لِمَ یحجب الذنبُ القلوبَ عن الفقه؟

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن ( الجزء الأول)
2 ـ حجاب الکفر والأعراض3 ـ حجاب الاعتداء والعدوان

إنَّ الآیة الاُولى بعد إشارتها إلى تاریخ وقصص خمسة أقوام من الأقوام السالفة وهم (قوم نوح، وهود، وصالح، ولوط، وشعیب) حیث نزل علیهم العذاب الإلهی لتکذیبهم آیات الله، قالت: (تِلْکَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَیْکَ ...).

إنّ جملة (کَذلِکَ یَطْبَعُ اللهُ عَلَى قُلُوبِ الْکَافِرینَ) لا تشیر إلى أی کافر کان، وذلک کثیـراً من المـؤمنین کانوا فی صفوف الکفار والتحقوا بصفوف المؤمنین بعد سماعهم لدعوة الأنبیاء، فالمراد ـ إذن ـ ذلک الفریق من الکافرین الذین ألحوا وأصروا على کفرهم، فان کفرهم هذا یحول دون معرفتهم ورؤیتهم للحق.

والشاهد على هذا الکلام هو قوله: (فَمَا کَانُوا لِیُؤْمِنُوا بِمَا کَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ) أی أنّ تعصبهم بلغ درجةً لا تسمح لهم بتغییر طریقتهم والرجوع عن الباطل إلى الحق، وقد ذکرت خمسة وجوه فی تفسیر هذه الجملة فی تفسیر المیزان والفخر الرازی(1)، إلاّ أنّ أظهرها هو ما تقدم اعلاه.

والآیة الثانیة بعد ما أشارت إلى سلوک فریق من الیهود وعدائهم للأنبیاء قالت: (فَبَما نَقْضِهِمْ مِّیْثَاقَهُمْ وَکُفْرِهِمْ بِآیَاتِ اللهِ...).

یقـول القرآن: إنّهم لا یفقهون شیئاً وذلک لکفرهم فطبع الله على قلوبهم من جراء ذلک.

بـدیهی أنّ المـراد من الکفر هنا هو الکفـر المتزامن مـع العناد، والکفر المتزامن مع العداء للأنبیاء، والکفر المتزامن مع نقض المواثیق باستمرار والاستهزاء بآیـات الله، ومسلم أن کفراً کهـذا یجعل حجـاباً على عقـل الإنسان لا یسـمح لصاحبه أن یدرک الحقائق، وهـذا شیء صنعته أیـدیهم ولا جبـر فی البین.

ویظهر أنّ مرادهم من «قلوبنا غلف» هو الاستهزاء بآیات الله وبشخصیة موسى بن عمران، لا أنّهم یعتقدون أنّ قلوبهم خُلِقت مغلَّفةً لا تفهم الحقائق (کما جاء ذلک فی بعض التفاسیر)(2)، إلاّ أنَّ الله أخذ کلامهم بالجد وأجابهم: (بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَیْها بِکُفْرِهِمْ فَلاَ یُؤْمِنُونَ...).

وهناک احتمال آخر وهو أنّ مرادهم من الجملة هو أن قلوب کلٍّ منهم کالوعاء الملیء بالعلم والغمد الذی فیه السیف فلا تحتاج لعلوم الآخرین(3)، إلاّ أنّ هذا الاحتمال بعید جداً.

وعلى هذا، فهناک ثلاثة احتمالات فی تفسیر الآیة والأول أنسب من الآخرین، وقد نقل فی بعض التفاسیر حدیث ذا مغزىً عمیق عن الرسول(صلى الله علیه وآله) یقول فیه: «الطابَعُ مُعَلّق بقائمة العرش فإذا انتهکت الحرمة وعُمِل بالمعاصی واجتُریء على الله تعالى بَعَثَ الله تعـالى الطابع فطبـع على قلبـه فلا یعقـل بعد ذلک شیئاً»(4).

والجدیر بالذکر هو أنّ «طابع» اسم فاعل للطبع و«طابَع» اسم آلة الطبع، ویظهر فی الحدیث أنّ الکلمة الاُولى بالفتح والثانیة بالکسر.

وهذا الحـدیث یؤکد بوضوح الحقیقة التـالیة: أنْ لا جبر هنا، وأنّ حجب القلوب نتیجة لأعمال الإنسان نفسه.

وَطـرحت الآیة الثـالثة سؤالا تقـریـریاً حیث قـالت: (وَمَـنْ أَظْلَـمُ مِمَّـنْ ذُکِّرَ ...).

إنّ دلیل اعتبار القرآن هؤلاء أظلم الناس واضح لأنّهم ظلموا أنفسهم کما ظلموا الآخرین کذلک فإنّ ظلمهم هذا وقع فی محضر الساحة القدسیة الإلهیّة مع وجود تعالیمه الحقة، وعلیه فالآیة لا تدل على عدم الجبر فحسب، بل تدل على اصالة الاختیار.

وما یـلفت النظر هنـا هو أنّ الفخر الرازی بالرغـم من کونه من القـائلین بالجبر، لکنهُ عندما یصل إلى هذه الآیة یقول: إنّ آخر الآیة دلیل لمؤیدی الجبر، بینما صدرها دلیل لمؤیدی الاختیار! ثم یضیف: قلّما نجد آیة فی القرآن تؤید أحد الفریقین، وإذا ما وجدنا آیة مؤیدة لفریق وجدنا قبالها آیة تؤید الفریق المقابل، والتجربة شـاهد على ما نقـول، وهذا امتحـان صعب من الله للعبـاد، وذلک لکی یتمیـز الراسـخون فی العلم عن المقلِّدین(5)! یاله من اعتراف عجیب؟!

ونضیف إلى ما قاله الفخر الرازی: أنّ کلا من آیات القرآن لا یمکن دراستها وملاحظتها لوحدها من دون ملاحظة ودراسة الآیات الاُخرى فضلا عن صدر وذیل الآیة الواحدة، کما نقول: إنّ الآیة بصدرها وذیـلها دلیل على مسألة الاختیار لا شیء آخر، وذلک لأنّ صدرها یقول: إنّ الإعراض عن آیات الله واقتراف الذنوب من أفعال الإنسان وهو فاعلها باختیاره، بینما ذیل الآیة یقول: إنّ الله یعاقب المُصرّین على السیر فی هذا الطریق، وعقابهم هو جعل الأکنة على قلوبهم.

وبتعبیر آخر: إنّ الله جعل لهذه الذنوب آثاراً ومردودات، وهذه الآثار تعکّر صفاء القلب، وتسلب قدرة التمییز عند الإنسان، فأىّ جبر فی هذا الحدیث؟!

مثله کمثل الخبیر الذی یعلم بأن السم قاتل، وبالرغم من ذلک یتناوله، فهل هذا التأثیر القهری للسم جبر؟!

وقد أشارت الآیة الأخیرة إلى المعاندین الذین یختلقون الحُجج ویسألون ـ أحیاناً ـ هذا السؤال: لِمَ لَمْ ینزل القرآن أعجمیاً کی نعیره أهمیّة أکبر ولکی لا ینحصر فی العرب؟

(قد یکون غرضهم الأساسی من هذا هو عدم فهم عامة الناس له والاقبال علیه إذا ما کان أعجمیاً).

فأجابهم القرآن فی صدر الآیة: (وَلَوْ جَعَلْنـَاهُ قُرآناً أَعْجَمِیّاً لَّقَالُوا لَوْ لاَ فُصِّلَتْ آیَاتُهُ).(فُصّلت / 44)

أی لأشکلتم اشکالا آخر وهو: أنّ القرآن مبهم وغامض، ثم یضیف القرآن: (ءَاعْجَمِىٌّ وَعَرَبِىٌّ) أی هل یصحّ لنبی عربی أن یأتی بقرآن أعجمی؟

ثم أمـر الله الـرسول(صلى الله علیه وآله) بأن یجیبهـم هـکذا: (قُلْ هُوَ لِلَّذِینَ آمَنُوا هُدىً وَشَفَاءٌ وَالَّذِینَ لاَ یُؤْمِنُونَ فِى آذَانِهِم وَقرٌ وَهوَ عَلَیْهِمْ عَمىً أُولئِکَ یُنادَونَ مِنْ مَّکَان بَعِید).

وقد بیّنت الآیة بوضوح أنّ اختلاق الحجج والعناد والإصرار على الکفر یجعل حجاباً على القلوب یمنعها عن الإدراک والفهم(6).


1. تفسیر المیزان، ج 8، ص 215; تفسیر الکبیر، ج 14، ص 186.
2. تفسیر المیزان، ج 5، ص 38; تفسیر القرطبی، ج 3، ص 2004.
3. لقد جاء هذا الاحتمال فی التفاسیر التالیة: فی تفاسیر الکبیر، ج 11، ص 87; والقرطبی، ج 3، ص 2004; و روح المعانی، ج 6، ص 8.
4. تفسیر روح المعانی، ج 6، ص 8.
5. تفسیر الکبیر، ج 21، ص 142، والعجیب أنّ الآلوسی فی روح المعانی عندما نقل عبارة الفخر الرازی ادعى أنّ الفخر الرازی قال: إنّ هذه الآیة من أدلة القائلین بالجبر والآیة التی قبلها من أدلة القائلین بالاختیار. وقد نقل صاحب المیزان العبارة من روح المعانی، بینما مراد الفخر الرازی صدر وذیل الآیة نفسها (تأمل جیداً).
6. فسّر البعض عبارة: (وهو علیهم عمىً) بأنّ القرآن سبب لعمى هذا الفریق، بینما قال ابن منظور فی لسان العرب والراغب فی المفردات: إنّ جملة (عمى علیه) تعنی اشتبه علیه حتى صار کالأعمى (تأمل جیداً).

 

2 ـ حجاب الکفر والأعراض3 ـ حجاب الاعتداء والعدوان
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma