إنّ الخوف سواء کان بمعنى الخوف من الله أو من عـذابه أو من الذنب والمعصیة (لأنّ جمیعها ترجع إلى معنى واحد)، یُعِدُّ الأرضیة لـروح الإنسان لتقبل الحقائق والمعارف، الإنسان ما لم یشـعر بالمسؤولیة لا یتجه نحو مصادر المعرفة ولا یبحث فی آیات الآفاق والأنفس والتکوین والتشریع.

وخلاصة الحدیث، أنّ الحرکة نحو العلم والمعرفة کأی حرکة اُخرى تحتاج إلى محرک، والمحرک یمکنه أن یکون أحد الاُمور التالیة:

1 ـ جاذبیة العلم والعشق للمعرفـة التـی أُودعتْ فـی روح الإنسان منذ البدایة.

2 ـ الاطلاع على النتـائج المثمـرة والآثـار القیمـة للمعـرفة، ووصول الإنسان إلى المـراحل الرفیعة تحت ظلها.

3 ـ الشعـور بالمسؤولیة والخـوف من العواقب المؤلمة لفقدان المعـرفة والجزاء الترتب علیها.

إنّ کلا من هذه الاُمور یمکنها أن تهیء الأرضیة المناسبة لطیّ هذا الطریق الملیء بالتعرجات، وإذا ما تعاضدت هذه الاُمور مع بعضها البعض، فإنّ الحرکة نحو المعرفة ستکون أسرع وأعمق وأکثر ثماراً.

وآخر الحدیث: إنّ أکبـر فخر للإنسـان هو العلم والمعرفة، والجاهلون هم موتى الأحیاء.

إنّ بلوغ مرحلة المعرفة الکاملة، لا یتم إلاّ مع توفر الأسباب ورفع الموانع والحجب وتهیئة الأرضیة المناسبة.

وما أجمل ما قاله الشاعر:

وفی الجهل قبل الموت موت لأهله *** فأجسامهم قبل القبور قبور

وإنّ امرءاً لم یحیی بالعلم میتة *** فلیس له حتى النشور نشورٌ

ربّنا علّمنا المعارف الحقیقیة، والأرفع من ذلک أی

معرفة ذاتک المقدّسة الطاهرة وصفاتک الجلیلة.

إلهی! نعلم أنّ أعظم فخرنا هو علمنا ومعرفتنا،

والاطلاع على أسمائک وصفاتک وعالم خلقک أی أفعالک،

إلاّ أنّه لا یتیسر طیّ هذا الطریق الصعب إلاّ بتوفیقک، فوفقنا

وثبت أقدامنا.

یا مولانا! إنّ شیاطین الدرب کثیرون، وأودیته

خطرة، وموانعه عدیدة، ولا یمکن رفع هذه الموانع إلاّ

بامداداتک، فزودنا بها وبألطافک الخاصة.

آمین یا رب العالمین

نهایة المجلد الأول من نفحات القرآن

(التفسیر الموضوعی)

صباح الجمعة ـ 8 رجب 1408 هـ . ق

الموافق لـ 7 / 12 / 1366 هـ . ش