جهاز الحسبة والمحتسب فی الحکومة الإسلامیّة:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن (الجزء العاشر)
وهنا ینبغی الإلتفات إلى عدّة نکات ضروریة:تمهید:

هذا البحث مرتبط تماماً ببحث الأمر بالمعروف والنّهی عن المنکر وهو فی الحقیقة فرع من فروعه، إذ کما أشرنا فإنّ الأمر بالمعروف والنّهی عن المنکر له شقّان، شقّ عام یشمل جمیع النّاس، وشقّ خاص تختص به الحکومة الإسلامیّة، ففی هذه المرحلة قد یلزم إبداء الخشونة والشّدّة وهذا لیس من شأن النّاس، بل لابدّ أن یقوم مأمور الحکومة المدربون على القیام بهذه الوظیفة، وهذا یشکل أساس «الحسبة»(1).

توضیح ذلک:

«الحسبة»: فی اللغة، إسم مصدر من مادة «إحتساب»، وکما ذکر أرباب اللغة فإنّه بمعنى التّسلیم والصّبر حیال المشکلات طلباً للأجر الإلهی، وکذلک السّعی فی أداء أعمال الخیر لتحصیل الثّواب.

ولما کان هذا الشق من الأمر بالمعروف والنّهی عن المنکر سعیٌ واجتهاد وجدٌّ فی طریق إطاعة الله ومکافحة المنکرات لنیل رضا الله، سُمی «حسبة».

یقول فی کتاب «التّحقیق» حول معنى مادة «حسب»: الأصل فی هذا المصطلح بمعنى التّحقیق والبحث والتّدقیق بقصد الإمتحان.

وهذا التعبیر یناسب کثیراً شغل المحتسب الذی یستخبر عن شرائح مختلفة من المجتمع ویبحث ویحقق ویراقب حرکاتهم، فإن وجد انحرافاً نبههّم إلیه، فإن لم ینفع واجههم بشدّة.

وکانت دائرة «الحسبة» من الدوائر المعروفة فی زمن الخلفاء وتشرف على نشاطات الکسبة والتجّار والفلاحین وشرائح المجتمع الاُخرى من حیث المخالفات والمنکرات، وکلما رأى المحتسبون مخالفة کانوا ینهون مرتکبیها لها، فإن لم یؤثر فیهم النهی والتذکیر والموعظة، کانوا یعاقبون المخالف فی نفس المکان مباشرة، أو یقبضون علیه ویسلّمونه إلى القاضی فیأمر بحبسه.

 

 

وباعتقاد البعض، فإنّ جذور هذه المسألة تعود إلى عصر النّبیّ(صلى الله علیه وآله) حیث کان(صلى الله علیه وآله)یمارس عمل المحتسب بنفسه الشّریفة، وتارة کان یوکل الأمر إلى شخص ینتخبه لهذا الغرض، ولکن لابدّ من الإلتفات إلى أنّ استعمال هذا المصطلح لم یکن معمولا به فی ذلک العصر، ولم یکن موجوداً فی کلام الفقهاء المتقدمین، ویبدو أنّ هذا المصطلح استعمل لأول مرّة، فی عصر خلفاء بنی أُمیّة وبنی العبّاس، حیث انتخب لهذا الشق من الأمر بالمعروف والنّهی عن المنکر.

وعلى أیّة حال، فإنّ الأخبار الواصلة عن عصر النّبیّ(صلى الله علیه وآله) تدل على أنّ کلمة «الحسبة» وإنْ لم تکن متداولة فی ذلک العصر بمعناها ومفهومها المعهود الیوم، ولکن مفهومها الواقعی أی، النظارة على المسائل الاجتماعیّة من قبل الحکومة الإسلامیّة، کان مراعىً تماماً حینذاک، فتارة کان الرسول(صلى الله علیه وآله) یقوم بنفسه بهذه الوظیفة، واُخرى، یوکلها إلى آخرین.

ومن جملة الشّواهد على ذلک، ما ورد من أنّ الرّسول(صلى الله علیه وآله) قد أمر سعید بن سعید بن العاص ـ بعد فتح مکة ـ بالاشراف على السّوق، حیث ورد فی الحدیث: «استعملَ رَسولُ اللهِ سعید بنَ سَعید بن العاص بَعْدَ الفَتح على سُوق مکّة»(2).

حتى أنّ المستفاد من بعض الرّوایات، أنّ بعض النّساء کنَّ یمارسن وظیفة الاشراف على المسائل النّسائیة (کمسائل الحجاب وأمثال ذلک)، ومن جملة تلک النّسوة امرأة باسم «سحراء» بنت نهیک(3) الذی أدرک عصر النّبیّ(صلى الله علیه وآله)، کانت مأمورة بالقیام بتلک الوظیفة، فکانت تدور فی الأسواق وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنکر (وإن ذهب البعض إلى أنّها لم تقم بذلک الدور فی عصر النّبیّ(صلى الله علیه وآله) وإنّما کان ذلک فی زمن عمر بن الخطاب)(4).

وفی کثیر من المواضع، کان النّبیّ الأکرم(صلى الله علیه وآله) یتولى ذلک بنفسه، خاصة فی مسائل الإحتکار والغش والتدلیس فی المعاملة وأمثال ذلک، ومن جملة ما ورد فی ذلک: «إنّ رسول الله (صلى الله علیه وآله) مرَّ بالمحتکرین فأمر بحکرتِهم أنْ تخرج إلى بطون الأسواق وحیث تنظرُ الأبصار إلیها»(5)، فاقترح النّاس أن تُعیّن أسعارها، فرفض النّبیّ(صلى الله علیه وآله)ذلک.

وفی حدیث آخر، أنّ النّبیّ(صلى الله علیه وآله) مرَّ على رجل خلط طعاماً جیداً بردیء، فقال له النّبیّ(صلى الله علیه وآله) فی ذلک، فقال الرجل: أردت أن أبیعه جمیعاً فقال(صلى الله علیه وآله): «میِّزْ کُلَّ واحد منهما على حِدة، لیس فی دیننا غشّ»(6).

وجاء فی عهد الإمام علیّ(علیه السلام) إلى مالک الأشتر:

«إمنَع من الإحتکار فإنّ رسول الله (صلى الله علیه وآله) مَنَعَ مِنهُ، ولیکن البَیْعُ بیعاً سَمحًا بموازین عدل، وأسعار لا تجحِفْ بالفریقین من البائع والمبتاع، فمن قارفَ حُکْرَةً بعد نهیک إیّاه، فنکِّل به وعاقبهُ فی غیرِ إسراف»(7).

ونقرأ أیضاً فی أحوال الإمام علیّ(علیه السلام) أنّه کان یتولى بنفسه الأُمور المرتبطة بالحسبة، فکان أحیاناً یمرُّ فی سوق القصابین وینهاهم عن المخالفة(8).

وکان(علیه السلام) یمرَّ تارة فی سوق السّماکین وینهاهم عن بیع الأسماک المحرّمة(9).

ولکن، وبمرور الزّمان، اتسعت مسألة «الحسبة» واتخذت تدریجیاً صورة دائرة مهمّة من دوائر الدولة الإسلامیّة، فکان المأمورون باسم «المحتسبین» یدورون فی الأزقة والأسواق والشّوارع الکبیرة لیل نهار ویراقبون الأمور الاجتماعیّة، المختلفة، فیعاقبون المخالفین فی محل ارتکاب المخالفة أحیاناً، وأحیاناً أخرى یأخذونه إلى القاضی (کما فی مأموری شرطة المرور هذه الأیّام).

واتّسعت دائرة «الحسبة» إلى درجة أنّ «جرجی زیدان» المؤرخ المعروف ذکر فی کتابه «تاریخ الحضارة الإسلامیة» یقول:

 

«الحسبة»: وهی احدى المناصب الإسلامیة، شأنها شأن منصب القضاء وللمحتسب حق ردع الناس عن القیام بالمنکرات، وله حق الاشراف على التعزیر والتأدیب، وأمر الناس بضرورة رعایة المصالح فی المؤن، ومنعهم من الوقوف فی الطرقات، ومراقبة شؤون النقل، ومنع أصحاب السفن من تحمیل السفینة أکثر من طاقتها، وذلک حفاظاً على أموال وأرواح الناس، ویأمر بإقامة وتعدیل الجدران المشرفة على السقوط وکل شیء من شأنه تعریض المارة للخطر، وکل شیء یلحق بهم الضرر، ویمنع الغش والتدلیس فی الکسب والعمل، ویأمر بمراعاة المکیال والمیزان والاشراف على منع کل ما من شأنه أن یلحق الاذى والاجحاف بالناس.

وکل ما ذکر هو مسؤولیات القاضی، ولکن لکون القاضی لا یستطیع ممارسة کل هذه الأعمال بشکل عملى، لذا فُصلت هذه المسؤولیة من مهامه، وأصبحت مستقلة.

المتصدی لهذا المنصب أو المسؤول یجب أن یکون فرداً صالحاً ومن ذوی الوجاهة، لأنّ هذه المسؤولیة تمثل خدمة دینیة «ومن دون هذه الوجاهة لا یمکنه القیام بهذه المسؤولیة».

ورئیس اُمور الحسبة یقوم بتعیین ممثلین عنه فی کافة المناطق ویستطیع أن یجلس کل یوم فی أحد المساجد المهمّة، ویقوم مُمثِّلوه یقومون بممارسة الأعمال المختلفة الملقاة على عاتقهم فی الاشراف على المشاغل المختلفة والسوق.

وفی مصر، کان رئیس اُمور الحسبة یجلس یوماً فی مسجد القاهرة ویوماً فی مسجد الفسطاط، ویرسل ممثلیه إلى الشوارع والأزقة لکی یقوموا بالاشراف على وضع اللحوم ومراکز الطبخ والأغذیة، وکذلک الاشراف على الحمولة التی تحملها الحیوانات، حیث لا یسمحون تحمیلها أکثر من طاقتها، ویأمرون سقاة الماء بأن یغطوا أوانیهم بقطع من القماش، وأن یراعوا الموازین الصحیة والإسلامیة فی أعمالهم.

ویحذرون معلمی المدارس والمکاتب بأن لا یضربوا تلامذتهم ضرباً شدیداً إذا ما أذنبوا، وإذا ما ضربوهم فلیتجنبوا المناطق الحساسة والخطرة من الجسم.

 

والمحتسب له حق الاشراف على محل ضرب العملة لکی لا یحصل الغش أثناء ضرب السکة فتخرج عن العیار المطلوب.

وفی الأندلس کان یسمى هذا المنصب لاخطة «الاحتساب» والمسؤول عنه أحد القضاة، ویقوم هذا الشخص برکوب مرکباً والتجوال فی الأسواق یحیط به أعوانه وموظَّفوه، ویحمل معه میزان لیزن به الخبز، فاذا کان أقل مِمّا هو مقرر فیعاقب البائع.

ویجب على القصاب أن یعلق قیمة للحومة فی دکانه، وذلک لکی لا یتلاعب بالاسعار.

وفی بعض الأحیان یقوم المحتسب بإرسال طفل أو امرأة لکی یشتریا من السوق، ویقوم المحتسب بوزن ما اشتریاه، فاذا راى نقصاً فی الوزن فیقوم بمجازاة البائع.

هؤلاء، لدیهم قوانین واسعة لها علاقة بالحسبة یقومون بتدریسها فی مدارسهم، کما یدرس فقهاء الإسلام دروسهم(10).

ومن مجموع هذا الکلام والمطالب الاُخرى المذکورة فی الکتب المصنفة فی «الحسبة»، یظهر أنّ «دائرة الحسبة» کانت تتولى کثیراً من الأمور التی تتولاها الیوم الدوائر الحکومیة کأمانة العاصمة والقوى الدّاخلیة، وقوى التعزیرات والغرامات الحکومیة، والتّربیة والتعلیم، والقضاة، وأنّها أحد أرکان الحکومة الإسلامیّة الفعالة، وخاصة فی دورها الواضح والبارز فی محاربة المنکرات، ولذا فإنّ قصائد الشعراء تضمنّت مصطلح «المحتسب» ووظائفه بشکل موسع.

والمستفاد من مجموعة من المصادر أنّ القیام بوظیفة «المحتسب» کان من الواجبات الکفائیّة بین المسلمین، إذ کما قلنا فإنّ «الحسبة» فرع من فروع الأمر بالمعروف والنّهی عن المنکر، حتّى أنّ بعض النّساء کنَّ یُنتَخَبْنَ لهذه الوظیفة لیشرفن على تحرکات النّساء الاجتماعیّة.

ونقرأ فی «دائرة معارف دهخدا» (فارسی) فی بحث «وظائف المحتسب»: «إنّ وظیفة المحتسب، أوّلا: الاشراف على إجراء المقررات الشّرعیّة والمنع من ارتکاب

المحرمات، وثانیاً: الاشراف على صحة سیر الأمور المرتبطة بالمصالح العامة للمجتمع ورفاههم وحیاتهم، وکذلک الحدِّ من سدِّ الطّرقات العامة والأزقة من قبل بعض المخالفین والباعة... والإشراف على الوزن، وما هو الیوم فی عهدة «البلدیات» من هذه الوظائف کان فی الأصل فی عهدة القاضی، ولکنّهم جعلوها شغلا مستقلا لکی لا یبتلى القاضی بها»(11).

ویذکر فی نفس الکتاب وظائف المحتسب نقلا عن کتاب «معالمُ القُرْبَة» والذی قد یکون أجمع کتاب کتب فی أحکام الحسبة، حیث یذکر ما یظهر منه أنّ شغل المحتسب یشمل الاشراف على أنواع الکسب والتجارات وموارد الإنتاج والخدمات والتّربیة والتعلیم.

ومن جملة الموارد: منع وقوع المنکرات فی الأزقة والأسواق ومراقبة صحة الوزن والمکیال وأمور الأفران والمخابز، والأمُور الصّحیة والمسالخ والتّدقیق فی صحة الذّبح وشرائطه، والحمّامات العامة، والأطباء والمعلمین والمؤذنین وخدمة المساجد والوعاظ والکتّاب، وکذا النظارة على أشغال التّجارة، والملاحین، والمعمارین والبنّائین، والسماسرة والصرّافین والصاغة وأمثالهم(12).

وفیما یرتبط بالفرق بین مسألة «الحسبة» ومسألة «الأمر بالمعروف والنّهی عن المنکر» ذکرت بعض الکتب مثل «الأحکام السلطانیة» فروقاً کثیرة بینهما بلغت تسعة فوارق(13).

ویمکن فی الواقع تلخیص تلک الفروق فی جملة واحدة وهی أنّ «الحسبة» هی الشّق الحکومی للأمر بالمعروف والنّهی عن المنکر والذی یمکن التّوسل به فی موارد اللزوم، وعلیه فالمحتسب یُعَیَّن من قبل الحکومة، وله أعوان وأنصار، وظیفتهم الإشراف والنظارة على المسائل الاجتماعیّة المذکورة، وهؤلاء یستلمون مرتباتهم الشّهریة من صندوق بیت المال، ویلقون القبض على المخالفین ویعزّرونهم ویعاقبونهم على النحو الذی مرَّ، وأما الشّق العام للأمر بالمعروف والنّهی عن المنکر، فلا یکون بهذا النحو.

 


1. التّحقیق فی کلمات القرآن الکریم، ح2، مادة (حسب).
2. التّراتیب الإداریة، للکتانی، ج1، ص285 (ینقل الرّوایة عن إبن عبد البرّ فی الإستیعاب).
3. «نهیک» على وزن شریک، وفی الأصل بمعنى الجمل القوی، والسّیف القاطع، ویقال للرّجال القاطعین الحازمین أیضاً.
4. المصدر السابق.
5. وسائل الشیعة، ج12، ص317، ح 1، الباب 3.
6. کنز العمال، ج4، ص159.
7. نهج البلاغة، الرسالة 53.
8. کنز العمال، ج4، ص158.
9. وسائل الشیعة، ج16، ص332.
10. تاریخ الحضارة الإسلامیة «جرجى زیدان»، ج 1، ص 252، مع التصرف.
11. لغتنامه دهخدا، مادة (حسبة).
12. المصدر السابق.
13. الأحکام السلطانیة، ص24.

 

وهنا ینبغی الإلتفات إلى عدّة نکات ضروریة:تمهید:
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma