفصال عنهم، فلم یسمح لهم الرسول(صلى الله علیه وآله)بالانفصال التامِّ عنهم وإنّما أمرهم بعدم مقاربتهم.

وعندما وجَدَ هؤلاء المتخلفون أنفسهم فی حصار اجتماعی رهیب وضاقت علیهم الآفاق على سعتها اضطروا إلى ترک «المدینة» هرباً من الفضیحة والذلّ، والتجأوا إلى الجبال فی أطراف المدینة، فکان أهلوهم یأتونهم بالطعام ولکن کانوا لا یکلمّونهم حتى بکلمة واحدة!

وحینئذ قال أحدُهم لصاحبیه: والآن وقد قاطعنا الناس تعالوا لیقاطع أحدُنا الآخر، فلعلَّ الله یقبل توبتنا!

وتحقق هذا الاقتراح عملیاً، وبعد خمسین یوماً من التضرع والتوبة إلى الله، قبلت توبتهم ونزلت الآیة الآنفة الذکر(3).

وبمختصر تدقیق فی هذه الحادثة التاریخیة العجیبة، یتضح لنا أنّ هذا الأمر فی الواقع نوع مهمّ من التعزیر، وإنّه سجن معنوی شدید مقترن بالتحقیر والتشهیر والطرد المؤقت من المجتمع، وقد ترک أثراً بلیغاً فی نفوس المسلمین وفی نفوس هؤلاء المجرمین الثلاثة، وصار سبباً فی ترک مثل هذهِ الذنوب فی المستقبل.

وهذهِ القصة شاهد حیٌّ آخر على عمومیة مفهوم التعزیر وعدم اختصاصه بالجلد بالسیاط، وتدلّ أیضاً على أنّ بعض أنواع التعزیرات لها تأثیر أقوى وأبلغ بکثیر من الجلد بالسوط، وإنّه یکون موجباً للنهی عن المنکر بشکل أوسع فی المجتمع.

ب) قصة ثعلبة

والمورد الآخر هو قصة أحد الأنصار (ثعلبة بن حاطب) والتی ورد ذکرها فی الآیات وهی قوله تعالى:

 

(وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصّدَّقَنَّ وَلَنَکُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِینَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَولَّوْا وَّهُمّ مُعرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِى قُلُوبِهِمْ إِلى یَوْمِ یَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللهَ مَا وَعَدُوْهُ وَبِمَا کَانُوا یَکْذِبُونَ * أَلَمْ یَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ یَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللهَ عَلاَّمُ الغُیُوبِ).   (التوبة / 75 ـ 78)

یعتقد کثیر من المفسرین أنّ هذهِ الآیات نزلت فی شأن أحد الأنصار واسمه «ثعلبة بن حاطب»، لقد کان هذا الرجل فقیراً، یأتی إلى المسجد دائماً ویطلب من رسول الله(صلى الله علیه وآله) أن یدعو الله أن یعطیه مالا کثیراً، فکان النبی(صلى الله علیه وآله) یقول له: «قلیلٌ تؤدّی شُکْرَهُ خیرٌ من کثیر لا تُطیقُهُ»، ولکن ثعلبة کان یصرُّ ویلِحُّ على النبی(صلى الله علیه وآله)، ویُقسم بأنّه سیؤدّی کل ما علیه من حقوق فیما لو أعطاه الله المال الکثیر، فاضطر النبی(صلى الله علیه وآله)إلى أن یدعو الله أن یعطیه مالا کثیراً.

لم تمض فترة طویلة إلاّ ومات ابن عمّ ثعلبة وکان غنیّاً، فورث ثعلبة ثروة طائلة، وکانت ثروته تزداد یوماً بعد آخر، فصار یملک قطعاناً من الأنعام.

وعندما حان موسم الزکاة بعث الرسول الأکرم(صلى الله علیه وآله) الجباة لجمع الزکوات، فلم یمتنع ثعلبة الذی ذاق لتوّه لذَّة المال عن دفع الحق الإلهی فحسب، بلْ أخذ یُشکل على أصل تشریع الزکاة أیضاً! وادّعى أنّها «شبیه الجزیة» التی تؤخذ من أهل الکتاب! (عاد مأمور رسول الله(صلى الله علیه وآله) صفر الیدین، فنزلت الآیات المذکورة أعلاه فی ذمِّ ثعلبة وبخله ونفاقه ونقضه العهد!).

نزول هذهِ الآیات بنفسه یُعدُّ تعزیراً شدیداً فی حقه، لأنّها فضحت افعاله القبیحة.

وطبقاً لبعض الروایات فإنّ ثعلبة ومن أجل استعادة حیثیته وجبر هذهِ الخسارة الاجتماعیة الفادحة، جاء بنفسه إلى رسول الله(صلى الله علیه وآله) وأعلن عن استعداده لدفع زکاة أمواله، ولکن رسول الله(صلى الله علیه وآله) رفض قبولها منه!

رَحَل رسول الله(صلى الله علیه وآله) إلى جوار ربّه، فجاء ثعلبة ثانیة إلى الخلیفة الأول لیؤدّی زکاة ماله، فلم یقبلها منه الخلیفة الأول!

وفی زمن الخلیفة الثانی والثالث جاء ثعلبة لیدفع زکاة أمواله، فکان جواب کل منهما له هو: لا نقبل منک لأنّ رسول الله(صلى الله علیه وآله) لم یقبل منک، ومات ثعلبة فی آخر أیّام خلافة عثمان(4).

ففی الآیات الآنفة الذکر، وإن لم یُصرَّح بمسألة التعزیر، ولکن نفس هذا الأمر (نزول الآیات فی ذم فعل ثعلبة وفضحه، ومعاملة الرسول الأکرم(صلى الله علیه وآله)والخلفاء لثعلبة بتلک الکیفیة)، یعتبر من مصادیق التعزیر، وقد ترک ذلک أثراً عمیقاً فی نفسه ونفوس الآخرین، ولا یراد من التعزیر إلاّ ردع المذنبین سواءً بالعقاب المادی أو المعنوی.

ج) آیة الایذاء

وکما أشرنا سابقاً، فإنّ القرآن قد أمر بمعاقبة الرجال والنساء (الذین لا أزواج لهم) ویرتکبون الزنا، حیث یقول تعالى: (والَّذَانِ یَاْتِیَانِهَا مِنکُم فَآذُوهُمَا...).   (النساء / 16)

فإن کان المراد من الایذاء هنا هو نفس الحدّ الشرعی الوارد فی الآیة 2 من سورة النور: (الزَّانِیَةُ والزَّانى..)، فحینئذ لا علاقة له ببحث التعزیرات بل یدخل فی بحث الحدود، ولکن متى ما قلنا أنّ المنظور من «الایذاء» هو العقاب بنحو مطلق والذی لیس له حدُّ وحدود معینة مذکورة وإنّه یرتبط بما قبل نزول حدِّ الزِنا ـ کما قاله جمع من المفسرین ـ فإنّه حینئذ سیرجع إلى التعزیرات، لأنّه عقاب غیر معین فی حق الزناة غیر المحصنین کان موجوداً فی الإسلام قبل تشریع حدّ الزنا.

وقد ذکر المرحوم «الطبرسی» فی مجمع البیان معنیین لجملة «آذوهما» کلاهما یتلائم مع التعزیرات، الأول: هو أنّ المراد منها توبیخهما بالألفاظ وضربهما بالنعل! والثانی: هو أنّ المراد منها توبیخهما بالکلام فقط(5).

د) آیة النشوز

نلاحظ فی القرآن الکریم حکماً یرتبط بالنساء الناشزات، ویعتبر هو الآخر من مصادیق التعزیرات، مع أنّ الأزواج قد اُمروا بمراعاة الاحتیاط فی إجراء هذا الحکم، یقول عزوجل:

(وَالَّلاتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِى المَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَاِنْ اَطَعْنَکُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَیْهِنَّ سَبِیلا).   (النساء / 34)

والمراد بالناشزات أولئک النسوة اللاتی یمتنعن عن أداء وظائف الزوجیة، واللاتی تظهر فیهنَّ علامات عدم الوئام المختلفة(6).

ففی الآیة أعلاه، ذکرت ثلاثة أنواع من التعزیر لمثل هؤلاء النسوة، الأول: الوعظ والنصیحة (ویجب أن لا ننسى بأنّ الوعظ فی کل مورد یعدُّ من مراتب التعزیر، لما له من الأثر الرادع)، الثانی: الهجر والابتعاد عنهُنَّ فی المضاجِع، الثالث: العقاب البدنی، وکل من المرحلتین الثانیة والثالثة إنّما تجری مع عدم نجاح المرحلة السابقة لها فی التأثیر.

فإن سُئلنا: هل یجری ذلک فی الرجل إذا نشز وطغى؟

قلنا فی الجواب: نعم! ولکن لما کان مثل هذهِ العقوبات خارجة عن طاقة النساء، فإنّها أوکلت إلى الحاکم الشرعی، فیکلف الحاکم بمعاقبة الرجال الناشزین بوعظهم ونصیحتهم أو ضربهم فی موارده.

وقصة الرجل الذی أجحف بحق زوجته ولم یقبل الرضوخ إلى الحق فأجبره الإمام علیّ(علیه السلام) على التسلیم بکل الطرق حتى اضطر إلى تهدیده بالسیف، معروفة.

ومن هنا یتضح الجواب عن السؤال الذی قد یخطر فی أذهان الکثیر من الناس عند ذکر هذهِ الآیة وهو: کیف یمکن أن یسمح الإسلام للرجال بضرب نسائهم، فی حین أنّ هذا الأمر یسیء إلى کرامة الإنسان وخصوصاً شریک الحیاة، وذلک:

«أولا»: أنّ المراد من الضرب والعقاب البدنی هنا لیس أن یأخذ الرجل السوط وینهال على زوجته ضرباً حتى یختلط لحمها بدمها، ولا أن یضربها بکفّه على وجهها حتى یسودّ وجهها، فإنّ کل ذلک غیر جائز فی شرع الإسلام المقدس، بل وعلیه الدّیة لو فعل ذلک، بل المراد هو الضرب الخفیف الذی لا یؤدّی إلى الجرح ولا إلى احمرار واسوداد الجسم، حتى قال بعض المفسرین فی توضیح الآیة: ضرب کضرب الید بالسواک! أو ما شابه ذلک ممّا یؤدّی إلى ایلامها، ولکن ینبغی أن لا یکون شدیداً فیجرحها.

«ثانیاً»: یجب أن لا ننسى أنّ النساء على أربعة أقسام:

القسم الأول: النساءٌ المؤمنات الصالحات، الواقفات على مسؤولیتهنَّ فی الأسرة وذلک على أثر اللیاقات الذاتیة والتربویة المکتسبة عندهُنَّ، ومثل هؤلاء النسوة لابدّ من احترامهن من قبل أزواجهن على أتمِّ وجه، وهُنَّ مصداق الآیة: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمعَرُوفِ).   (النساء / 19)

والقسم الثانی: أولئک النسوة اللاتی یتخلفن عن أداء وظائفهنَّ فی محیط الأسرة، فیتسبَبْنَ فی ایذاء أزواجهنَّ، ولکن تخلفهن لیس عمیقاً وفاحشاً، بل یمکن أن یتأثرن بالوعظ والنصیحة خوفاً من الله، ویرجعن إلى الحق لتقواهُنَّ، فهؤلاء مشمولات بقوله: (فعِظوهُنَّ)فی الآیة المذکورة.

والقسم الثالث: النسوة اللاتی یکون نشوزهُنَّ عمیقاً، ولا ینفع معهن الوعظ ولکن ولأرواحهنَّ الشفافة یؤثر فیهن الهجر، فانّهن لا یرغبن إلاّ فی العیش بصلح وصفاء، فهؤلاء یشملهنّ: (وَاهجُرُوهُنَّ فىِ المَضَاجِعِ).   (النساء / 34)

فیبقى القسم الرابع: فقط من النساء اللاتی یتمردنَّ على أزواجهن ویمتنعن عن أداء وظائفهنَّ، ویتمادَین فی غیهن وعنادهنَّ، ولجاجتهنَّ، فلا تقوى عندهن فتمنعهن عن ذلک، ولا وعظ ینفع ویؤثر فیهن، ولا هجر فی مضجع یکدِّر أرواحهن، فلا سبیل إلاّ الشدّة، ومن هنا فإنّ الإسلام فی هذا المورد فقط یجیز للزوج أن یؤدب زوجته بالضرب الخفیف ویعزّرها، وهذا الأمر رائج حتى فی المجتمعات الشرقیة والغربیة المعاصرة، حتى أنّ المعترضین على هذا القانون الإسلامی یمارسون ذلک بأنفسهم أیضاً فی مثل هذهِ الظروف والحالات، فمع تلک الظروف التی بیّناها لا یُعدُّ هذا الأمر عجیباً لا یتلائم مع احترام کرامة الإنسان.

 

«ثالثاً»: هذا الأمر لا یختص بالنساء، بل یشمل الرجال إذا ما نشزوا وامتنعوا عن أداء وظائف الزوجیة، وبنفس تلک المراحل المذکورة، ففی البدء لابدّ من وعظهم ونصیحتهم، فإن لم یؤثر ذلک، فالتعزیر المعنوی کالهجر وعدم الاکتراث بهم فی المجتمع حتى یرجعوا عن غیهّم، فإن لم یؤثر ذلک، فلابدّ من اتباع سبیل الضرب وأمثاله من العقوبات، ولکن وکما قلنا سابقاً: بما أنّ هذا العمل لایمکن للنساء القیام به وأنّ سلطة الرجل تحول دونه، أرجع الأمر إلى الحاکم الشرعی فهو المکلف بایقاف هؤلاء الرجال عند حدّهم.

وبالالتفات إلى النکات الثلاثة السابقة، لا نظن أن منصفاً یعترض على هذا الحکم ویدعی أنّه خلاف کرامة الإنسان.

ولابدّ من التنبیه إلى أنّه ورد فی ذیل هذهِ الأحکام الثلاثة مباشرة قوله تعالى: (فَإنْ أَطَعْنَکُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَیْهِنَّ سَبِیلا).   (النساء / 34)

 


1. التحریر، ج2، ص239.
2. الفقه على المذاهب الأربعة، ج5، ص 400.
3. تفسیر مجمع البیان; وتفسیر روح الجنان، ذیل الآیة مورد البحث; وسفینة البحار.
4. القسم الأول من هذهِ الروایة نقله کثیر من المفسرین، والقسم الأخیر منها ذکر فی تفسیر الکبیر، ج16 ص 138; وتفسیر روح الجنان، ج 6، ص 74.
5. تفسیر مجمع البیان، ج 3، ص 21.
6. «نشوز» من مادة «نشز» على وزن «نذر» وفی الأصل بمعنى الأرض المرتفعة، وإذا اطلق على أحد الزوجین کان معناه طغیان ذلک الزوج وامتناعه عن أداء وظیفته تجاه زوجه.

 

وتوضیح ذلک:تمهید:
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma