إنّ الآیـة الاُولى أشارت إلى حـدیث قـوم « عاد » مـع رسـولهم ذی القلب العطـوف الرحوم «هود»، فعندما دعاهم إلى التوحید وترک الظلم والاجحاف والترف أجابوه: (سَوَاءٌ عَلَیْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَکُنْ مِّنَ الوَاعِظِینَ )وبهـذا کشفـوا عن تحجـرهم وصلابتهم تجاه کـلام النبی المنطقـی، وذلک لعدم سماح حجـاب التقـلید لهم بقبول الحقیقة.
وقد کشفت الآیة الثانیة عن مواقف مشرکی العرب عندما کانوا یُـدعون إلى ما أنزل الله، وإلى ترک عبادة الأصنام، وترک البِدَع فی تحریم کثیر من الاُمور الحلال، وکان جوابهم آنذاک: (حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَیْهِ آبَاءَنَا) فیظنون أنّ هذا یغنیهم عن القرآن هادیاً!!
إلاّ أنّ القرآن أراد ایقاظهم من غفلتهم هذه وأراد تمزیق حجاب التقلید عندهم فأجابهم: (أَوَلَوْ کَانَ آبَاؤُهُم لاَ یَعْلَمُونَ شَیْئاً وَلاَ یَهْتَدُونَ) وهل یجوز تقلید الجاهل الضالّ: ؟!
والآیة الثالثة أشارت إلى مشرکی العرب أیضاً (أو فریق من ذوی الصفات الشیطانیة) فانـهم إذا ما سُئِلوا عن سبب إتیـانهم الفاحشة والعمـل القبیـح؟ أجابـوا: (وَجَدْنَا عَلَیْهَا آبَاءَنَا) ولا یکتفـون بهـذا بـل قد یضیفـون: (وَاللهُ أَمَرَنَا بِهَا).
فینفی القرآن هذه التهمة الکبیرة ویقول: (اِنَّ اللهَ لاَ یَأْمُرُ بِالْفَحْشـَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ).
یعتقد کثیر من المفسرین أنّ المراد مـن «الفحشاء» فی الآیة الکریمة هـو طوافهم رجالا ونساءً عراة فی عصر الجاهلیة، حـیث کانوا یعتقدون: أنّ الملابس التی ارتکب بها ذنب لیست أهلا لأنّ یُطاف بها حول بیت الله الحرام.
وعلى هذا المنوال، کان ینتقل عملهم القبیح هذا من نسل إلى نسل بالتقلید الأعمى، وما کان التقلید یسمح لهم لأنّ یدرکوا قبح هذا الفعل.
إنّ رابع وخامس آیة أشارتا إلى موقف وکلام فریق من المشرکین فی عهد الرسول(صلى الله علیه وآله)أو العهود التی سبقت عهده تجاه دعوة النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) أو الأنبیاء السالفین، حیث کانوا یقولون: (اِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّة وَاِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُّقْتَدُونَ).
وهکذا توارثت الأجیال بعد الأجیال الکفر وعبادة الأصنام والآثام والعادات والسنن القبیحة، وقد نسجت روح التقلید حجاباً سمیکاً على عقولهم لا یسمح لهم لقبول أی حقیقة، فیقول القرآن عن هؤلاء تارة: (أَوَلَوْ کَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ یَعْلَمُونَ شَیْئاً وَلاَ یَهْتَدُونَ).(المائدة / 104)
ویقـول تـارة اُخرى: (أَوَلَـوْ کـَانَ الشَّیْطـَانُ یَـدْعُـوهُـمْ اِلَـى عَذَابِ السَّعِیْرِ).(لقمان / 21)
واُخرى: (قـَالَ أَوَلَـوْ جِئْتُـکُمْ بِأَهْـدَى مِمّـَا وَجَدْتُّمْ عَلَیْـهِ آبـَاءَکُمْ).(الزخرف / 24).
