کیف یُزیّن الباطل؟ وکیف تُسحر العیون؟

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن ( الجزء الأول)
شرح المفردات1 ـ من هو الشیطان؟

تحدثت الآیة الاُولى عن فریق من الأقوام السالفة الذین أُرسل إلیهم رسلٌ لیؤمنـوا ویسلموا أنفسهم للحق، إلاّ أنّهم اعرضوا عن ذلک، فأنـزل الله علیهـم بأسه، فابتلاهم بمختلف المشـاکل والمصائب والحـوادث الصعبة، والفقر والمـرض والقـحط وغیر ذلک، کی یوقظـهم من غفلتهـم، ولکـی یخضعوا للحق، إلاّ أنّهم اتخذوا السبیل المنحرف بدل سبیل الرشاد والرجوع إلى الحق والتوبة.

یقول القـرآن فی هذا المجال: لماذا لم یتضرعوا بالرغم من مجیء بأسنا لهم؟ ثم یعدُّ أسـباب هذا الأمر ویقول: الأول هو (قَسَتْ قُلُوبُهُمْ) فما کادت تخضع للحق.

والثـانی هو: (وَزَیَّنَ لَهُـمُ الشَّیْطـَانُ مَا کـَانُوا یَعْمَـلُونَ)، بـحیث أصبـحوا یرون المعـاصی صواباً والقبـح جمالا، وقد نفذ الشیـطان هنا من طریق عبادة الهوى.

وبتعبیر آخر: لم تؤثر فیهم لا مواعظ الأنبیاء اللفظیة، ولا مواعظ الله العملیة والتکوینیة، وعامل هذا الحجاب هو قسوة القلوب من جهة، ومن جهة اُخرى تزیین الشیطان لهم، بحیث سلب منهم روح التضرع والخضوع.

هناک بحث بین المفسرین فی المراد من «تزیین الشیطان»، فیقول البعض: إنّه الوساوس الشیطانیة التی تبدو المحاسن فیها قبائحاً والقبائح فیها محاسناً، أو العوامل الخارجیة التی تزین للإنسان سوءَ أعماله، کما تُجعل المواد السامة فی غلاف مُغر وجمیل، وکما یُدعى للانحرافات الکبیرة تحت غطاء التمدن والأفکار النیرة والحرة.

وتـحدثت الآیـة الثانیـة عن هدهد سلیمان عندما قدم من رحلته إلى بلاد الملکة سبأ، فبعد حکایته لقصة سبأ وحضارة بلادها العظیمـة قال: (وَجَدْتُّهـَا وَقَوْمَهـَا یَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ وَزَیَّنَ لَهُمُ الشَّیْطـَانُ أَعْمـَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِیلِ).

إنّ هذه الآیـة تکشف عن أنّ الهدهد بالرغم من محدودیة عقله وذهنیته الخاصة به وبعالمه یدرک بالاجمال حجب المعرفة، ویعرف أنّ الشیطان یجعل ستاراً على فکر الإنسان یحول دون تمکنه من إدراک الحقائق ویغلق أبواب المعرفة عنه ویحول دون وصول الإنسان إلى مراده المنشود.

وقد بحثنا امکانیة اطلاع الحیوانات على عالم الإنسان، کما بحثنا مدى معرفتها لهذا العالم فی تفسیر الأمثل ذیل الآیة 18 من سورة النمل، وفی ذیل الآیة 38 من سورة الأنعام.

کما تحدثنا فی ذیل الآیة نفسها عن کیفیة طی الهدهد المسافة الطویلة بین الشام والیمن ووصوله إلى بلاد سبأ.

وقد تحدثت الآیة الثالثة عن قوم عاد وثمود وطغیانهم وعصیـانهم ثـم هلاکهم، کما عرضت على عرب الحجاز مدنهم الخربة التی یمرون بها عند رحلاتهم إلى الشام والیمن کعبرة لهم، ثم أشارت إلى السبب الأساسی فی إهلاکهم وهو تزیین الشیطان لأعمالهم بحیث ما کادوا یبصرون شیئاً ولا یعقلون رغم امتلاکهم للابصار والعقول، وقد قالت الآیة: (وَزَیَّنَ لَهُمُ الشَّیْطـَانُ اَعْمـَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِیلِ وَکـَانُوا مُسْتَبْصِرِینَ).

إنّ عبارة (وَکَانُوا مُسْتَبْصِرِینَ) ـ کما یقول کثیر من المفسرین ـ تعنی غفلتهم وعدم تدبرهم فی الحقائق بالرغم من امتلاکهم للعقول والحواس واقتدارهم على الاستدلال والتمییز بین الحق والباطل(1).

وقد جاء فی تفسیر المیزان: «إنّهم کانوا یعرفون طریق الحق بفطرتهم إلاّ أنّ الشیطان زیَّن لهم أعمالهم فمنعهم عنه»(2).

ویقول البعض: إنّ المراد من العبارة هو معرفتهم للحق بواسطة دعوة الأنبیاء وتعالیمهم(3).

إنّ الآیة بجمیع تفاسیرها (سواء قبلنا أحـدها أو قبلنا الجمیع لعدم المنافاة بینها) شاهد على ما قلناه من أن تزیین الشیطان یجعل حجاباً على عقل الإنسان وفکره.

وقد بینت الآیة الرابعة بصورة عامـة مصیر الـذی یعشو عن ذکر الله ویغفـل عنه وقالت: (وَمَنْ یَعْشُ عَنْ ذِکْرِ الرَّحْمَـانِ ... وَیَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ).

ذَکر المفسرون وأئمـة اللغة معنیین لفعل « یَعْشُ »، فقـال بعض: إنّه ظـلام خاص یحلُّ فی ا لعین یفقد الإنسان من جرائه بصره ویکون أعمى أو أعشى (أی لا یرى فی اللیل) وهو من مادة «عَشَى»، کما یقال «عشواء» للجمل الذی لا یرى أمامه ویخطأ عند المشی، وعبارة «خبط عشواء» إشارة إلى هذا المعنى.

وعلى هذا فیکون معنى الآیة الشریفة هو: إنَّ الذی لا یـرى آیات الله فی الکون بعینه، ولا یسمع من انبیائه، فانه سیقع فی فـخّ الشیـطان وتسویلاته.

وقال بعض آخر: إنّها من مادة «عَشْو»، وعندما تستعمل مع «إلى» فتعنی الهدایة ببصر ضعیف، وعندما تستعمل مع «عن» فتعنی الإعراض (4).

وعلى هذا فیکون المراد من الآیة هو: إنّ الذین یعرضون عن ذکر الله فَنُقَیِّضُ ونسلط الشیطان علیهم(5).

إنّ «نُقَیّضُ» من مادة «قَیْض» وتعنی قشر البیض ثم استعملت بمعنى الاستیلاء، واستعمال هذه المفردة فی الآیة أمرٌ مثیر، حیث یکشف عن أنّ الشیطان عندما یَنْقَضُّ على الإنسان یحیط به من جمیع الجهات، ویقطع اتصاله بالخارج بالکامل کما تفعل قشرة البیض بالبیض، وهذا أسوء أنواع حجب المعرفة التی یُبتَلى بها الإنسان، کما أنّ هناک مثلا عند العرب یقرب معنى الآیة للأذهان «استیلاء القیض على البیض».

والأسوء من هذا هو أنّ احاطة الشیطان بالإنسان واستیلاءه علیه ومقارنته له تستمر إلى درجة تجعله یفتخر بضلالته ویحسب أنّ طریقه هو طریق الحق والهدایة (وَیَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ).

وقد تحدثت الآیة الخامسة عن شیاطین الانس والجن الذین نصبوا العداء للأنبیاء والذین أعدوا أنفسهم لابطال فاعلیة تعلیم الأنبیاء، ویوحی بعضهم إلى بعض أقاویل مزخرفةً باطلةً لا أساس لها من الصحة، کما یعلّم بعضهم الـبعض طرق المکر والخداع، وذلک لاغفال الناس وکتم الحقائق وجعل الحجب علیها، وإبعاد الناس عن تعالیم الأنبیاء.

وینبغی ذکر هذه النقطة هنا وهی: إنّ العدو ذکر بصیغة المفرد، بینما الشیاطین بصیغة الجمع، وهذا قد یکون من حیث إنّ الشیاطین متحدون ومتفقون فی سبیل إغفال الناس وخداعهم وکأنّهم عدو واحد.

ویقول البعض: إنّ «عدو» هنا بمعنى أعداء أی بمعنى الجمع(6).

کما صرح بعض آخر: إنّ «العدو» تطلق على المفرد والمثنى والجمع(7).

والآیة السادسة هی من آیات سورة محمد(صلى الله علیه وآله) التی أُشیر فیها إلى حجب متعددة من حجب المعرفة، فتارة تعدّ الفساد فی الأرض وقطع صلة الرحم سبباً للعمى الباطنی لهم الآیة 23، وتارة اُخرى تعد ترک التدبر فی القرآن بمثابة الأقفال على القلوب.

والآیة المذکورة تعدُّ تزیین الشیطان وتسویلاته سبباً لارتداد الضالین، حیث یتبین لهم الحق ویؤمنون به أولا، ثم ینحرفون عنه من جراء تسویلاته وتزیینِهِ لهم إلى درجة یفتخرون فیها بضلالتهم الأخیرة.

من هم المشار إلیهم فی الآیة؟

هذا ما بحثه المفسـرون وانقسمـوا مـن جرائه إلى فـریقین، فبعض یقـول: إنّهم الیهود، حیث کانوا مؤمنین بالرسول(صلى الله علیه وآله) قبل ظهوره وذلک لوجود العلامات المذکورة فی کتبهم عن ذلک الرسول، ثم سلکوا سبیل العناد والمخالفة له بعد ظهوره، ویُعدُّ هذا نوعاً من الارتداد. وبعض یقول: إنّها تشیر إلى المنافقین الذین آمنوا فی البدایة ثم ارتدوا بعد ذلک، أو أنّهم آمنوا ظاهراً وهم کافرون باطناً، لکن مع الالتفات إلى کون الآیات التی سبقت هذه الآیة والتی تلیها ناظرة إلى المنافقین، لا یبعد أن تکون هذه الآیة تشیر إلیهم کذلک فالمراد من الآیة ـ إذن ـ المنافقون الذین آمنوا فی البدایة ثم ارتدوا بعد ذلک.

إنّ «أملى لهم» من مادة «املأ» أی الإِمهال(8)، والمراد منها هو الآمال البعیدة التی یوحیها الشیطان للإنسان، الآمال التی تشغل فکر الإنسان وتزین له الباطل وتبعده عن الحق.

أمّا الآیة السابعة والأخیرة فقد أنذرت الناس ـ بتعبیر واف ـ بأن وعد الله حق، ثم ذکر عاملین للضلالة والانحراف عن الحق، الأول: الدنیا (فَلاَ تَغُرَّنَّکُمُ الْحَیَاةُ الدُّنْیَا)، والثانی: الشیطان (وَلاَ یَغُرَّنَّکُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) فتارة یؤملکم بکرمه وینسیکم غضبه، وتارة اُخرى یغویکم بشکل بحیث تنسون الله وتعالیمه، أو تبدو لکم تعالیمه بشکل معکوس.

إنّ «غرور» ـ کما أشرنا سابقاً ـ هو کل ما خدع الإنسان، سواء کان مالا أو جاهاً أو شهوات أو غیر ذلک، وبما أنّ الشیطان أوضح مصداق للخداع، أطلق علیه ذلک کثیراً، وفُسِّر به(9).

یعتقد کثیر من المفسرین أنّ عبارة (لاَ یَغُرَّنَّکُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) تلمیح إلى أنَّ الشیطان غَرَّ الإنسان بَعفو الله وکرمه بدرجة یمکّنه من ارتکاب أی معصیة أراد، ویبلغ به الأمر أن یعتقد بأنّ هذا ناشیء عن کمال معرفته لصفات الله! وهذا أمر عجیب.

وحاله کحال من یتصور أنّ جسمه قوی وذو مناعة تمکنه من مقاومة جمیع السموم المهلکة، فیخدعه تصوره ویتناول السم فیموت.

وهذا هو أحد حجب المعرفة.


1. تفسیر مجمع البیان، ج 7، ص 283; تفسیر روح البیان، ج 6، ص 468، کما نقل هذا عن بعض المفسرین فی تفسیر القرطبی.
2. تفسیر المیزان، ج 16، ص 131.
3. التفسیر الکبیر، ج 25، ص 66.
4. یقول بعض المفسرین: إنّ هذه المفردة إن کانت من مادة (عَشَا، یَعْشو)، فتعنی التعامی من دون أن تکون علة فی بصره، أمّا إذا کانت من مادة (عَشَى: یَعْشا)، فتعنی حصول علة فی بصره، تفسیر روح البیان، ج 8، ص 368، وینبغی الالتفات هنا إلى أنّها فی الآیة من باب (عَشَا، یَعْشو).
5. راجع لسان العرب ومفردات الراغب و تفاسیر القرطبی وروح البیان والمیزان.
6. تفسیر روح المعانی، ج 8، ص 4.
7. تفسیر المنار، ج 8، ص 5.
8. ینبغی الالتفات هنا إلى أنّ أصل هذه المادة هو (مَلْو) لا (مَلأَ) ـ بالهمزة ـ .
9. إنّ «الغرور» صیغة مبالغة.

 

شرح المفردات1 ـ من هو الشیطان؟
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma