إنّ المستخلص من البحوث القرآنیة السابقة والتی دُرجت تحت أربعین عنواناً، ولربّما تکون أکثر حیث (لا ندعی تحدیدها بهذه العناوین أبداً) والتی تحثُ على طلب العلم والمعرفة، تمثل اهتمام القرآن البالغ بمسألة المعرفة فی جمیع المجالات، سواء فی مجال معرفة الذات والصفات الإلهیّة، أو فی مجال معرفة الکون والسماوات والأرض وجمیع الکائنات والإطّلاع على أسرار المخلوقات الأرضیة والسماویة الطبیعیّة أو ما وراء الطبیعة، ومعرفة النفس والأِلمام بمختلفِ العلوم.

ومن خلال البحث فی الآیات السابقة نستخلص بوضوح الأُمور التالیة:

1 ـ إنَّ طریق العلم والمعرفة میسر للناس کافة، وکلٌّ حسب استعداده وسعیه یستطیع أن یطوی ما أمکنه منه، وبدون ذلک فالدعوة للعلم والتأکید على أهمیته لا معنى لها.

2 ـ إنَّ قیمة الإنسان لها علاقة مباشرة بمقدار معرفته لله وأسرار عالم الوجود.

3 ـ إنَّ أکبر مفخرة وموهبة للإنسان هو قابلیته واستعداده لتقبل المعارف بالرغم من ضعفه الجسمانی.

4 ـ إنَّ طلب العلم هو طریق الانتصار والغلبة على مختلف المشاکل: وهو طریق تزکیة النفس.

5 ـ من أجل مواجهة الشقاء ومختلف المفاسد نحتاج إلى العلم والمعرفة قبل أی شیء آخر.

نؤکّد أنَّ هذه الآیات نزلت فی زمان خیمت فیه غیوم الجهل السوداء، وغطت أفق المنطقة بل العالم ظلاماً، فی حین أنّ شمس العلم قد غابت وغرق الناس فی أمواج الجهل.

حقّاً إنَّه لشیءٌ عجیب أن تکون مثل هذه البیئة مهداً لهذه الرسالة ذات التعالیم السامیة أن یکون إنساناً اُمیاً رسولاً لمثل هذه المدرسة العظیمة مدرسة الإسلام الخالد وهذا دلیل حی على حقانیة القرآن.

إنَّ الملفت للنظر هو احصاء سبعمائة آیة من قبل بعض المحققین تتحدث عن العلم
والمعرفة وأرضیاتها ومصادرها، وبالقیاس إلى آیات الأحکام والتی تقدر بخمسمائة آیة، نستطیع أن نستنتج أن القرآن أولى أهمیّة کبرى للعلم والمعرفة فاقت الأهمیّة التی أَوْلاها للأحکام الشرعیة.