إنّ فی القرآن الکریم نماذجاً کثیرة تشبه الآیات الأربع عشرة التی ذکرناها فی أول هذا الفصل، وانتخبنا هذه الأربع عشرة للمواصفات التی تتحلى بها، وقد انتهینا إلى حقیقة واضحة وهی أنّه قد تعرض آفات لمصادر المعرفة بالخصوص العقل والفطرة والحس، وبعض تلک الآفات خفیفة طفیفة، وبعضها شدیدة، وبعضها بدرجة من الشدة حیث تترک الإنسان فی ظلمات مطلقة تمنعه من استیعاب أوضح الحقائق الحسیة.
وقد سعینا لمتابعة هذا الانحراف التدریجی لجمیع مراحله مع الاستشهاد بآیات القرآن، ولا ندعی أنّ الترتیب الطبیعی لهذا الانحراف هو نفس الترتیب الذی جاء فی الآیات عیناً، بل نقول: إنّ الآیات المذکورة قد بیّنت نفوذ الآفات فی جمیع المراحل.
وما أجمل تعبیر القرآن فی هـذا المجال ، ومـا أدقه ؟ فتارة یتحدث عن العوامل الخارجیة مثل « تزیین الشیطان » و تـارة یتحدث عن انحراف القلب والفکر، وأُخرى عن صدأ القلوب، وحیناً عن تحول هذا الانحراف إلى مرض مزمن.
وحیناً عن الأکنة المجعولة على القلوب.
وتارة عن تغلُّف القلوب بالکامل.
وتارة عن الطبع على القلوب والنقش علیها.
و اُخرى عن وضع القلوب فی أوعیة وختم تلک الأوعیة.
و احیاناً عن تجاوز الأکنة القلوب لتشمل السمع والبصر.
و احیاناً اُخرى عن تقفل القلوب.
وتارة عن العمى الکامل.
وأخیراً عن سلب الإنسان هویته الإنسانیة وإسقاطه نفسه إلى درجة الأنعام بل إلى درجة أدنى من ذلک.
أما دواعی هذه المآسی والمصائب؟ فهو ما نتناوله فی بحثنا اللاحق، لأنّ الهدف من بحثنا الماضی کان التعریف بالآفات والحجب وتوضیح أمرها بصورة إجمالیة.
ثم نصل إلى مرحلة علاج هذه الأمراض وکیفیة رفع الأکنة ومسح الصدأ والرین والوقایة من الوصول إلى مرحلة لا مخرج ولا نجاة منها.
وننهی بحثنا هذا بحدیث عن الإمام الصادق(علیه السلام): «إنّ لک قلباً ومسامع وإنّ الله إذا أراد أن یهدی عبداً فتح مسامع قلبه، وإذ أراد به غیر ذلک ختم مسامع قلبه فلا یصلح أبداً وهو قول الله عزَّوجلَّ (عَلَى قُلُوب أَقْفَالُهَا)»(1).
1. تفسیر نور الثقلین، ج 5، ص 41.
