(وَجَاوَزْنَا بِبَنِى إِسْرَائِیلَ الْبَحْرَ فَأَتَوا عَلَى قَوْم یَعْکُفُونَ عَلَى أَصْنَام لَّهُمْ قَالُوا یَا مُوسَى اجْعَلْ لَّنَا إِلَـهًا کَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّکُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ).(الأعراف / 138)

إنَّ ما یثیر العَجب هو أنّ بنى اسرائیل شاهدوا بأم أعینهم الإعجاز والعظمة الإلهیّة فی غرقِ الفراعنة، ونجاتهم عندما عبروا النیل، وبالرغم من ذلک کله یقترحون على موسى أن یجعل لهم صنماً یعبدونه.

لکن موسى أجابهم أنَّ جهلکم دعاکم إلى عبادة الأصنام.

وفی الحقیقة أنّ عبادة الأصنام دائماً تنشأ عن الجهل، وإلاّ فکیف یمکن للإنسان أن یعبد ما یصنع بیده؟ وکیف له أن یطلب حل المعضلات والمشاکل الکبرى التی تعتری حیاته من قطعة من خَشب أو معدن؟!

إنَّ تاریخ عبادة الأصنام یکشف عن أنّ هذا العمل القبیح نَما وتطور تحت ظلِّ من الخرافات والأوهام، وکلما تقدمت الشعوب فی مجال العلوم والتقنیة کلما تراجع الشرک وعبادة الأصنام وازدادت أنوار التوحید ضیاءً:

إنَّ النبی العظیم «هود» کان یصرح لقوم «عاد» بهذا الأمر إلاّ أنّه عندما شاهد فیهم الإصرار على عبادة الأصنام طلب من الله سبحانه أن یُنزل العذاب علیهم قال:

(إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَاللهِ وَأُبَلِّغُکُم مَّا أُرسِلْتُ بِهِ وَلَـکِنِّى أَرَاکُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ). (الاحقاف / 23)

إنَّ التعبیر بـ «تجهلون» أی بصیغة المضارع الذی عادة ما یدل على الاستمرار، یوضح أنّ «الجهل المستمر» کان منبع الشرک وعبادة الأصنام، وفی الحقیقة إنَّ تعاضد ثلاثة أنواع من الجهل ولدت هذه الحالة الاجتماعیة، وهی: الجهل بالله وبأنّه لا کفو ولا مثیل له، والجهل بمقام الإنسان وأنّه أشرف المخلوقات، والجهل بالطبیعة وأنّه لا قیمة للجمادات فی قبال موجود کالإنسان.

ترى! کیف سمح الإنسان لنفسه أنْ یجعل قطعة من الحجر اقتطعت من الجبل تارة فی درجات السلّم فی منزلة یسحقها بأقدامه، وتارة یصنع منها صنماً یرکع ویسجد له ویطلب منها حل مشکلاته الکبرى؟، یعدون هذا جهل(1)؟

1. یقول أمیر المؤمنین (علیه السلام): «الجاهل لا یرتدع، وبالمواعظ لا ینتفع». (غرر الحکم، ج 1، ص 68). ویقول الإمام الصادق(علیه السلام): «لیس بین الإیمان والکفر إلا قلّة العقل». (اصول الکافی، ج 1، ص 28).