إنّ ما یستخلص من الآیات السابقة هو أنّ معرفة الإنسان وعلومه رغم سعتها بحدّ ذاتها ورغم أنّ علوم ومعارف البشر فی حالة ازدیاد فی کل یوم بل کل ساعة ولحظة، ورغم امتلاء الدنیا بالمدارس والجامعات والمکتبات ومراکز التحقیق، رغم هذا کله فإنّ هذه المعلومات بالقیاس إلى المجهولات کالقطرة بالنسبة للبحر.
إذا لم یکن الإنسان عارفاً بخیره وشرّه ونفعه وضره ولا بِکُنْهِ روحه التی هی أقرب إلیه من أی شیء آخر، ولا بالحوادث المقبلة علیه، ولا بساعة موته، فکیف یمکنه أن یعرف ما یدور فی الکواکب البعیدة فی العالم اللا متناهی.
ومما لا شک فیه أنّ جهل الإنسان بهذه الاُمور لا لعجزه بل لسعة الکون، وقد یکون انکار البعض لنظریة إمکان المعرفة نشأ من خلطهم بین هذه المسألة ومسألة قصور العلم البشری واقترانه بالاخطاء.
إنّ القرآن کما یدعو إلى العلم والمعرفة ویؤکّد على أن باب العلم مفتوح للجمیع، یصرح بقصور العلم البشری، هذا النقص والقصور اللذان یدعوانه إلى الاعتراف بعظمة الکون وخالقه وبحاجته إلى الرسل وأصحاب الوحی.
ونختم هذا الحدیث بمقطع من دعاء الإمام الحسین(علیه السلام) المعروف بدعاء یوم عرفة، حیث یقول:
«إلهی أنا الفقیر فی غنای، فکیف لا أکون فقیراً فی فقری، الهی أنا الجاهل فی علمی، فکیف لا أکون جهولا فی جهلی».