إنّ الآیات السابقة والتی غالباً ما تحدثت عن قضیة التوحید ومعرفة الله، أمرت الناس بأن یفتحوا أعینهم أثناء سلوک طریق المعرفة والتوحید من أجل الوصول إلى الهدف، عندها سیرون اسم «الله» على جبین کل موجود فی هذا العالم، ویشاهدون الأنظمة الدقیقة والغریبة التی تتحکم بالعالم، ومن ثم یصلون ـ بواسطة برهان النظم ـ لا إلى معرفة ذات الله فحسب، بل صفاته وتوحیده وتدبیره وقدرته وعلمه اللامتناهی.
وبالنظر إلى أنّ أهم مسألة فی الإسلام هی مسألة التوحید ومعرفة الله، وأنّ أهم دلیل فی القرآن على المعرفة هو برهان النظم، وأهم منبع لبرهان النظم هو الطبیعة والمخلوقات فمن هنا تتضح أهمیّة الحس والمشاهدة والتجربة من وجهة نظر القرآن الکریم.
وقد استعان القرآن کثیراً بـ «المشاهدة الحسیة» لیس فی مسألة التوحید فحسب بل فی مسألة المعاد أی ثانی أهم مسألة فی الإسلام أیضاً، وقد صوّر لنا لقطات من المعاد بالاستعانة بنفس الطبیعة المشهودة لنا، کما جاء ذلک فی سورة (ق) حیث یقول تعالى: (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَاءً مُّبارَکاً فَأَنْبَتنَا بِهِ جَنَّات وَحَبَّ الْحَصِیدِ * ... وَاَحْیَیْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّیْتاً کَذَلِکَ الخُرُوجُ): أی فی یوم القیامة. (ق / 9 و11)
کما ـ وأنّه للکشف عن عاقبة الظلم والجور وأهلهما ـ دعا الله الناس لمشاهدة ما خلَّف هؤلاء من آثار ومشاهدة مدنهم الخربة.
هذا کلّه تأکید من القرآن على ضرورة الاستعانة بـ «الحس والمشاهدة» کمصدر للمعرفة.
