لو کانت الدنیا خالیة من الظّلمة الطّامعین والمعتدین والمتجاوزین، لما کان هناک أیّة ضرورة لوجود القوات المسلحة لحفظ الحدود، ولعاش النّاس فی بلادهم آمنین مطمئنین تربطهم روابط تجاریة وثقافیة وسیاسیة واجتماعیة واقتصادیة سالمة وطبیعیّة.

ولکن حب الإستعلاء والتّسلط الذی قد یوجد أحیاناً عند بعض الأفراد، وأحیاناً عند بعض الشعوب، یؤدّی غالباً إلى اعتداء هذا الفرد أو ذلک الشعب على فرد آخر أو شعب آخر، وفی مثل هذه الحالات یحق للجمیع أن یتسلحوا ویستعدّوا لحفظ أمنهم وحیاتهم، إذ إنّ النّظام الذی یحکم العالم الیوم وللأسف هو نظام الغلبة للقوی وهذا الأمر یبرر لنا فلسفة تشکیل القوى المسلحة وقوات الدفاع.

فصحیح أنّ وجود مثل هذه القوى لم ینجح بشکل کامل لمنع مثل هذه الإعتداءات العدوانیّة، ولکنّها بلا شک کانت ولا تزال مانعة بنسبة معینة من ذلک، إذ فی کثیر من الأحیان یتحتم على القوى المعتدیة أن تغامر وتخاطر بوجودها فی اعتدائها، حیث إنّ النتیجة لا تکون معلومة، فقد تتحمل خسائر جسیمة وتدفع ضریبة غالیة فی طریق الغلبة على البلد المعتدى علیه وهذا نفسه یمنع فی کثیر من الأحیان مثل هذه الإعتداءات والحروب.

ومضافاً إلى ذلک، فإنّ الأُمّة ذات الحضارة والثقافة والتی ترید الحصول على میدان حرٍّ لتنشر ثقافتها بین الأمم الاُخرى تحتاج إلى قوة عسکریة للحصول على ذلک الجو الحرِّ، ولا یمکنها ذلک بدون الإتکاء على القوة، وهذه فلسفة اُخرى لتشکیل القوى العسکریة.

ولو أردنا بحث هذه المسألة فی بعد أوسع، لابدّ أن نقول إنّ الحیاة غیر ممکنة بلا «جهاد»، إذ إنّ الکائن الحی یواجه دائماً فی طریق استمرار حیاته، بعض الموانع والصعوبات التی تهدد کیانه فی کل لحظة، وإذا لم یکن مجهزاً بقوة دفاعیة فسوف ینهزم بسرعة.

وجسم الإنسان وهو «عالَمٌ صغیر» یتجلى فیه العالم الأکبر، هذا الجسم نموذج بارز لهذه المسألة، وذلک لأنّ حیاة الإنسان مهددة دائماً بخطر التلوث «بالمیکروبات» و«والفایروسات» التی ترد البدن عن أربعة طرق (التّنفس، الأکل، الشّرب، والجلد إذا ما أصیب البدن بجراحات)، فلو لم یکن بدن الإنسان مزوداً بالقوى الدفاعیة المجهّزة، لابتلی بأنواع الأمراض الخطیرة التی تشلُّ حرکته وتقتله.

نعم، فکریات الدّم البیضاء تهب لمواجهة أی عدو خارجی یرد البدن، وتجاهده عن طریق حروب فیزیائیة وکیمیائیة، وحتى لو انتصر العدو مؤقتاً ومرض الإنسان، تستمر تلک الکریات بدفاعها حتى تتغلب على العدو وتؤمّن السلامة الکاملة للبدن.

وعدد هذه الخلایا الدفاعیة الموجودة فی بدن الإنسان یصل إلى عدّة ملایین کما یقول العلماء، وعند ملاحظة عمل هذه القوى یحتار عقل الإنسان حیث تحکی عن نکات عجیبة من أسرار الخلقة تجعل الإنسان یضطر للرکوع أمام قدرة الخالق عز وجلّ.

والمجتمع الإنسانی والدّول المختلفة غیر مستثناة عن هذا القانون العام، وتحتاج إلى إدامة حیاتها واستمرارها لقوى عسکریة مجهّزة ومتطورة.

وبعد هذه الإشارة نعود إلى القرآن الکریم.

ففی القرآن الکریم آیات عدیدة فی مجال الجهاد وفلسفته وأحکامه، وکذلک آثاره ونتائجه، وقد إنتقینا إحدى عشرة آیة من بین تلک الآیات:

1 ـ (اُذِنَ لِلَّذِینَ یُقَاتَلُونَ بِاَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِیرٌ * الَّذِینَ اُخْرِجُوا مِنْ دِیَارِهِمْ بِغَیْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ یَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْض لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِیَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَسَاجِدُ یُذْکَرُ فِیهَا اسْمُ اللهِ کَثِیراً وَلَیَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ یَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِىٌّ عَزِیزٌ).   (الحج / 39 ـ 40)

2 ـ (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَکُونَ فِتْنَةٌ وَیَکُونَ الدِّینُ کُلُّهُ لِلّهِ فَإِنِ انْتَهَوا فَإِنَّ اللهِ بِمَا یَعمَلُونَ بَصِیرٌ).    (الأنفال / 39)

3 ـ (وَاَعِدُّوا لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُمْ مِّنْ قُوَّة وَمِنْ رِّبَاطِ الْخَیْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّکُمْ).(الأنفال / 60)

4 ـ (إِنَّ اللهَ یُحِبُّ الَّذِینَ یُقَاتِلُونَ فِىِ سَبیلِهِ صَفّاً کَأنَّهُمْ بُنْیَانٌ مَّرْصُوصٌ).   (الصف / 4)

5 ـ (یَا أَیُّهَا النَّبِىُّ حَرِّضِ الْمُؤمِنینَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ یَکُنْ مِّنْکُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ یَغْلِبُوا مِائتَیْنِ وَإِنْ یَکُن مِّنْکُمْ مِّائَةٌ یَغْلِبُوا ألْفاً مِّنَ الَّذِینَ کَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ یَفْقَهُونَ). (الأنفال/65)

6 ـ (یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّکُمْ عَلَى تِجارَة تُنْجِیْکُمْ مِّنْ عَذاب أَلِیم * تُؤمِنُونَ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِى سَبِیلِ اللهِ بِأَمْوَالِکُمْ وَأَنْفُسِکُمْ ذلِکُمْ خَیْرٌ لَّکُمْ إِنْ کُنْتُمِْ تَعْلَمُونَ * یَغْفِرْ لَکُمْ ذُنُوبَکُمْ وَیُدْخِلْکُمْ جَنّات تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهارُ وَمَسَاکِنَ طَیِّبَةً فِى جَنَّاتِ عَدْن ذَلِکَ الْفَوزُ الْعَظِیمُ * وَاُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِیبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤمِنِینَ). (الصف / 10 ـ 13)

7 ـ (إِنَّ اللهَ إشْتَرَى مِنَ الْمُؤمِنینَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ یُقاتِلُونَ فِى سَبِیلِ اللهِ فَیَقْتُلُونَ وَیُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَیْهِ حَقَاً فِى التَّوراةِ وَالإِنْجِیلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَیْعِکُمُ الَّذِى بَایَعْتُمْ بِهِ وَذلِکَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ).   (التوبة/111)

8 ـ (یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ). (آل عمران / 200)

9 ـ (یَا أَیُّهَا النَّبىُّ جَاهِدِ الْکُفَّارَ وَالْمُنافِقِینَ وَاغلُظْ عَلَیْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِیرُ).    (التوبة / 73) (التحریم / 9)

10 ـ (لاَّ یَستَوِى الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤمِنیِنَ غَیْرُ اُوْلِى الضَّرَرِ وَالُْمجاهِدُونَ فِى سَبِیلِ اللهِ بِاَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الُْمجاهِدینَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِینَ دَرَجَةً وَکُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللهُ الُْمجاهِدِینَ عَلَى الْقاعِدِینَ أَجْراً عَظِیماً).    (النساء / 95)