إنّ هذا السؤال من جملة الأسئلة التی طرحت حول مسألة الوحی، کیف علم الرسول بأنّ الوحی من الله ولیس إِلقاءً شیطانیاً؟ وبتعبیر آخر: ما هو مصدر هذا العلم والیقین؟
إنّ الجواب عن هذا السؤال واضح، فاضافة إلى أنّ الفرق بین الالقاءات الرحمانیة والالقاءات الشیطانیة کالفرق بین السماء والأرض، فإنّ محتوى کلٍّ منهما یعرف نفسه، وینبغی القول: إنّ الرسول عندما یتصل بالوحی یذعن بحقیقته بالنظر الباطنی، وأمره کالشمس الساطعة نهاراً، فلا نعتنی بالذی یشکک بوجودها ویقول: یُحتمل أن تکون وهماً لا أکثر، وذلک لأنّ احساسنا بها قطعی ولا یقبل الشک.
یقول العلاّمة الطباطبائی(قدس سره) فی تفسیره للآیة: (فَلَمَّا أتَاهَا نُودِىَ یَا مُوسَى * إِنَّى أَنَا رَبُّکَ...). (طه / 11 ـ 12)
وهذا حال النّبی والرسول فی أوّل ما یوحى إلیه بالنبوّة والرسالة ، لم یختلجه شک ولم یعتره ریب فی أنّ الذی یوحی إلیه هو الله سبحانه، من غیر أن یحتاج إلى إمعان نظر أو التماس دلیل، أو إقامة حجة، ولو افتقر إلى شیء من ذلک کان اکتساباً بالقوة النظریة، لا تلقیاً من الغیب، من غیر واسطة(1).
ومن هنا یتّضح عدم صحة ما جاء فی بعض الروایات من أنّ الوحی عندما نزل لأول مرّة على الرسول فی غار «حراء» ذهب إلى بیت خدیجة وقصّ علیها ما جرى واضاف: إِنی أخاف على نفسى (أی أخاف أن تکون الایحاءات شیطانیة لا إِلهیة) فطمأنته خدیجة، ثم ذهبت به إلى ورقة بن نوفل (ابن عم خدیجة) الذی کان یدین بالمسیحیة فی عهد الجاهلیة، وکان یجید القراءة والکتابة العربیة والعبریة، فطلب من النبی أن یشرح ما جرى له .. وبعد ما قصَّ الرسول(صلى الله علیه وآله) ما جرى له، قال ورقة: إنّه هو الوحی الذی کان یهبط على موسى(علیه السلام)وأضاف: لیتنی أکون حیاً کی أرى کیف یخرجک قومک من هذه المدینة(2).
وکون هذا الحدیث مختلق أمر لا ریب ولا شک فیه، إذ کیف یحتاج الرسول الذی ارتبط بعالم الغیب وکل وجوده یشعر بهذه الرابطة، إلى ورقة بن نوفل الکاهن النصرانی؟ وکیف یمکن الاعتماد على مثل هذا الوحی؟
لماذا لم یشک به موسى بن عمران عندما نزل علیه أوّل مرّة فی طور سیناء؟ بالرغم من أنّ موسى سمع صوته فقط ولم یشاهده، ألیس هذا دلیلا على وجود أیاد خفیة تهدف من وراء تلفیق هذه الخرافات إلى النیل من الوحی والنبوة وتضعیف أسس الدین الإسلامی؟