السیر فی الآفاق والأنفس مع الصابرین

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن ( الجزء الأول)
3ـ علاقة «الصبر والشکر» بـ «المعرفة»النتیجة

تحدثت الآیـة الاُولى عن « بنی اسرائیل »، حـیث بُعثَ فیهم مـوسى (علیه السلام)بمعاجز وآیات إلهیة واضحة، وکان موظَّفاً بأن یخرجهم من ظـلمات الشرک والکفر والفساد إلى نور التوحید الذی هو ینبوع جمیع البرکات والخیرات، ولأن یذکرهم بأیـام الله، ثـم قالت الآیـة فی النهایة: (إنَّ فِى ذَلِکَ لاَیـَات لِّکُلِّ صَبّار شَکُور).

ما المراد من أیـام الله؟

هناک بحث بین المفسرین فی هذا المجال، فمنهم من فسرها بالنِّعَم والابتلاءات الإلهیّة(1)، ومنهم من فسرها بأیام انتصار الرسل والأمم الصالحة، ومنه مَنْ اعتبرها إشارة إلى أیّام عذاب الأقوام الطاغیة والعاصیة والظاهر عدم التعارض للأیّام بین هذه التفاسیر لأنّها کلها من «أیّام الله».

إنّ معنـاها الواضح، واضافتها إلى الله « اضافة تشریفیة »، والمراد منها هو جمیع الأیّام المهمّة من حیث أهمیّتها البالغة، أو من حیث إنّ فیـها نعمة إلهیة شملت أقواماً صالحین کالانتصارات العظیمة على جند الشرک والظلم، وکالنجاة من الظَّلَمَة والطواغیت وکالموفقیة لأداء الجهاد أو فریضة عـظیمة اُخرى.

أو من حیث شمول عذاب الله ونقمته لأقوام عصاة وهلاکهم، أو شمول نبذة من العقاب الإلهی لهم لیستیقظوا من غفلتهم ویعوا، کل هذه هی «أیّام الله» وداخلة فی مفهومها الواسع.

أما سبب کون هذه الآیات عبرة للصـابرین والشاکرین فقط دون غیرهم (ینبغی الالتفـات هنا إلى أنّ « صبور » و« شکور » صیغةٌ مبالغةٌ، الاُولى تعنی کثیر الصبر والثانیة کثیر الشکر)، فـذلک لأجل أنّ دراسة دقائق هذه الحوادث وجذورها من جهة، ونتائجها من جهة اُخرى یحتاج إلى صبر وتأن.

إضافـة إلى هذا، فانّه لا یستفید من هذه الحـوادث إلاّ أولئک الذین یقدِّرون نعَم اللهِ ویشکرونه علیها، وعلى هذا، فالصبر والشکر أرضیتان ملائمتان للمعرفة والعلم.

کما یحتمل أن یکون تقارن الصبر مع الشکر لأجل أنّ هؤلاء مجهزون بالصبر عند المصائب، وبالشکر عند النِعَم، وعلى هذا فلا یرکعون أمام المصائب، ولا یغترون عند نزول النِعَم، فلا یضِلون أنفسهم على أیّة حال، فهم مؤهلون لتقبل المعرفة وأخذ العِبَر والدروس من هذه الحوادث العظیمة.

فی الآیة الثانیة والـرابعة جاءت هذه العبارة: (إِنَّ فِى ذَلِکَ لاَیات لِّکُلِّ صَبّار شَکُور)، وقد ذُکِرَت بعد التعرض لحرکة السفن فی البحار والمحیطات التی تتم باِیعاز من الله وبالاستعانة بالریاح فتطوی المسافات البعیدة وتصل إلى مقاصدها بسرعة.

بدیهی أنّ هذا الموضوع هو إحدى آیات الله التکوینیة، وآیة من آیات النظام الإلهی وقدرة الله.

لکن هل یا ترى یکون استثمار هذه الآیات الإلهیّة الموجودة فی عالم الوجود وحتى الکامنة فی هبوب الریاح ممکناً للجمیع، أو أنّه خاص بأُولئک الذین یدرسون ویتابعون نظام الخلق العجیب بدقة وصبر وتأن إلى المستوى الذی یتیح لهم العلم البشری فرصةَ الاستثمار، ومن جهة اُخرى فإنّ الدافع نحو «شکر المُنعِمِ» نفسه عامل للسعی والحرکة فی طریق المعرفة.

یقول «القرطبی» فی تفسیره:

«والآیة: العلامة، والعلامة لا تتبین فی صدر کل مؤمن إنّما تتبین لمن صبر على البلاء وشکر على الرخاء»(2).

وقد جاء فی تفسیر «روح البیان»:

«مبـالغ فی الصبـر على المشاق فـیتعب نفسه فی التفکر فی النفس والآفاق»(3).

والجمیـل هنا هو أنّ الهواء الذی یحیط بالکرة الأرضیة من ألطف الموجودات، وبالرغم من ذلک فهو عندما یتحرک ویتنقل فانه لا یحرک السفن العظیمة فی البحار فحسب، بل کذلک الغیوم التی تُعَدُّ ینابیعَ للغیث، فیأخذ بها نحو الصحارى والأراضی المیتة فیحییها، کمابانتقال الهواء الحار إلى المناطق الباردة والهواء البارد إلى المناطق الحارة تتهیأ الأراضی المیتة للحیاة، واضافة إلى هذا فإنّ الهواء یلقح النباتات کالزهور والأشجار ویحمل احیاناً البذور فتُزرع فی الأماکن التی تسقط فیها، ألَمْ تکن هذه من آیات الله؟ ومن یمکنه استثمار هذه الآیات غیر الصابرین والشاکرین؟

وقد جاء فی حدیث للرسول الأعظم(صلى الله علیه وآله): «الإیمان نصفان نصفه صبر ونصفه شکر»(4)وهذا الحدیث تأکید لما جاء فی الآیات.

وأخیراً فإنّ الآیة الثالثة أشارت إلى قوم سبأ، حیث شملهم التوفیق الإلهی فاستطاعوا أن یوجدوا سداً عظیماً بین الجبال فی «الیمن»: وادخروا فیه الماء الکثیر، وتمکنوا من ایجاد بساتین کثیرة، فغُمروا فی النِعَم والفـرح، إلاّ أنّـهم سلکوا طریق کفران النعمة، فتسلطت الأقوام المرفهة على الأقوام الضعیفة ظلماً وجوراً فَعَـمَّ مساکنَهُم الخرابُ والدمار، بحیث هلک الحرث والنسل لانفجـار السد، فتفککوا وتشتتوا بشکل حیث جعلهم الله أحادیث للآخرین (فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِیثَ)وأهلکهم جمیعاً (وَمَزَّقْنَاهُمْ کُلَّ مُمَزَّق)، ثم أضاف القرآن: (إِنَّ فِى ذَلِکَ لاَیـات لِّکُلِّ صَبّار شَکُور).

وذلک لأنّهم یستخلصون الدروس والعِبر بدقتهم وتأنیهم.

ومن جهة فإنّ هذه الحقیقة تثبت، وهی: أنّ بـین الحیاة والممـات مسافة قصیرة جدّاً، بحیث یمکنک البحث عن الممات فی قلب الحیاة، فإنّ وفرة الماء التی سببت تقدم قوم سبأ وإزدهار بلادهم وتطور حضارتهم، سبب هلاکهم یوماً ما!

ومن جهة اُخرى فإنّ هذا یکشف عن شدة ضعف هذا الإنسان المغرور، وذلک لأنّه یقال إنّ السدّ (الذی اُطلق علیه سدّ مأرب)، قد ثُقب بواسطة الجرذان الصحراویة ثقباً صغیراً فی البدایة ثم توسع الثقب إلى أن أدّى بالسدّ لأنّ ینهدم بالکامل، وبهذا نرى أن جرذاناً صحراویة أبادت حضارة عظیمة.

ومن جهة ثالثة، فإنّ المستکبرین من قوم سبأ الذین لم یَرُق لهم رؤیة المستضعفین بقربهم، وحسبوا أنّه ینبغی وجـود فاصلة أو سد عظیم کسد مأرب بین أقلیة الأشراف والأکثریة المستضعفة، طلبوا من الله أن یبعد مدنهم عن مدن المستضعفین کی لا یتمکنوا من السفر مع المستکبرین، ویبـقى امتیـاز السفر خاصاً بهم (رَبَّنَا بَاعِدْ بَیْنَ أَسْفَارِنَا)، (سبأ / 19) إلاّ أنّ الله فرقهم بشکل حیث لا هم بقوا ولا ظنونهم الباطلة.

ومن جهة رابعة، فإنّ حیاتهم المرفهة أغفلتهم عن ذکر الله، وما صـحوا إلاّ بعد أن انتهى کل شیء.

وعلى هذا، فیمکننا بالتأمل والدقّة والاستعانة بالعقل أن نستشف آیات کثیرة من هذه القصة وهذا الحدیث(5).


1. لقد جاء هذا التفسیر فی عدد من الاحادیث النبویة. تفسیر المیزان، ج 5، ص 15 و 16; تفسیر نور الثقلین، ج 2، ص 526.
2. تفسیر القرطبی، ج 14، ص 79.
3. تفسیر روح البیان، ج 7، ص 98.
4. تفسیر مجمع البیان، ج 7، ص 323; تفسیر الکبیر، ج 25، ص 162; تفسیر المراغی، ج 21، ص 97; تفسیر القرطبی، ج 5، ص 3571 وتفاسیر اخرى.
5. ینبغی الالفتات إلى أنّ مفردة «أحادیث» التی جاءت فی الآیة، منتهى الجموع وتکشف عن وجود أحادیث وقصص کثیرة فی ماضی قوم سبأ لا قصة واحدة.

 

3ـ علاقة «الصبر والشکر» بـ «المعرفة»النتیجة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma