اتقوا کی یسطع نور العلم على قلوبکم!

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن ( الجزء الأول)
شرح المفردات1 ـ علاقة العلم بالتقوى فی الروایات الإسلامیة

یقول الله عزّ وجلّ فی الآیة الاُولى: (ذَلِکَ الْکِتَابُ لاَ رَیْبَ فِیهِ هُدىً لِلْمُتَّقِینَ)والتعبیر هذا یثبت بوضوح تأثیر التقوى على المعرفة کمؤهل لها.

وهذه هی الحقیقة، فمـا لم تحصل فی باطن الإنسان مرحلة من مراحل التقـوى، لا یمکنه الاستفاضة من ینابیع الکتب السماویة، وأقل التقوى هو أن یسلـم الإنسان نفسه إلى الحق ویترک العناد، فإنّ الذین یفتقدون هذه المرحلة من التقـوى، سوف لا یرتفعون إلى أدنى درجة من درجات المعرفة ولا یتقبلون الهدایة أبداً.

طبیعی أنّ الإنسان کلما کانت روح التقوى والتسلیم إلى الحق وقبول الحقائق والواقعیات قویة عنده کانت استفاضته من ینبایع الهدایة أکثر.

إنّ ینابیع الهدایة وعلى رأسها القرآن المجید کالغیث الذی یحیی الأرض ویفتح أزهـار المعرفة فیها، وهذا یحـدثُ فی الأرض الخصبة فقط لا فی کـل أرض.

إنّ التعبیر بـ «هدى» أی بصیغة المصدر، تأکید لحقیقة أنّ روح التقـوى إذا استیقظت عند الإنسان وأصبحت فعالة، فإنّ القرآن سیصبح الهدایة ذاتا (تأمل جیداً).

وفی هذا المجال یقول بعض المفسرین العظام:

«إنّ الهدایة الثـانیة لما کانت بالقرآن فالهدایة الاُولى قبل القرآن وبسبب سلامة الفطرة، فإنّ الفطرة إذا سلمت لم تنفک من أن تنتبه شاهدة لفقرها وحاجتها إلى أمر خارج عنها، وکـذا احتیاج کل ما سواها ممّـا یقـع علیـه حس أو وهم أو عقل إلى أمر خارج تقف دونه سلسلة الحوائج، فهی مؤمنة مذعنة بوجود موجود غائب عن الحس، منه بدأ الجمیع وإلیـه ینتهون ویعودون، وأنّـه کـما لم یهمل دقیقة من دقائق ما یحتاج إلیه الخلق کذلک لا یهمل هدایة الناس إلى ما ینجیهم من مهلکات الأعمال والاخلاق وهذا هو الاذعان بالتوحید والنبوة والمعاد وهی اصول الدین»(1).

کما یقول الفخر الرازی:

«والبعض الآخر ذکر فی حصر الهدایة بالمتقین لأنّ الله تعالى ذکر المتقین مدحاً لیبین أنّهم هم الذین اهتدوا وانتفعوا به کما قال: (إِنَّمَا اَنْتَ مُنذِرُ مَنْ یَخْشَاهَا).(النازعات / 45)

وقال: (إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّکْرَ).(یس / 11)

وقد کان علیه السلام منذراً لکل الناس، فذکر هؤلاء الناس لاجل أنّ هؤلاء هم الذین انتفعوا بانذاره»(2).

وقد استنتج الفخر الرازی فی بعض عباراته:

«ولو لم یکن للمتقی فضیلة إلاّ ما فی قوله تعالى (هدى للمتقین) کفاه لانه تعالى بیّن أنّ القرآن هدى للناس فی قوله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الّذِى أُنْزِلَ فِیهِ الْقُرْآنُ هُدىً ِلّلنَّاسِ...). (البقرة / 185)

ثم قال: إنّه هدى للمتقین فهذا یدل على أنّ المتقین هم کل الناس فمن لا یکون متقیاً کانه لیس بانسان»(3).

و بالـرغم من عدم تعارض التفاسیر الماضیة، إلاّ أنّ التفسیـر الأول یبـدو أوضح، ومن هنا یعرف عدم صحة الرأی القائل (بحمل «المتقین» فی الآیة على المجـاز، والقول بأنّ المراد منهم سالکـو طریق التقوى، وذلک للحیلولة دون الوقـوع فی إشکال (تحصیل حاصل)، وذلک لأنّ للتقـوى ـ وکـما قلنا ـ مراحل ودرجات، فمرحلة منها تؤهل لهدایة القرآن، والمراحل الرفیعة الاُخرى تکون ولیدة هدایة القرآن.

ویُطـرح هنا سؤال وهـو: إنّ الآیـات التـی جاءت بعـد « هدىً للمتقین » عرفت المتقین بالذین یؤمنون بالغیب ویقیمون الصـلاة ویؤتون الزکاة، وعلى هذا، أفلا تکون هدایة القرآن تحصیلا للحاصل یا ترى؟!

إنّ الإجابة على هذا السـؤال تتضـح بالالتفات إلى نقطة فی هذا المجال وهی: إنّ الوصول إلى هذه المـراحل المذکورة فی السؤال لیست نهـایة الطریق، بل هناک مراحل کثیرة اُخرى ینبغی طیها لبلوغ المرحلة التکاملیة اللائقة بالإنسان، وهـذه المرحلة عند المتقین ستهدیهم إلى مراحل ارفع واسمى بالاستعانة بهدایة القرآن.

وتوجد تعبیرات فی القرآن تشبه ما جـاء فی الآیة السابقة، مثلما جاء فی الآیة: (وَإِنَّهُ لَتَذْکِرَةٌ لِّلْمُتَّقِینَ).(الحاقة / 48)

فعدت الآیة الاُولى القرآن «هدى» للمتقین وسبباً لهدایتهم، والثانیة «تذکرة» لهم، ونعلم أنّ «التذکر» من مقدّمات «الهدایة»، ولهذا عندما وصل عدد من المفسرین إلى هذه الآیة أرجعوا الحدیث فیها إلى نفس الحدیث فی بدایة سورة البقرة.

وعلى أیّة حال، فإنّ هذه الآیات شاهد ناطق على دور التقوى کممهّد للمعرفة والهدایة.

وقد وضحت الآیة الثانیة علاقة التقوى بالمعرفة توضیحاً أکثر من الآیة السابقة وصرحت: (یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اِنْ تَتَّقُوا اللهَ یَجْعَلْ لَّکُمْ فُرْقَاناً).

إنَّ « الفرقان » ـ کما یقـول بعض أئمـة اللغة ـ: ( اسم مصدر )، وادعـى بعض آخر(مصدر) إلاّ أنّ أغلب المفسرین یصرحون بأن له ـ فی موارد کهذا المورد ـ معنى فاعلیاً مقروناً بالتأکید (أشبه ما یکون بمفهوم صیغة المبالغة)، ومعناه الشیء الذی یفرق بین الحق والباطل، وله مفهوم واسع یشمل القرآن المجید ومعجزات الأنبیاء والأدلة العقلیة الواضحة وشرح الصدر والتوفیق والنورانیة الباطنیة وغیر ذلک(4).

وبهذا، فالقرآن یقول بأنّ «التقوى» هی الأرضیة التی تعد للمعرفة والتی یمکن الاستدلال بها تماماً فی بعض المراحل، وتنطوی فی المراحل الاُخرى ضمن الامدادات الإلهیّة المعنویة.

سمى القرآن المجید یوم معرکة بدر «یوم الفرقان»، وذلک من حیث إنّه یوم شهد آیات الله البارزة تؤید جند الإسلام ضد جند الشرک، فبالرغم من عِدَّة وعدد المشرکین الذی یقدر بثلاثة أضعاف عدد المسلمین، تحملوا ضربات قاسیة من المسلمین لم یتوقعها أحد.

إضافة إلى هذا، فإنّ معرکة بدر کانت أول مواجهة مسلحة بین المسلمین والمشرکین انفصلت بها صفوف المسلمین عن المشرکین، ولذا سمیت بـ «یوم الفرقان».

وینبغی الالتفات إلى أنّ «فرقاناً» جاءت بصیغة نکرة ومطلقة، فدلّت على عظمة ذلک النور الإلهی وعلى سعته، بحیث یشمل المسائل الاعتقادیة والعملیة وکل ابداء رأی تجاه اُمور الحیاة المهمّة، وعلى هذا، فثمرة شجرة التقوى هی الولوج فی کل خیر وبرکة والابتعاد عن کل شرٍّ وفساد.

یقول الفخر الرازی فی شرحه لهذه الآیة: بما أنّ لفظ الفرقان مطلق فینبغی حمله على کل ما یفرق المؤمنین عن الکافرین، فهذا الفرقان إمّا فی أحوال الدنیا وإمّا فی أحوال الآخرة، والذی یتعلق بأحوال الدنیا إما أنّه یتعلق بالقلب وهی الاحوال الباطنة أو فی الأحوال الظاهرة، فبالنسبة للقلب والباطن فالله یهدی قلوب المؤمنین ویلقی فیها المعرفة ویشرح صدورهم ویمحو عنـها الحقد والحسد والبغض والعداوة، بینما یمتلیء قلب المنافق والکافر من هذه الرذائل والصفات السیئة، لأنّ القلب إذا تنور بنور الإیمان زالت ظلمات هـذه الرذائل عنه، أمّا الذی یتعلق بالظاهـر، فالله ینصر المسلمین ویفتح لهم ویمنحهـم الرفعة(5).

والآیة الثالثة التی هی جزء صغیر من أطول آیة، أی بعـد أن بیّـنت عدداً مـن الأوامر الإلهیّة قالت: (وَاتَّقُـوا اللهَ وَیُعَلِّمُکُمُ اللهُ).(البقرة / 282)

یقول القرطبی فی تفسیره:

«إنّه وعدٌ من الله تعالى بأنّ من اتقاه علّمـه، أی یجعـل فی قلبـه نوراً یفهم بـه ما یُلقى إلیه، وقد یجعل الله فی قلبه ابتداء فرقاناً، أی فصلا یفصل به بین الحق والباطل»(6).

إنّ هذا الحدیث لا یعنی ترک کسب العلم، والاکتفـاء بتهـذیب النفس ـ کما یقول بعض الصوفیة وأشخاص منحرفون ـ بل المراد هو أنّ التقوى تهیـیء الأرضیة لکسب العلم الحقیقی أشبه ما یکون بالأرض الخصبة والمُعدَّة لبذر البذور.

صـحیح أنّ جمـلة « اتقـوا الله » لیسـت شـرطاً وأن جمـلة « یعلمکم الله » لیست جزاء لها (ولهذا أنکر البعض العلاقة بین التقوى والعلم المستفادة من هذه الآیة)، لکن ممّا لا شک فیه هو أن اقتران أحدهما بالآخر لم یکن اعتباطاً، بل هو تلـمیح إلى العلاقـة الموجودة بین هذین الاثنین، وإلاّ فیعرض انسجام الآیة للسؤال.

إنّ رابع وآخر آیة بیّنت العلاقة بین التقوى والمعرفة بوضوح، فبینت ثلاثة أجور للذین یتقون الله ویؤمنون برسوله.

الأول یؤتیهم الله کفلَیْنِ أو نصیبین من رحمته، نَصیباً لإیمانهم ونصیباً لتقواهم، أو نَصیباً لأجل إیمانهم بالأنبیاء السالفین ونصیباً لأجل إیمانهم بالرسول(صلى الله علیه وآله)، وبالرغم من أنّ المخاطبین فی الآیة مؤمنون إلاّ أنّ الله یأمرهم أن یؤمنوا بالرسول(صلى الله علیه وآله)، کما أنّ شأن نزول الآیة یبیّن أنّها بصدد فریق من نَصارى الحبشة الذین سمعوا القرآن وآمنوا بنبی الإسلام(صلى الله علیه وآله)(7).

والثانی: هو جعل الله لهم نوراً ـ لأجل ایمانهم وتقواهم ـ یهتدون به فی صراطهم: (وَیَجْعَلْ لَّکُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ).

وبالرغم من أنّ البعض أراد تقیید مفهوم الآیة والقـول بأنّ النـور الـذی ذُکِرَ فیها إشارة إلى النور الذی یسعى بین أیدی المؤمنین وبإیمانهم فی یوم القیامة (کما تشیـر إلى ذلک الآیـة 12 من سـورة الحدید: (یَوْمَ تَرَى الْمُؤمِنِینَ وَالْمُؤمِنـَاتِ یَسْعَى نُـورُهُم بَینَ أَیْـدِیهِمْ وَبِأَیْمـَانِهِم)).(الحدید / 12)

لـکن لا دلیل لهم على هذا التقیید، بل إنّ مفهومها ـ وکما یقول صاحب المیزان ـ واسع یشمل الأنوار الإلهیّة کلها فی الدنیا والآخرة، وعلى هذا فتکون الآیة شاهداً على العلاقة بین «التقوى» و«المعرفة».

أمّا الأخیر فهو: (وَیَغْفِرْ لَکُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِیمٌ) وهذا کله لأجل إیمانهم وتقواهم.


1. تفسیر المیزان، ج 1، ص 42.
2. التفسیر الکبیر، ج 2، ص 21.
3. المصدر السابق.
4. راجع المفردات، وکتاب العین، ولسان العرب، ومجمع البحرین، والمیزان، والکشاف فی ذیل الآیة نفسها.
5. التفسیر الکبیر، ج 15، ص 153 (بتلخیص).
6. تفسیر القرطبی، ج 3، ص 406.
7. «الکِفْل» ما یعیل الإنسان ویرفع حاجته، ویعتقد البعض أنّ هذه المفردة حبشیة دخیلة على العربیة.

 

شرح المفردات1 ـ علاقة العلم بالتقوى فی الروایات الإسلامیة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma