بالرغم من أنّ علاقة المعرفة بالتقوى علاقة لا یمکن انکارها، سواء من وجهة نظر القرآن المجید، أو من وجهة نظر الدلیل والعقل (وقد بینا ذلک بالتفصیل)، إلاَّ أن هذا الحدیث لا یعنی ترک طرق کسب العلم والمعرفة المتعارفة، والاستغناء بتهذیب النفس بحجّة أنّ تهذیب النفس سیقذف العلم والمعرفة فی صدورنا کما ظن ذلک عدد من الصوفیة الذین اتخذوا هذه المسألة حجة لمقارعة المعرفة وکسب العلم وظلوا فی جهل دامس.

إنّ الإسلام أوجب کسب العـلم بدرجة حیث اعتبـر الحضـور فی مجـلس العلم کالحضور فی روضة من ریاض الجنّـة: «مجـلس العلـم روضةٌ من ریاض الجنة».

کما عدَّ النظر إلى وجه العالم عبادة: «النظر إلى وجه العالم عبادة»(1)، وکل خطوة یخطوها فی سبیل العلم فهی خطوة نحو الجنة(2).

وقد عدَّ مداد العلماء أفضل من دماء الشهداء(3).

وحفظ الحدیث وکتابته من الفضائل العظیمة(4).

ویدعو الإسلام ـ من جهة اُخرى ـ إلى تهذیب النفس وتزکیتها لأجل تهیئتها لقبول المعارف والعلوم الإلهیّة.

وعلى هذا، فأولئک الذین ترکوا طلب العلم وأوصوا زملاءهم وأتباعهم بترکه، والتوجه إلى تصفیة الباطن وتزکیتها على خطأ، لأنّ التزکیة هذه غالباً ما تنحرف عن جادة الصواب بسبب عدم اقترانها بالعلم والمعرفة، وکذلک أولئک الذین انهمکوا فی کسب العلوم الرسمیة وأهملوا تهذیب النفس، فانهم فی ضلالة، نعم ینبغی السعی نحو کلیهما.

1. غرر الحکم.
2. بحار الأنوار، ج 1، ص 164.
3. المصدر السابق، ج 2، ص 14.
4. المحجة البیضاء، ج 1، ص 15.