إنّ الالتفات إلى کون علم البشر محدوداً لهُ آثار ونتائج إیجابیة بنّاءة، نذکرها هنا:

1 ـ الحد من الغرور العلمی: نعلم أنّ البشر قد واجه مصائب کثیرة من جراء الغرور العلمی، ومثاله ما ظهر فی حدود القرن الثامن عشر المیلادی فی اروبا فعندما حصلت قفزة فی العلوم الطبیعیة آنذاک، تصور بعض العلماء أنّ جمیع ألغاز الکون قد حلت وأنّ أسراره قد کُشفت، ولهذا أنکروا کل شیء یکمن وراء معلوماتهم، بل سخروا من جمیع الاُمور التی لا تدخل فی اطار معلوماتهم، وقد وصل انکارهم إلى حد سخروا من وجود الروح حیث قال بعضهم: لا نؤمن بوجود الروح مالم نشاهدها تحت سکاکین الجراحة فی غرفة العملیات، أو بما أنّ الله لا یدرک بالحس فلا وجود له!

إنّ هذا النوع من الغرور خلق مشاکل کثیرة، والأمر الوحید الذی یمکنه أن یحطم هذا الغرور العلمی هو الالتفات إلى ضآلة العلوم البشریة بالقیاس إلى المجهولات، طبقاً للأدلة التی ذکرت سابقاً.

إنّ الالتفات إلى هذه الحقیقة هو الذی جعل العلماء المتعمقین یعترفون بما قاله أحدهم: «إنّ علمی وصل إلى مستوىً بأنّی أعلم أنّی لا أعلم» و«معلوماتی صفر والمجهولات بالقیاس لها غیر متناهیة».

2 ـ الحرکة العلمیة الأسرع: إنّ الالتفات إلى هذه الحقیقة یسوق الإنسان نحو السعی الحثیث والجهاد المخلص والمتواصل لحل ألغاز عالم الوجود، خاصة وأنّه یرى أنّ أبواب العلم مفتوحة أمامه، ولا ییأس من الحصول على علوم أکثر.

وَمن الواضح أنّ الإنسان لا یسعى وراء الکمال مالم یشعر بالنقص، ولا یبحث عن الدواء ما لم یحس بألم المرض، ولهذا یقال: إنّ الاحساس بالألم احدى نِعَم الله العظیمة، وان أسوء الأمراض هی تلک التی لا یصحبها الألم لأنّ المریض لا یطّلع على المرض إلاّ بعد أن ینقض علیه ویهلکه.

إنّ الالتفات إلى ظئالة العلم البشری یخلق عند الإنسان ردّ فعل إیجابیّ یدفعه نحو التحقیق والتفحص أکثر فأکثر، وقد یکون هذا الأمر هو أحد أهداف القرآن الکریم عند تأکیده على نقصان العلم البشری.

3 ـ الالتفات إلى مبدأ أسمى: من الآثار الإیجابیة التی یترکها الاحساس بالنقص العلمی عند کل فرد هو أن الإنسان شاء أم أبى یجد نفسه بحاجة إلى مبدأ أعظم تکون عنده جمیع أسرار العالم مکشوفة، وألغازه محلولة، إنّ هذه القضیة تهییء الأرضیة لقبول دعوة الأنبیاء، وتفتح أمامه سبلا للاهتمام بالمصادر والطرق العلمیة التی تفوق علم البشر.

على أیّة حال، إنّ الالتفات إلى کون علم البشر محدوداً مع غض النظر عن کونه حقیقة، له آثار تربویة وإیجابیة جمة.