إختیار الأسلوب الأفضل فی النقاش:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن (الجزء العاشر)
قصّة «الجزیة»:الدّعوة إلى أصل أساسی مشترک:

والآیة الثّالثة تتناول کیفیة مجادلة المسلمین لأهل الکتاب، فهی توصیهم بانتخاب أفضل أسلوب للنّقاش والبحث وتقول: (وَلاَ تُجَادِلُوا اَهْلَ الْکِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِى هِىَ اَحْسَنُ).

وهذا مفهوم عام وجامع وأساسی.

و«الجدال»: فی اللغة هو إبرام الحبل وإحکامه، فإذا تباحث اثنان فی أمر وأراد کلٌ منهما حرف صاحبه عن رأیه یقال «جادله» والمراد منه هنا النّقاش والبحث المنطقی.

أمّا فیما یرتبط بالمراد من جملة (بِالَّتِى هِىَ اَحْسَنُ)، فإن بعض المفسرین قالوا إنّ المراد منها هو التعامل معهم بلین ولطف ومحبة، ففی قبال الخشونة اللین، وفی قبال الغضب، الصّبر، وفی قبال الشرّ، حب الخیر، وفی قبال التسرُّع، التأنی.

وعلى أیّة حال، فإنّ تعبیر بجملة (بالتی هی أحسن) جامع جدّاً یشمل کلّ الأسالیب الصّحیحة والمناسبة للبحث والنّقاش، سواءً کان ذلک بالألفاظ أو فی محتوى الکلام، أو فی لحن القول أو فی الحرکات والسلوک العملی، وعلیه یکون مفهوم الجملة هو أنّ الحدیث معهم لابدّ أنْ یکون مؤدباً، وأنْ لحن القول لابدّ أنْ یکون حبیباً وأنْ محتوى الکلام لابدّ أن یکون منطقیّاً وبرهانیّاً، فینبغی أنْ یکون الصّوت خالیاً عن العربدة والغوغاء والضجیج، وأن تکون حرکات الید والعین والحاجبین المکملّة للبیان على هذا المنوال.

وکلّ ذلک من أجل أنّ الهدف من النّقاش والمجادلة لیس حب السّیطرة والإستعلاء، وإنّما هو إقناع الطرّف المقابل ونفوذ الحقّ إلى أعماق روحه، وأنْ یتخذ الموقف الصّحیح فی قبال الإسلام، فهؤلاء المعاهدون لابدّ أنْ یعرفوا أنّ روح الإسلام روح السّلام والصّفاء، والآیة توصی المسلمین بأن یتعاملوا مع غیر المسلمین معاملة سلمیة.

وبطبیعة الحال، فإنّ هذه الأمور یجب أنْ لا تکون بنحو یتصور المقابل أنّ المسلمین ضعفاء عاجزین فیسیء استغلال عطفهم ولینهم. ثُمّ تستثنی الآیة مجموعة من هؤلاء وتقول: (إِلاَّ الَّذِینَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) وهی إشارة إلى الذین رفضوا العیش بسلام إلى جنب المسلمین، وأساءوا استغلال محبّة المسلمین لهم ومداراتهم ولینهم، حیث عادوا الحق وعاندوه مع أنّهم کانوا قد قرأوا علامات نبیّ الإسلام(صلى الله علیه وآله) فی کتبهم، وکانوا یحاولون إخفائها وکتمانها، وکانت میولهم میول عدوانیة وغیر مسالمة، بعیده عن الاحترام والمحبّة، فمثل هؤلاء لا شکّ فی ضرورة استثنائهم من تلک الأحکام الرّؤوفة.

وجاء فی تتمّة الآیة عدّة جمل لطیفة اُخرى فی هذا المجال حیثُ یقول تعالى: (وَ قُولُوا آمَنَّا بِالَّذِى اُنْزِلَ إلَیْنَا وَ اُنْزِلَ إِلَیْکُمْ وإلَـهُنَا وَ إلهُکُمْ وَاحِدٌ وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ).

وهذا فی الحقیقة نموذج واضح ورائع للمجادلة بالّتی هی أحسن، أی أنّ القرآن الکریم لم یکتفِ بذکر الکلیّات فی هذا المجال، بل عرض مصادیق واضحة فی الأثناء.

وهذه العبارة تدل بوضوح على ضرورة الإعتماد على النّقاط المشترکة لتحکیم اُسس العیش السّلیم المشترک، وهی الإیمان بالله الواحد والإیمان بکل الکتب السّماویة وأمثال ذلک.

ولکنّ التّأکید والإصرار على الجهات المشترکة لا یعنی قبول المسلمین لبدع هؤلاء وانحرافاتهم وتراجعهم عن معقتداتهم، وقد تکون جملة (وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)، إشارة لطیفة لهذا المعنى.

ونقرأ فی حدیث مفصل عن الإمام الصّادق(علیه السلام) الذی یرشدنا فیه إلى نموذج «للمجادلة بالتی هی أحسن» ویأمرنا بالتّأمل فی آخر سورة «لیس»، وملاحظة کیفیّة مجادلة منکری المعاد بطرق مختلفة وبمنطق لطیف وبرهانی قوی فی نفس الوقت(1).

 

 

هذا وقد جاء مضمون الآیة بشکل آخر فی سورة النّحل، حیث یقول تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِیلِ رَبِّکَ بِالحِکْمةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ).   (النّحل / 125)

والملفت للنّظر هو أنّ هذه الآیة هی أول الإرشادات الأخلاقیّة العشرة التی وردت فی تلک السّورة فی مورد التّعامل الصّحیح مع المخالفین.

وفی الواقع فإن الجملة الأولى أی: (أدْعُ إِلَى سَبِیلِ رَبِّکَ بِالحِکمَةِ) ناظرة إلى الاستدلالات العقلیّة فی قبال أرباب الاستدلال والفکر.

وعبارة (والمُوعَظِةِ الحَسَنَةِ) إشارة إلى الأسلوب العاطفی فی المجادلة مع غیر أرباب الإستدلال العقلی، أی أولئک الذین یدورون مدار المسائل العاطفیّة، وخصوصاً وأنّ وصف «الموعظة» بالحسنة، إشارة إلى ضرورة خلوها من الخشونة والإستعلاء وتحقیر الطرف المقابل وإثارة إحاسیسه وأمثال ذلک، ولا شک فی أنّ مثل هذه الموعظة تکون مؤثرة.

و(وجَادِلْهُمْ بِالَّتِى هی أَحسَنُ) إنّما هی مع أولئک الذین مُلِئَت أذهانهم بالشّبهات والشکوک، فینبغی مجادلتهم عن طریق المناظرات الصّحیحة وإخلاء أذهانهم من تلک الشّبهات تمهیداً لقبول الحق.


1. إقتباس من تفسیر نور الثّقلین، ج4، ص163، ذیل الآیة مورد البحث.
قصّة «الجزیة»:الدّعوة إلى أصل أساسی مشترک:
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma