إنّ تعبیر «السلطة المقننة» أو «المجلس التشریعی» ـ المقتبس من الأجانب ـ یؤدّی أحیاناً إلى أن یتداعى إلى الذهن بأنّ المراد به قیام ممثّلی الشعب فی هذا المجلس بوضع القوانین، أی قیامهم بتشریع الحلال والحرام، فی حین أنّ الأمر لیس کذلک، إذ کما أشرنا إلى ذلک فی بحوثنا السابقة أنّ العمل الرئیسی للممثلین فی هکذا مجلس هو تطبیق الأحکام

الکلیة على المصادیق، والفهم الموضوعی للاُمور، أی ینبغی علیهم الجلوس والتشاور لتحدید المواضیع المعقدة التی یحتاجها المجتمع، بهدف تطبیق الأحکام الإسلامیة علیها.

وعلى سبیل المثال، یعدّ الدفاع عن دولة الإسلام ضد الغزو الاجنبی وقتالهم أمراً واجباً، کما أن عقد الصلح معهم فی ظروف خاصة یؤدّی إلى تعزیز وتقویة دعائم الإسلام وردّ کیدهم وشرّهم، إلاّ أنّ تشخیص هذا المعنى وتحدیده، وهو هل أنّ الحرب مثلا فی الظروف الحالیة، تؤدّی إلى دفع شرّهم، أم الصلح؟ هذا الأمر بحاجة إلى الفهم والخبرة الموضوعیة، ویعقد المجلس فی هذه الحالة جلسة خاصة، ومن خلال دراسته للموضوع من کافة جوانبه، یختار مافیه الصلاح للاُمّة.

وکذلک فیما یتعلق بکیفیة إنفاق أموال بیت المال، وکیفیة تنظیم الخزینة وتوزیعها بشکل عادل، لتصبح مصداقاً للعدل والمساواة، فإنّ المجلس یعقد اجتماعه الخاص لمناقشة هذا الموضوع، ویختار ما یراه المصداق الحقیقی للأصلح.

ومن الممکن طبعاً فی بعض الاحیان أن یُخطِىء المجلس فی محاولته لتطبیق الأحکام الإسلامیة على مصادیقها، لأنّ أغلب النواب عادةً لیسوا من الفقهاء والمجتهدین، ولهذا السبب بالذات ولغرض الحد من الوقوع فی هذه الأخطاء، فقد تم تشکیل (مجلس صیانة الدستور) فی نظام الجمهوریة الإسلامیة، ویضم نخبة من الفقهاء والحقوقیین، إذ یقوم هذا المجلس بالاطمئنان على إسلامیة القوانین، والدراسة الموضوعیة لها.

ومن خلال هذا الکلام یمکن الوصول إلى هذه النتیجة، وهی وجود اختلافین رئیسیین بین المجالس التشریعیة الإسلامیة، والمجالس التشریعیة للأنظمة العلمانیة والغربیة:

1 ـ تقوم المجالس التشریعیة غیر الدینیة بتشریع الأحکام فعلا ویضعون الحلال والحرام والمجاز والممنوع، دون أن یستندوا فی ذلک إلى حکم إلهی، ولکن فی المجالس التشریعیة الإسلامیة، یتمثل العمل الرئیسی فیها بتطبیق الأحکام الإلهیة الکلیّة على مصادیقها أو الدراسة والدرایة الموضوعیة لها.

2 ـ إنّ الهدف المطلوب فی المجالس التشریعیة الغربیة والعلمانیة هو السعی لتحقیق

متطلبات الناس، سواء کانت هذه المتطلبات منحرفة وتؤدّی إلى انحطاط المجتمع، أو إیجابیة وبنّاءة ومفیدة، ولهذا السبب فإننا نشاهد ونلاحظ أنّه یتمّ فی هذه المجالس التصویت على قوانین مخزیة وحمقاء من قبیل السماح بالاختلاط الجنسی، والاعتراف الرسمی بعقد الزواج بین الذکور، ونظائرها من القوانین المخزیة!

بینما نجد أنّ الهدف الأساسی فی المجالس التشریعیة الإسلامیة یتمثل بتحقیق إرادة الله سبحانه وتعالى، والاُصول المعروفة فی الدین الإسلامی، والاهتمام بتلبیة المتطلبات السلیمة للناس.

وحل المشاکلهم وتطویر المجتمع الإسلامی فی جمیع المجالات الإیجابیة ضمن إطار التعالیم الإسلامیة، مع رفض تلبیة الحاجات والرغبات المنحرفة.